صفحة جزء
ابن عباد

القاضي الكبير ، أمير إشبيلية ومدبرها وحاكمها ، أبو القاسم محمد [ ص: 528 ] بن إسماعيل بن عباد بن قريش ، اللخمي ، من ذرية أمير الحيرة النعمان بن المنذر ، أصله من الشام من بلد العريش ، فدخل أبوه الأندلس ، ونشأ أبو القاسم ، فبرع في العلم ، وتنقلت به الأحوال ، وولي قضاء إشبيلية في أيام بني حمود العلوية ، فساس البلد ، وحمد ، ورمقته العيون ، ثم سار يحيى بن علي بن حمود ، وكان ظلوما ، فحاصر إشبيلية ، فاجتمع الأعيان على القاضي ، وأطاعوه ، ثم قالوا : انهض بنا إلى هذا الظالم ، ونملكك . فأجابهم ، وتهيأ للحرب ، وذكرنا أن يحيى ركب إليهم سكران ، فقتل ، وتمكن القاضي ، ودانت له الرعية ، ولقب بالظافر ، ثم إنه تملك قرطبة وغيرها .

وقصته مشهورة مع الشخص الذي زعم أنه المؤيد بالله المرواني ، وكان خبر المرواني قد انقطع من عشرين سنة ، وجرت فتن صعبة في هذه السنين ، فقيل لابن عباد : إن المؤيد حي بقلعة رباح في مسجد ، فطلبه ، واحترمه ، وبايعه بالخلافة ، وصير نفسه كوزير له .

قال الأمير عزيز : حسد ابن عباد ، وقالوا : قتل يحيى الإدريسي من أهل البيت ، وقتل ابن ذي النون ظلما ، فبقي يفكر فيما يفعله ، فجاءه رجل ، فقال : رأيت المؤيد . فقال : انظر ما تقول! قال : إي والله هو [ ص: 529 ] هو . وقال تومرت عبد كان يخدم المؤيد : وأنا إذا رأيت سيدي عرفته ، ولي فيه علامات . فأرسل رجلا مع ذلك الرجل إلى قلعة رباح ، فوجداه ، فقدم معهما ، فلما رآه تومرت ، وثب ، وقبل قدمه ، وقال : مولاي والله ! فقبل حينئذ القاضي يده ، ثم بويع ، وأخرجه يوم الجمعة ، ومشوا بين يديه إلى الجامع ، ثم خطب المؤيد الناس ، وصلى بهم ، وبقي ابن عباد كالحاجب له على قاعدة الحاجب المنصور بن أبي عامر ، غير أن المؤيد يخرخ إلى الجمعة دائما ، ودانت له أكثر المدن .

قال عزيز : هرب المؤيد من قرطبة عام أربعمائة متنكرا حتى قدم مكة ومعه كيس جواهر ، فشعر به حرامية مكة ، فأخذوه منه ، وبقي يومين لم يطعم ، ثم عمل في الطين وتقوت ، ثم توصل إلى القدس ، فتعلم نسج الحصر ، ثم رجع إلى الأندلس سنة 24 . قال عزيز : هذا رواه مشايخ .

وقال ابن حزم : فضيحة! أربعة رجال في مسافة ثلاثة أيام يسمون أمير المؤمنين في وقت ; أحدهم خلف الحصري بإشبيلية على أنه المؤيد بالله . والثاني محمد بن القاسم الإدريسي بالجزيرة الخضراء ، والثالث محمد بن إدريس بن علي بن حمود بمالقة ، والرابع إدريس بن يحيى بن علي بن حمود بشنترين . فهذه أخلوقة لم يسمع بمثلها! وخطب لخلف على المنابر ، وسفكت الدماء ، وتصادمت الجيوش ، فأقام في الأمر نيفا وعشرين سنة ، وابن عباد القاضي كالوزير بين يديه .

قلت : مات القاضي في جمادى الأولى ، سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ، ودفن بقصر إشبيلية ، وخلفه ابنه المعتضد بالله عباد فدامت دولته [ ص: 530 ] إلى سنة أربع وستين وأربعمائة .

وقيل : بل بقي القاضي محمد إلى سنة تسع وثلاثين ، وكان يستعين بالوزير محمد بن الحسن الزبيدي ، وبعيسى بن حجاج الحضرمي ، وبعبد الله بن علي الهوزني ، وكان له ابنان : إسماعيل قتل في مصاف والمعتضد الذي تملك بعده .

التالي السابق


الخدمات العلمية