صفحة جزء
المطيع لله

الخليفة أبو القاسم الفضل بن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن الموفق العباسي .

ولد سنة إحدى وثلاثمائة .

وبويع بحكم خلع المستكفي نفسه سنة 334 ، وأمه اسمها مشغلة أم ولد .

[ ص: 114 ] حدث عن : أبي القاسم البغوي .

روي عنه : أبو الفضل التميمي .

وكان كالمقهور مع نائب العراق ابن بويه ، قرر له في اليوم مائة دينار فقط .

واشتد الغلاء المفرط ببغداد ، فذكر ابن الجوزي أنه اشتري لمعز الدولة كر دقيق بعشرين ألف درهم .

قلت : ذلك سبعة عشر قنطارا بالدمشقي ; [ لأن الكر أربعة وثلاثون كارة ] والكارة خمسون رطلا .

واقتتل صاحب الموصل ناصر الدولة ، ومعز الدولة ، فالتقوا بعكبرا ، فانتصر ناصر الدولة ، ونزل بالجانب الشرقي ، ثم تلاشى أمره وفر ، فوضعت الديلم السيف والنهب في البلد ، وسبيت النساء .

ثم تمكن المطيع قليلا ، ثم اصطلح ابن بويه وصاحب الموصل ، فعز ذلك على الأتراك الذين قوي بهم صاحب الموصل ، وهموا بقتله ، فحاربهم فمزقهم وهرب إليه أبو جعفر بن شيرزاد ، فسمله وسجنه .

وفيها -أعني : سنة 336- خرج معز الدولة والمطيع إلى البصرة [ ص: 115 ] لحرب أبي القاسم عبد الله بن أبي عبد الله البريدي ، فاستأمن إليهم عسكر أبي القاسم ، وهرب هو إلى القرامطة وعظم معز الدولة ، ثم جاء أبو القاسم مستأمنا إلى بغداد ، فأقطع قرى ثم اختلف صاحب الموصل ومعز الدولة ، وفر عن الموصل صاحبها ، ثم صالح على أن يحمل في السنة ثمانية آلاف ألف درهم .

وفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة مرض معز الدولة بعلة الإنعاظ وأرجف بموته ، فعقد إمرة الأمراء لابنه بختيار ، واستوزر أبا محمد المهلبي ، وعظم قدره .

وفي سنة سبع وأربعين استولى معز الدولة على الموصل ، وساق وراء ناصر الدولة إلى نصيبين ، فهرب إلى حلب ، فبالغ أخوه في خدمته ، وتراسلا في أن يكون الموصل بيد سيف الدولة ; لأن ناصر الدولة غدر ونكث غير مرة بابن بويه ، ومنع الحمل ، ثم رد معز الدولة إلى بغداد .

وفي سنة خمسين ضمن معز الدولة الشرطة والحسبة ببغداد ، [ ص: 116 ] وظلم ، وأنشأ دارا لم يسمع بمثلها ، خرب لأجلها دور الناس ، وغرم عليها إلى أن مات ستمائة ألف دينار .

واستضرت الروم على بلاد الشام ، وأخذوا حلب بالسيف وغيرها من المدائن كسروج والرها ، وأول تمكنهم أنهم هزموا سيف الدولة في سنة تسع وثلاثين ، فنجا بالجهد في نفر يسير ، وبلغهم وهن الخلافة ، وعجز سيف الدولة عنهم بعد أن هزمهم غير مرة .

وفي سنة 353 قصد معز الدولة الموصل ، ففر عنها ناصر الدولة ، ثم التقوا فانتصر ناصر الدولة ، وأسر الترك ، واستأمن إليه الديلم ، وأخذ ثقل معز الدولة وخزائنه ، ثم صالحه وكان يقام مأتم عاشوراء ببغداد ، ويقع فتن كبار لذلك .

ثم مات الوزير المهلبي سنة 351 ومات معز الدولة ، فقام ابنه عز الدولة بختيار سنة ست وخمسين فجرت فتنة محمد بن الخليفة المستكفي ; فإنه لما كحل أبوه فر هو إلى مصر ، وأقام عند كافور ، ثم قويت نفسه ، وقدم بغداد سرا ، فعرف عز الدولة ، وبايعه في الباطن كبراء ، فظفر به عز الدولة فقطع أنفه وأذنيه ، وسجنه ثم هرب هو وأخوه علي من الدار يوم عيد ، وصار إلى ما وراء النهر ، وخمل أمره .

وفي سنة ستين فلج المطيع ، وبطل نصفه ، وتملك بنو عبيد مصر [ ص: 117 ] والشام ، وأذنوا بدمشق " بحي على خير العمل " وغلت البلاد بالرفض شرقا وغربا وخفيت السنة قليلا ، واستباحت الروم نصيبين وغيرها ، فلا قوة إلا بالله .

وقتل ببغداد راجل من أعوان الشحنة ، فبعث رئيس بغداد من طرح النار في أسواق ، فاحترقت بغداد حريقا مهولا ، واحترق النساء والأولاد ، فعدة ما احترق ثلاثمائة وعشرون دارا وثلاثمائة وسبعة عشر دكانا ، وثلاثة وثلاثون مسجدا .

وكثر الدعاء على الرئيس ، وهو أبو الفضل الشيرازي ثم سقي وهلك وأنشئت مدينة القاهرة للمعز العبيدي ، ووزر ببغداد أبو طاهر بن بقية ، فكان راتبه من الثلج في اليوم ألف رطل ، ومن الشمع في الشهر ألف من ، فوزر لعز الدولة أربع سنين ، ثم صلبه عضد الدولة .

ولما تحكم الفالج في المطيع دعاه سبكتكين الحاجب إلى عزل نفسه ، وتسليم الخلافة إلى ابنه الطايع ، ففعل ذلك في ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وستين . وأثبتوا خلعه على أبي الحسن [ ص: 118 ] بن أم شيبان القاضي ، ثم كان بعد يدعى الشيخ الفاضل .

وفيها أقيمت الدعوة العبيدية بالحرمين للمعز واستفحل البلاء باللصوص ببغداد ، وركبوا الخيل ، وأخذوا الخفارة ، وتلقبوا بالقواد .

ثم إن المطيع خرج وولده الخليفة الطايع لله إلى واسط ، فمات هناك في المحرم سنة أربع وستين وثلاثمائة بعد ثلاثة أشهر من عزله وعمره ثلاث وستون سنة ، رحمه الله .

فكانت خلافته ثلاثين سنة سوى أشهر .

وفي أيامه تلقب صاحب الأندلس الناصر المرواني بأمير المؤمنين وقال : أنا أحق بهذا اللقب من خليفة من تحت يد بني بويه . وصدق الناصر ; فإنه كان بطلا شجاعا سائسا مهيبا له غزوات مشهودة ، وكان خليقا للخلافة ، ولكن كان أعظم منه بكثير المعز العبيدي الإسماعيلي النحلة ، وأوسع ممالكا ، حكم على الحرمين ومصر والشام والمغرب .

التالي السابق


الخدمات العلمية