صفحة جزء
أبو نعيم : حدثنا عبد الجبار بن العباس ، عن عمار الدهني : أن [ ص: 291 ] كعبا مر على علي ، فقال : يقتل من ولد هذا رجل في عصابة لا يجف عرق خيلهم حتى يردوا على محمد - صلى الله عليه وسلم - فمر حسن ، فقيل : هذا ؟ قال : لا . فمر حسين ، فقيل : هذا ؟ قال : نعم .

حصين بن عبد الرحمن : عن العلاء بن أبي عائشة ، عن أبيه ، عن رأس الجالوت ، قال : كنا نسمع أنه يقتل بكربلاء ابن نبي .

المطلب بن زياد ، عن السدي ، قال : رأيت الحسين وله جمة خارجة من تحت عمامته .

وقال العيزار بن حريث : رأيت على الحسين مطرفا من خز .

وعن الشعبي ، قال : رأيت الحسين يتختم في شهر رمضان .

وروى جماعة : أن الحسين كان يخضب بالوسمة وأن خضابه أسود .

بلغنا أن الحسين لم يعجبه ما عمل أخوه الحسن من تسليم الخلافة إلى معاوية ، بل كان رأيه القتال ، ولكنه كظم وأطاع أخاه وبايع . وكان يقبل جوائز معاوية ، ومعاوية يرى له ، ويحترمه ، ويجله ، فلما أن فعل معاوية ما فعل بعد وفاة السيد الحسن من العهد بالخلافة إلى ولده يزيد ، تألم [ ص: 292 ] الحسين ، وحق له ، وامتنع هو وابن أبي بكر وابن الزبير من المبايعة ، حتى قهرهم معاوية ، وأخذ بيعتهم مكرهين ، وغلبوا ، وعجزوا عن سلطان الوقت . فلما مات معاوية ، تسلم الخلافة يزيد ، وبايعه أكثر الناس ، ولم يبايع له ابن الزبير ولا الحسين ، وأنفوا من ذلك . ورام كل واحد منهما الأمر لنفسه ، وسارا في الليل من المدينة .

سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : استشارني الحسين في الخروج ، فقلت : لولا أن يزرى بي وبك ، لنشبت يدي في رأسك . فقال : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن أستحل حرمتها ، يعني مكة . وكان ذلك الذي سلى نفسي عنه .

يحيى بن إسماعيل البجلي حدثنا الشعبي قال : كان ابن عمر قدم المدينة ، فأخبر أن الحسين قد توجه إلى العراق ، فلحقه على مسيرة ليلتين ، فقال : أين تريد ؟ قال : العراق ، ومعه طوامير وكتب ، فقال : لا تأتهم . قال : هذه كتبهم وبيعتهم . فقال : إن الله خير نبيه بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ، وإنكم بضعة منه ، لا يليها أحد منكم أبدا ، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم ، فارجعوا ، فأبى ، فاعتنقه ابن عمر ، وقال : أستودعك الله من قتيل .

زاد فيه الحسن بن عيينة : عن يحيى بن إسماعيل ، عن الشعبي : [ ص: 293 ] ناشده ، وقال : إن أهل العراق قوم مناكير ، قتلوا أباك ، وضربوا أخاك ، وفعلوا وفعلوا .

ابن المبارك : عن بشر بن غالب ، أن ابن الزبير قال للحسين : إلى أين تذهب ؟ إلى قوم قتلوا أباك ، وطعنوا أخاك . فقال : لأن أقتل أحب إلي من أن تستحل ، يعني مكة .

أبو سلمة المنقري : حدثنا معاوية بن عبد الكريم ، عن مروان الأصفر ، حدثني الفرزدق قال : لما خرج الحسين لقيت عبد الله بن عمرو ، فقلت : إن هذا قد خرج ، فما ترى ؟ قال : أرى أن تخرج معه ، فإنك إن أردت دنيا أصبتها ، وإن أردت آخرة أصبتها ، فرحلت نحوه ، فلما كنت في بعض الطريق ، بلغني قتله ، فرجعت إلى عبد الله ، وقلت : أين ما ذكرت ؟ قال : كان رأيا رأيته .

قلت : هذا يدل على تصويب عبد الله بن عمرو للحسين في مسيره ، وهو رأي ابن الزبير وجماعة من الصحابة شهدوا الحرة .

ابن سعد : أخبرنا الواقدي ، حدثنا ابن أبي ذئب ، حدثني عبد الله بن عمير ( ح ) ، وأخبرنا ابن أبي الزناد ، عن أبي وجزة ( ح ) ، ويونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، وسمى طائفة ، ثم قال : فكتبت جوامع حديثهم في مقتل الحسين . قال : كان أهل الكوفة يكتبون إلى الحسين يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية ، كل ذلك يأبى ، فقدم منهم قوم إلى محمد ابن الحنفية ، وطلبوا إليه المسير معهم ، فأبى ، وجاء إلى الحسين ، فأخبره ، [ ص: 294 ] وقال : إن القوم يريدون أن يأكلوا بنا ، ويشيطوا دماءنا ، فأقام حسين على ما هو عليه متردد العزم ، فجاءه أبو سعيد الخدري ، فقال : يا أبا عبد الله إني لك ناصح ومشفق ، وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتك ، فلا تخرج إليهم ، فإني سمعت أباك يقول بالكوفة : والله لقد مللتهم وملوني وأبغضتهم ، وأبغضوني ، وما بلوت منهم وفاء ، ولا لهم ثبات ولا عزم ولا صبر على السيف .

قال : وقدم المسيب بن نجبة وعدة إلى الحسين بعد وفاة الحسن ، فدعوه إلى خلع معاوية ، وقالوا : قد علمنا رأيك ورأي أخيك ، فقال : أرجو أن يعطي الله أخي على نيته ، وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين .

وكتب مروان إلى معاوية : إني لست آمن أن يكون الحسين مرصدا للفتنة ، وأظن يومكم منه طويلا .

فكتب معاوية إلى الحسين : إن من أعطى الله صفقة يمينه وعهده لجدير أن يفي ، وقد أنبئت بأن قوما من الكوفة دعوك إلى الشقاق ، وهم من قد جربت ، قد أفسدوا على أبيك وأخيك ، فاتق الله ، واذكر الميثاق ، فإنك متى تكدني ، أكدك .

فكتب إليه الحسين : أتاني كتابك ، وأنا بغير الذي بلغك جدير ، وما أردت لك محاربة ولا خلافا ، وما أظن لي عذرا عند الله في ترك جهادك ، وما أعلم فتنة أعظم من ولايتك . فقال معاوية : إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا .

[ ص: 295 ] - وعن جويرية بن أسماء ، عن مسافع بن شيبة قال : لقي الحسين معاوية بمكة عند الردم ، فأخذ بخطام راحلته ، فأناخ به ، ثم ساره طويلا ، وانصرف ، فزجر معاوية الراحلة ، فقال له ابنه يزيد : لا يزال رجل قد عرض لك ، فأناخ بك ، قال : دعه لعله يطلبها من غيري ، فلا يسوغه ، فيقتله -

رجع الحديث إلى الأول :

قالوا : ولما حضر معاوية ، دعا يزيد ، فأوصاه ، وقال : انظر حسينا ، فإنه أحب الناس إلى الناس ، فصل رحمه ، وارفق به ، فإن يك منه شيء ، فسيكفيك الله بمن قتل أباه ، وخذل أخاه .

ومات معاوية في نصف رجب ، وبايع الناس يزيد ، فكتب إلى والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان : أن ادع الناس وبايعهم ، وابدأ بالوجوه ، وارفق بالحسين ، فبعث إلى الحسين وابن الزبير في الليل ، ودعاهما إلى بيعة يزيد فقالا : نصبح وننظر فيما يعمل الناس . ووثبا فخرجا . وقد كان الوليد أغلظ للحسين ، فشتمه حسين ، وأخذ بعمامته ، فنزعها ، فقال الوليد : إن هجنا بهذا إلا أسدا . فقال له مروان أو غيره : اقتله . قال : إن ذاك لدم مصون .

وخرج الحسين وابن الزبير لوقتهما إلى مكة ، ونزل الحسين بمكة دار العباس ، ولزم عبد الله الحجر ، ولبس المعافري وجعل يحرض على بني أمية ، وكان يغدو ويروح إلى الحسين ، ويشير عليه أن يقدم العراق ، ويقول : هم شيعتكم . وكان ابن عباس ينهاه .

[ ص: 296 ] وقال له عبد الله بن مطيع : فداك أبي وأمي ، متعنا بنفسك ولا تسر ، فوالله لئن قتلت ليتخذونا خولا وعبيدا .

ولقيهما عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة منصرفين من العمرة ، فقال لهما : أذكركما الله إلا رجعتما ، فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس وتنظران ، فإن اجتمع عليه الناس لم تشذا ، وإن افترق عليه كان الذي تريدان .

وقال ابن عمر للحسين : لا تخرج ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ، وإنك بضعة منه ولا تنالها ، ثم اعتنقه ، وبكى ، وودعه . فكان ابن عمر يقول : غلبنا بخروجه ، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة ، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك .

وقال له ابن عباس : أين تريد يا ابن فاطمة ؟ قال : العراق وشيعتي . قال : إني كاره لوجهك هذا ، تخرج إلى قوم قتلوا أباك . . .

إلى أن قال : وقال له أبو سعيد : اتق الله ، والزم بيتك .

وكلمه جابر ، وأبو واقد الليثي . وقال ابن المسيب : لو أنه لم يخرج ، لكان خيرا له .

قال : وكتبت إليه عمرة تعظم ما يريد أن يصنع ، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه ، وتقول : حدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 297 ] يقول : يقتل حسين بأرض بابل فلما قرأ كتابها ، قال : فلا بد إذا من مصرعي .

وكتب إليه عبد الله بن جعفر يحذره ويناشده الله . فكتب إليه : إني رأيت رؤيا ، رأيت فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمرني بأمر أنا ماض له .

وأبى الحسين على كل من أشار عليه إلا المسير إلى العراق .

وقال له ابن عباس : إني لأظنك ستقتل غدا بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان ، وإني لأخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

قال : أبا العباس ! إنك شيخ قد كبرت .

فقال : لولا أن يزرى بي وبك ، لنشبت يدي في رأسك ، ولو أعلم أنك تقيم إذا لفعلت ، ثم بكى ، وقال : أقررت عين ابن الزبير . ثم قال بعد لابن الزبير : قد أتى ما أحببت أبو عبد الله ، يخرج إلى العراق ، ويتركك والحجاز :

يا لك من قنبرة بمعمر


خلا لك البر فبيضي واصفري


ونقري ما شئت أن تنقري



[ ص: 298 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية