صفحة جزء
القفال

الإمام العلامة الكبير ، شيخ الشافعية ، أبو بكر ، عبد الله بن أحمد بن عبد الله ، المروزي الخراساني . [ ص: 406 ] حذق في صنعة الأقفال حتى عمل قفلا بآلاته ومفتاحه ، زنة أربع حبات ، فلما صار ابن ثلاثين سنة ، آنس من نفسه ذكاء مفرطا ، وأحب الفقه ، فأقبل على قراءته حتى برع فيه ، وصار يضرب به المثل ، وهو صاحب طريقة الخراسانيين في الفقه .

تفقه بأبي زيد الفاشاني وسمع منه ، ومن الخليل بن أحمد السجزي ، وسمع ببخارى وهراة .

تفقه عليه أبو عبد الله محمد بن عبد الملك المسعودي ، وأبو علي الحسين بن شعيب السنجي ، وأبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن فوران المراوزة .

قال الفقيه ناصر العمري : لم يكن في زمان أبي بكر القفال أفقه منه ، ولا يكون بعده مثله ، وكنا نقول : إنه ملك في صورة الإنسان . حدث ، وأملى ، وكان رأسا في الفقه ، قدوة في الزهد .

وقال أبو بكر السمعاني في " أماليه " : كان وحيد زمانه فقها وحفظا وورعا وزهدا ، وله في المذهب من الآثار ما ليس لغيره من أهل عصره ، وطريقته المهذبة في مذهب الشافعي التي حملها عنه أصحابه أمتن طريقة ، وأكثرها تحقيقا ، رحل إليه الفقهاء من البلاد ، وتخرج به أئمة . [ ص: 407 ] ابتدأ بطلب العلم وقد صار ابن ثلاثين سنة ، فترك صنعته ، وأقبل على العلم .

وذكر ناصر المروزي أن بعض الفقهاء المختلفين إلى القفال احتسب على بعض أتباع متولي مرو ، فرفع ذلك إلى السلطان محمود ، فقال : أيأخذ القفال شيئا من ديواننا ؟ قال : لا . قال : فهل يتلبس بشيء من الأوقاف ؟ قال : لا . قال : فإن الاحتساب لهم سائغ ، دعهم .

حكى القاضي حسين عن القفال أستاذه أنه كان في كثير من الأوقات يقع عليه البكاء حالة الدرس ، ثم يرفع رأسه ويقول : ما أغفلنا عما يراد بنا . تخرج القفال كما قدمنا على أبي زيد ، وقبره بمرو يزار . مات في سنة سبع عشرة وأربعمائة في جمادى الآخرة وله من العمر تسعون سنة ، وسماعاته نازلة ، لأنه سمع في الكهولة وقبلها . ومات فيها أحمد بن محمد بن سلامة الستيتي الأديب الراوي عن خيثمة بدمشق ، وأبو الحسن بن أبي الشوارب الأموي قاضي القضاة ببغداد ، وعبد الله بن يحيى السكري الراوي عن الصفار ، ومقرئ العصر [ ص: 408 ] أبو الحسن بن الحمامي وحافظ نيسابور أبو حازم العبدويي والمسند أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان العكبري شيخ ابن البطر ، وأبو نصر بن هارون الجندي بدمشق . ولأكثرهم هنا تراجم ، وإنما أحببت الجمع لينضبط موتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية