صفحة جزء
الصعلوكي

الإمام العلامة ذو الفنون أبو سهل محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن هارون الحنفي العجلي الصعلوكي النيسابوري ، الفقيه [ ص: 236 ] الشافعي ، المتكلم ، النحوي ، المفسر ، اللغوي ، الصوفي ، شيخ خراسان .

قال الحاكم : هو حبر زمانه ، وبقية أقرانه ، ولد سنة ست وتسعين ومائتين وأول سماعه في سنة خمس وثلاثمائة واختلف إلى ابن خزيمة ، ثم اختلف إلى أبي علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي ، وناظر وبرع ، ثم استدعي إلى أصبهان ، فلما بلغه نعي عمه أبي الطيب الصعلوكي ، خرج في الخفية حتى قدم نيسابور في سنة سبع وثلاثين ، ثم نقل أهله من أصبهان . أفتى ودرس بنيسابور نيفا وثلاثين سنة .

سمع إمام الأئمة ابن خزيمة ، وأبا العباس السراج ، وأحمد بن الماسرجسي ، وأبا قريش محمد بن جمعة ، وأحمد بن عمر المحمداباذي ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم ، وسمع ببغداد من إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، وابن الأنباري ، والمحاملي ، وكان يمتنع عن التحديث كثيرا إلى سنة خمس وستين فأجاب إلى الإملاء ، وقد سمعت أبا بكر الصبغي غير مرة يعوذ الأستاذ أبا سهل ، ويقول : بارك الله فيك ، لا أصابك العين . وقيل : سئل أبو الوليد حسان الفقيه ، عن أبي بكر القفال ، وأبي سهل الصعلوكي ، أيهما أرجح ، فقال : ومن يقدر أن يكون مثل أبي سهل .

وقال الفقيه أبو بكر الصيرفي : لم ير أهل خراسان مثل أبي سهل .

قال الصاحب إسماعيل بن عباد ، ما رأينا مثل أبي سهل ، ولا رأى مثل نفسه .

وقال أبو عبد الله الحاكم : أبو سهل مفتي البلدة وفقيهها ، وأجدل من رأينا من الشافعية بخراسان ، وهو مع ذلك أديب ، شاعر ، نحوي ، كاتب [ ص: 237 ] عروضي ، صحب الفقراء .

قال الشيخ أبو إسحاق في " الطبقات " : الصعلوكي من بني حنيفة ، وهو صاحب أبي إسحاق المروزي ، مات في آخر سنة تسع وستين وثلاثمائة وكان فقيها أديبا ، متكلما ، مفسرا ، صوفيا ، كاتبا . عنه أخذ ابنه أبو الطيب وفقهاء نيسابور .

قلت : هو صاحب وجه ، ومن غرائبه وجوب النية لإزالة النجاسة .

وقال أبو العباس النسوي : كان أبو سهل الصعلوكي مقدما في علم التصوف ، صحب الشبلي ، وأبا علي الثقفي ، والمرتعش ، وله كلام حسن في التصوف .

قلت : مناقب هذا الإمام جمة .

قال أبو القاسم القشيري : سمعت أبا بكر بن فورك يقول : سئل الأستاذ أبو سهل عن جواز رؤية الله بالعقل ، فقال : الدليل عليه شوق المؤمنين إلى لقائه ، والشوق إرادة مفرطة ، والإرادة لا تتعلق بمحال . وقال السلمي : سمعت أبا سهل يقول : ما عقدت على شيء قط ، وما كان لي قفل ولا مفتاح ، ولا صررت على فضة ولا ذهب قط . وسمعته يسأل عن التصوف ، فقال : الإعراض عن الاعتراض . وسمعته يقول : من قال لشيخه : لم ؟ لا يفلح أبدا .

[ ص: 238 ] وقد حضر أبو القاسم النصراباذي وجماعة ، وتكلم قوال فقال : جعلت تنزهي نظري إليكا ، فقال النصراباذي : قل ، جعلت ، فقال أبو سهل : بل جعلت ، فرأينا النصراباذي ألطف قولا منه في ذلك ، فقال : ما لنا وللتفرقة ؟ ! أليس عين الجمع أحق ؟ فسكت النصراباذي ومن حضر .

قلت : يشير إلى الوحدة وهي الجمع ، وهذا الجمع مقيد بناظر ومنظور ، وهو يرجع إلى القدر ، فما جعل نظره حتى جعله الله ، قال تعالى وما تشاءون إلا أن يشاء الله يعني : إذا قلتها بالضم أو بالفتح فهما متلازمان .

قال السلمي : قال لي أبو سهل : أقمت ببغداد سبعة أعوام ما مرت بي جمعة إلا ولي على الشبلي وقفة أو سؤال . ودخل الشبلي على أبي إسحاق المروزي فرآني عنده ، فقال : ذا المجنون من أصحابك ، لا بل من أصحابنا .

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله ، أخبرنا محمد بن يوسف الحافظ ، أخبرتنا زينب بنت أبي القاسم ، ( ح ) ، وأخبرنا أحمد عن زينب ، قالت : أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم ، أخبرنا عمر بن مسرور ، أخبرنا أبو سهل محمد بن سليمان الحنفي إملاء ، حدثنا أبو قريش الحافظ ، حدثنا يحيى بن سليمان بن نضلة ، حدثنا مالك عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : المؤمن يأكل في معى واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء .

[ ص: 239 ] وبه أنشدنا أبو سهل الحنفي لنفسه

أنام على سهو وتبكي الحمائم وليس لها جرم ومني الجرائم     كذبت وبيت الله لو كنت عاقلا
لما سبقتني بالبكاء الحمائم

قال الحاكم : توفي أبو سهل في ذي القعدة سنة تسع وستين وثلاثمائة . قلت : وفيها مات شيخ العارفين أبو عبد الله أحمد بن عطاء الروذباري ، بصور ، وقد روى عن البغوي . وشيخ الحنابلة أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن شاقلا البزاز ببغداد كهلا . والحافظ أبو سعيد الحسين بن محمد بن علي الزعفراني بأصبهان ، وشيخ التعبير رحيم بن سعيد الدمشقي الضرير خاتمة من حدث عن أبي زرعة الدمشقي عن مائة وسبع سنين ، ومسند بغداد أبو محمد بن ماسي البزاز ، وقاضي دمشق أبو محمد عبد الله بن أحمد بن راشد ابن أخت وليد البغدادي ، والحافظ أبو الشيخ بأصبهان ، وقاضي القضاة أبو الحسن محمد بن صالح بن علي ابن أم شيبان العباسي ببغداد ، والحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سهل الغزال بأصبهان ، والحافظ أبو بكر محمد بن علي النقاش بتنيس ، وأبو علي مخلد بن جعفر الباقرحي ، سمعنا مشيخته .

التالي السابق


الخدمات العلمية