صفحة جزء
ابن أبي العزاقر

الزنديق المعثر أبو جعفر ، محمد بن علي ، الشلمغاني الرافضي .

[ ص: 567 ] قال بالتناسخ ، وبحلول الإلهية فيه ، وأن الله يحل في كل شيء بقدر ما يحتمله ، وأنه خلق الشيء وضده ، فحل في آدم وفي إبليسه ، وكل منهما ضد للآخر .

وقال : إن الضد أقرب إلى الشيء من شبهه ، وإن الله يحل في جسد من يأتي بالكرامات ليدل على أنه هو ، وإن الإلهية اجتمعت في نوح وإبليسه ، وفي صالح وعاقر الناقة ، وفي إبراهيم ونمروذ ، وعلي وإبليسه .

وقال : من احتاج الناس إليه فهو إله .

وسمى موسى ومحمدا الخائنين ; لأن هارون أرسل موسى ، وعليا أرسل محمدا ، فخاناهما . وإن عليا أمهل محمدا ثلاثمائة سنة ثم تذهب شريعته .

ومن رأيه ترك الصلاة والصوم ، وإباحة كل فرج ، وأنه لا بد للفاضل أن ينيك المفضول ليولج فيه النور ، ومن امتنع مسخ في الدور الثاني .

فربط الجهلة وتخرق ، وأضل طائفة ، فأظهر أمره أبو القاسم الحسين بن روح -رأس الشيعة ، الملقب بالباب- إلى صاحب الزمان ، فطلب ابن أبي العزاقر ، فاختفى ، وتسحب إلى الموصل ، فأقام هناك سنين ، ورجع ، فظهر عنه ادعاء الربوبية ، واتبعه الوزير حسين بن الوزير القاسم بن عبيد الله بن وهب وزير المقتدر فيما قيل ، وابنا بسطام ، وإبراهيم بن أبي عون ، فطلبوا ، فتغيبوا ، فلما كان في شوال من سنة [ ص: 568 ] اثنتين وعشرين ظفر الوزير ابن مقلة بهذا ، فسجنه ، وكبس داره ، فوجد فيها رقاعا وكتبا مما يدعى عليه ، وفيها خطابه بما لا يخاطب به بشر ، فعرضت عليه ، فأقر أنها خطوطهم ، وتنصل مما يقال فيها ، وتبرأ منهم ، فمد ابن عبدوس يده ، فصفعه .

وأما ابن أبي عون فمد يده إليه ، فارتعدت يده ، ثم قبل لحيته ورأسه وقال : إلهي ، ورازقي ، وسيدي! . فقال له الراضي بالله : قد زعمت أنك لا تدعي الإلهية ، فما هذا؟ قال : وما علي من قول هذا؟ والله يعلم أنني ما قلت له : إنني إله قط .

فقال ابن عبدوس : إنه لم يدع إلهية ; إنما ادعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر . ثم إنهم أحضروا مرات بمحضر الفقهاء والقضاة ، ثم في آخر الأمر أفتى العلماء بإباحة دمه ، فأحرق في ذي القعدة من السنة ، وضرب ابن أبي عون بالسياط ، ثم ضربت عنقه وأحرق .

وله مصنفات أدبية ، وكان من كبار الكتاب .

وذكرنا في الحوادث أن في هذا العام ظهر الشلمغاني .

وشلمغان : قرية من قرى واسط . فشاع عنه ادعاء الربوبية ، وأنه يحيي الموتى ، فأحضره ابن مقلة عند الراضي ، فسمع كلامه ، وأنكر ما قيل عنه . وقال : لتنزلن العقوبة على الذي باهلني بعد ثلاث ، وأكثره تسعة أيام ، وإلا فدمي حلال . فضرب ثمانين سوطا ، ثم قتل وصلب .

وقتل بسببه وزير المقتدر ، الحسين اتهم بالزندقة . وقتل أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن هلال بن أبي عون الأنباري الكاتب .

وقد كان أبو علي الحسين -ويقال : الجمال- وزر للمقتدر في سنة [ ص: 569 ] تسع عشرة وثلاثمائة ، ولقبوه عميد الدولة ، وعزل بعد سبعة أشهر ، وسجن ، وعقد له مجلس في كائنة الشلمغاني ، ونوظر ، فظهرت رقاعه يخاطب الشلمغاني فيها بالإلهية ، وأنه يحييه ويميته ، ويسأله أن يغفر له ذنوبه . فأخرجت تلك الرقاع ، وشهد جماعة أنه خطه ، فضربت عنقه ، وطيف برأسه في ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ، وعاش ثمانيا وسبعين سنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية