صفحة جزء
[ ص: 247 ] السلمي

محمد بن الحسين بن محمد بن موسى بن خالد بن سالم بن زاوية بن سعيد بن قبيصة بن سراق ، الأزدي ، السلمي الأم ، الإمام الحافظ المحدث ، شيخ خراسان وكبير الصوفية ، أبو عبد الرحمن النيسابوري الصوفي ، صاحب التصانيف .

أفرد له المحدث أبو سعيد محمد بن علي الخشاب ترجمة في جزء ، فقال : ولد في عاشر جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وثلاثمائة ، وذلك بعد موت مكي بن عبدان بستة أيام ، وكتب بخطه في سنة ثلاث وثلاثين عن أبي بكر الصبغي ، ومن الأصم ، وأبي عبد الله بن الأخرم ، وسمع كثيرا من جده لأمه إسماعيل بن نجيد ، ومن خلق كثير . وله رحلة -يعني : إلى العراق - ابتدأ بالتصنيف سنة نيف وخمسين وثلاثمائة ، وصنف في علوم القوم سبعمائة جزء ، وفي أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- من جمع الأبواب والمشايخ وغير ذلك ثلاثمائة جزء ، وكانت تصانيفه مقبولة . [ ص: 248 ]

قال الخشاب : كان مرضيا عند الخاص والعام ، والموافق والمخالف ، والسلطان والرعية ، في بلده وفي سائر بلاد المسلمين ، ومضى إلى الله كذلك ، وحبب تصانيفه إلى الناس ، وبيعت بأغلى الأثمان ، وقد بعت يوما من ذلك -على رداءة خطي- بعشرين دينارا ، وكان في الأحياء ، وقد سمع منه كتاب " حقائق التفسير " أبو العباس النسوي ، فوقع إلى مصر ، فقرئ عليه ، ووزعوا له ألف دينار ، وكان الشيخ ببغداد حيا . وسمعت أبا مسلم غالب بن علي الرازي يقول : لما قرأنا كتاب " تاريخ الصوفية " في شهور سنة أربع وثمانين وثلاثمائة بالري ، قتل صبي في الزحام ، وزعق رجل في المجلس زعقة ، ومات ، ولما خرجنا من همذان ، تبعنا الناس لطلب الإجازة مرحلة .

قال السلمي : ولما دخلنا بغداد ، قال لي الشيخ أبو حامد الإسفراييني : أريد أن أنظر في " حقائق التفسير " ، فبعثت به إليه ، فنظر فيه ، وقال : أريد أن أسمعه ، ووضعوا لي منبرا .

قال : ورأينا في طريق همذان أميرا ، فاجتمعت به ، فقال : لا بد من كتابة " حقائق التفسير " . فنسخ له في يوم ، فرق على خمسة وثمانين ناسخا ، ففرغوه إلى العصر ، وأمر لي بفرس جواد ومائة دينار وثياب كثيرة ، فقلت : قد نغصت علي ، وأفزعتني ، وأفزعت الحاج ، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ترويع المسلم ، فإن أردت أن يبارك لك في الكتاب ، فاقض لي حاجتي . قال : وما هي ؟ قلت : أن تعفيني من هذه الصلة . فإني لا أقبل ذلك . ففرقها في نقباء الرفقة ، وبعث من خفرنا ، وكان الأمير نصر بن سبكتكين صاحب الجيش عالما ، فلما رأى ذلك التفسير ، أعجبه ، وأمر بنسخه في عشر مجلدات ، وكتبة الآيات بماء الذهب ثم قالوا : تأتي حتى [ ص: 249 ] يسمع الأمير الكتاب . فقلت : لا آتيه البتة . ثم جاءوا خلفي إلى الخانقاه ، فاختفيت ، ثم بعث بالمجلد الأول ، وكتبت له بالإجازة .

قال : ولما توفي جدي أبو عمرو ، خلف ثلاثة أسهم في قرية ، قيمتها ثلاثة آلاف دينار ، وكانوا يتوارثون ذلك عن جده أحمد بن يوسف السلمي ، وكذلك خلف أيضا ضياعا ومتاعا ، ولم يكن له وارث غير والدتي ، وكان على التركات رجل متسلط ، فكان من صنع الله أنه لم يأخذ من ذلك شيئا ، وسلم إلي الكل ، فلما تهيأ أبو القاسم النصراباذي للحج ، استأذنت أمي في الحج ، فبعت سهما بألف دينار ، وخرجت سنة 366 ، فقالت أمي : توجهت إلى بيت الله ، فلا يكتبن عليك حافظاك شيئا تستحي منه غدا . وكنت مع النصراباذي أي بلد أتيناه يقول : قم بنا نسمع الحديث . وسمعته يقول : إذا بدا لك شيء من بوادي الحق ، فلا تلتفت معها إلى جنة ولا نار . وإذا رجعت عن تلك الحال ، فعظم ما عظمه الله .

وقال : أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة ، وترك الأهواء والبدع ، وتعظيم حرمات المشايخ ، ورؤية أعذار الخلق ، والدوام على الأوراد .

قال عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في " سياق التاريخ " : أبو عبد الرحمن شيخ الطريقة في وقته ، الموفق في جميع علوم الحقائق ، ومعرفة طريق التصوف ، وصاحب التصانيف المشهورة العجيبة ، ورث التصوف من أبيه وجده ، وجمع من الكتب ما لم يسبق إلى ترتيبه حتى بلغ فهرس كتبه المائة أو أكثر ، حدث أكثر من أربعين سنة قراءة وإملاء ، وكتب الحديث بنيسابور ومرو والعراق والحجاز ، وانتخب عليه الحفاظ . سمع من أبيه وجده ابن نجيد ، وأبي عبد الله الصفار ، وأبي العباس الأصم ، ومحمد بن يعقوب الحافظ ، وأبي إسحاق الحيري ، وأبي جعفر الرازي ، وأبي الحسن [ ص: 250 ] الكارزي ، وأبي الحسن الطرائفي ، والإمام أبي بكر الصبغي ، والأستاذ أبي الوليد حسان ، وابني المؤمل ، ويحيى بن منصور القاضي ، وأبي سعيد بن رميح ، وأبي بكر القطيعي ، وطبقتهم .

وولد في سنة ثلاثين وثلاثمائة ، كذا ورخه عبد الغافر ، فالله أعلم .

وقال : حدثنا عنه جدي زين الإسلام القشيري ، وأبو سعيد بن رامش ، وأبو بكر بن زكريا ، وأبو صالح المؤذن ، وأبو بكر بن خلف ، ومحمد بن إسماعيل التفليسي ، وأبو نصر الجوري ، وعلي بن أحمد المديني .

قلت : ومحمد بن يحيى المزكي ، وأبو بكر البيهقي ، والقاسم بن الفضل الثقفي ، وخلق كثير ، وما هو بالقوي في الحديث .

ذكره الخطيب فقال : محله كبير ، وكان مع ذلك صاحب حديث ، مجودا ، جمع شيوخا وتراجم وأبوابا ، وعمل دويرة للصوفية ، وصنف سننا وتفسيرا .

قال أبو الوليد القشيري : سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يسأل أبا علي الدقاق ، فقال : الذكر أتم أم الفكر ؟ فقال : ما الذي يفتح للشيخ فيه ؟ قال أبو عبد الرحمن : عندي الذكر أتم ، لأن الحق يوصف بالذكر ، ولا يوصف بالفكر . فاستحسنه أبو علي .

السلمي : حدثنا محمد بن العباس الضبي ، حدثنا محمد بن أبي علي ، حدثنا الفضل بن محمد بن نعيم ، سمعت علي بن حجر ، سمعت أبا [ ص: 251 ] حاتم الفراهيجي ، سمعت فضالة النسوي ، سمعت ابن المبارك يقول : حق على العاقل أن لا يستخف بثلاثة : العلماء والسلاطين والإخوان ، فإنه من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ، ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه ، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته .

القشيري : سمعت السلمي يقول : خرجت إلى مرو في حياة الأستاذ أبي سهل الصعلوكي ، وكان له قبل خروجي أيام الجمع بالغدوات مجلس دور القرآن بختم ، فوجدته عند رجوعي قد رفع ذلك المجلس ، وعقد لابن العقابي في ذلك الوقت مجلس القول فداخلني من ذلك شيء ، وكنت أقول في نفسي : استبدل مجلس الختم بمجلس القول -يعني الغناء - فقال لي يوما : يا أبا عبد الرحمن : أيش يقول الناس لي ؟ قلت : يقولون : رفع مجلس القرآن ، ووضع مجلس القول . فقال : من قال لأستاذه : لم ؟ لا يفلح أبدا .

قلت : ينبغي للمريد أن لا يقول لأستاذه : لم ، إذا علمه معصوما لا يجوز عليه الخطأ ، أما إذا كان الشيخ غير معصوم ، وكره قول : لم ؟ فإنه لا يفلح أبدا ، قال الله -تعالى- : وتعاونوا على البر والتقوى . [ ص: 252 ] قال : وتواصوا بالحق وتواصوا بالمرحمة بلى هنا مريدون أثقال أنكاد ، يعترضون ولا يقتدون ، ويقولون ولا يعملون ، فهؤلاء لا يفلحون .

قال الخطيب قال لي محمد بن يوسف القطان النيسابوري : كان أبو عبد الرحمن السلمي غير ثقة ، وكان يضع للصوفية الأحاديث .

قلت : وللسلمي سؤالات للدارقطني عن أحوال المشايخ الرواة سؤال عارف ، وفي الجملة ففي تصانيفه أحاديث وحكايات موضوعة ، وفي " حقائق تفسيره " أشياء لا تسوغ أصلا ، عدها بعض الأئمة من زندقة الباطنية ، وعدها بعضهم عرفانا وحقيقة ، نعوذ بالله من الضلال ومن الكلام بهوى ، فإن الخير كل الخير في متابعة السنة والتمسك بهدي الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم .

مات السلمي في شهر شعبان سنة اثنتي عشرة وأربعمائة ، وقيل : في رجب بنيسابور ، وكانت جنازته مشهودة .

وفيها مات عبد الجبار الجراحي والحسين بن عمر بن برهان الغزال وأبو الحسن بن رزقويه ومنير بن أحمد الخشاب [ ص: 253 ] والمحدث أبو سعد الماليني وأبو أحمد عبد الله بن عمر الكرجي السكري ، ومحمد بن أحمد غنجار .

أخبرنا أبو نصر الفارسي وأبو سعيد الحلبي قالا : أخبرنا علي بن محمود ، وأخبرنا بلال الحبشي ، أخبرنا عبد الوهاب بن ظافر قالا : أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد ، أخبرنا القاسم بن الفضل ، أخبرنا محمد بن الحسين ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد بن حسين الشيباني ، حدثنا أحمد بن زغبة ، حدثنا حامد بن يحيى ، حدثنا سفيان ، حدثني عمرو بن دينار ، عن أبي سلمة ، عن أم سلمة : أن الزبير خاصم رجلا ، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للزبير ، فقال الرجل : إنما قضى له أنه ابن عمته . فأنزل الله هذه الآية : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية .

تفرد به حامد البلخي ، وهو صدوق مكثر .

أخبرنا أحمد بن هبة الله ، أخبرنا الحسن بن محمد بن عساكر ( ح ) [ ص: 254 ] وأخبرنا محمد بن حازم ، أخبرنا ابن غسان ( خ ) وأخبرنا الحسن بن علي ، أخبرنا مكرم بن أبي الصقر قالوا : أخبرنا أبو المظفر سعيد بن سهل الفلكي ، أخبرنا علي بن أحمد المديني ، أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي ، حدثنا أحمد بن محمد بن عبدوس ، حدثنا عثمان بن سعيد ، أخبرنا القعنبي ، حدثنا الدراوردي ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا دعا أحدكم ، فلا يقل : اللهم إن شئت . ولكن ليعزم ، وليعظم الرغبة ؛ فإن الله لا يتعاظم عليه شيء أعطاه رواه مسلم .

ومن كبار شيوخه أحمد بن علي بن حسنويه المقرئ وأبو ظهير عبد الله بن فارس العمري البلخي ، وسعيد بن القاسم البردعي .

قال الخطيب وأخبرنا أبو القاسم القشيري قال : جرى ذكر السلمي ، وأنه يقوم في السماع موافقة للفقراء ، فقال أبو علي الدقاق : مثله في حاله لعل السكون أولى به ، امض إليه ، فستجده قاعدا في بيت كتبه ، على وجه الكتب مجلدة مربعة فيها أشعار الحلاج ، فهاتها ، ولا تقل له شيئا . قال : فدخلت عليه وإذا هو في بيت كتبه ، والمجلدة بحيث ذكر ، فلما قعدت ، أخذ في الحديث ، وقال : كان بعض الناس ينكر على عالم حركته في السماع ، فرئي ذلك الإنسان يوما خاليا في بيت وهو يدور كالمتواجد ، فسئل عن حاله ، فقال : كانت مسألة مشكلة علي ، تبين لي معناها ، فلم أتمالك من السرور ، حتى قمت أدور فقل له : مثل هذا يكون حالهم . قال : فلما رأيت ذلك منهما ، تحيرت كيف أفعل بينهما ، فقلت : لا وجه إلا [ ص: 255 ] الصدق ، فقلت : إن أبا علي وصف هذه المجلدة ، وقال : احملها إلي من غير أن تعلم الشيخ ، وأنا أخافك ، وليس يمكنني مخالفته ، فأيش تأمر ؟ فأخرج أجزاء من كلام الحسين الحلاج ، وفيها تصنيف له سماه " الصيهور في نقض الدهور " ، وقال : احمل هذه إليه .

وقيل : بلغت تآليف السلمي ألف جزء و " حقائقه " قرمطة ، وما أظنه يتعمد الكذب ، بلى يروي عن محمد بن عبد الله الرازي الصوفي ، أباطيل وعن غيره .

قال الإمام تقي الدين ابن الصلاح في " فتاويه " : وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسر - رحمه الله - أنه قال : صنف أبو عبد الرحمن السلمي " حقائق التفسير " ، فإن كان اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر .

قلت : واغوثاه ! واغربتاه ! .

التالي السابق


الخدمات العلمية