صفحة جزء
القزويني

الإمام القدوة ، العارف ، شيخ العراق ، أبو الحسن ، علي بن عمر بن محمد ، ابن القزويني البغدادي الحربي الزاهد .

سمع أبا عمر بن حيويه ، وأبا حفص بن الزيات ، وأبا بكر بن شاذان ، والقاضي أبا الحسن الجراحي ، وأبا الفتح القواس وطبقتهم ، وأملى عدة مجالس .

حدث عنه : الخطيب ، وابن خيرون ، وأبو الوليد الباجي ، وأبو علي أحمد بن محمد البرداني ، وأبو سعد أحمد بن محمد بن شاكر الطرسوسي ، وجعفر بن أحمد السراج ، والحسن بن محمد الباقرحي ، وأبو العز محمد بن [ ص: 610 ] المختار ، وأحمد بن محمد بن بغراج ، وهبة الله بن أحمد الرحبي ، وأبو منصور أحمد بن محمد الصيرفي ، وعلي بن عبد الواحد الدينوري ، وخلق سواهم .

قال الخطيب كتبنا عنه ، وكان أحد الزهاد ، ومن عباد الله الصالحين ، يقرئ القرآن ، ويروي الحديث ، ولا يخرج من بيته إلا للصلاة رحمة الله عليه ، قال لي : ولدت سنة ستين وثلاثمائة ، ومات في شعبان سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة ، وغلقت جميع بغداد يوم دفنه ، لم أر جمعا على جنازة أعظم منه .

قال أبو نصر هبة الله بن المجلي : حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن طلحة بن المنقي قال : حضرت والدي الوفاة ، فأوصى إلي بما أفعله ، وقال : تمضي إلى القزويني ، وتقول له : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، وقال لي : اقرأ على القزويني مني السلام ، وقل له : بالعلامة أنك كنت بالموقف في هذه السنة ، فلما مات ، جئت إليه ، فقال لي ابتداء : مات أبوك ؟ قلت : نعم . قال : رحمه الله ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصدق أبوك . وأقسم علي أن لا أحدث به في حياته .

أخبرنا الحسن بن علي ، أخبرنا جعفر بن علي ، أخبرنا السلفي قال : سألت شجاعا الذهلي عن أبي الحسن القزويني ، فقال : كان علم الزهاد والصالحين ، وإمام الأتقياء الورعين ، له كرامات ظاهرة معروفة يتداولها الناس ، لم يزل يقرئ ويحدث إلى أن مات .

وقال أبو صالح المؤذن في " معجمه " : أبو الحسن القزويني الشافعي [ ص: 611 ] المشار إليه في زمانه ببغداد في الزهد والورع وكثرة القراءة ، ومعرفة الفقه والحديث ، تلا على أبي حفص الكتاني ، وقرأ القراءات ، ولم يكن يعطي من يقرأ عليه إسنادا بها .

وقال هبة الله بن المجلي في كتاب " مناقب القزويني " : كان يعني : كلمة إجماع في الخير ، وممن جمعت له القلوب ، فحدثني أحمد بن محمد الأمين قال : كتبت عنه مجالس أملاها في مسجده وكان أي جزء وقع بيده ، خرج منه عن شيخ واحد جميع المجلس ، ويقول : حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفى . وكان أكثر أصوله بخطه . وسمعت عبد الله بن سبعون القيرواني يقول : القزويني ثقة ثبت ، ما رأيت أعقل منه . وقيل : إن أبا الحسن علق تعليقة عن أبي القاسم الداركي ، وله تعليق في النحو عن ابن جني ، سمعت أبا العباس المؤدب وغيره يقولان : إن القزويني سمع الشاة تذكر الله تعالى . وحدثني هبة الله بن أحمد الكاتب أنه زار قبر ابن القزويني ، ففتح ختمة هناك ، وتفاءل للشيخ ، فطلع أول ذلك : وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين .

وروي عن أقضى القضاة الماوردي قال : صليت خلف أبي الحسن القزويني ، فرأيت عليه قميصا نقيا مطرزا ، فقلت في نفسي : أين الطرز من الزهد ؟ فلما سلم ، قال : سبحان الله ! الطرز لا ينقض حكم الزهد .

وذكر محمد بن حسين القزاز قال : كان ببغداد زاهد خشن العيش ، وكان يبلغه أن ابن القزويني يأكل الطيب ، ويلبس الرقيق ، فقال : سبحان [ ص: 612 ] الله ! رجل مجمع على زهده وهذا حاله ! أشتهي أن أراه . فجاء إلى الحربية ، فرآه ، فقال الشيخ : سبحان الله ! رجل يومأ إليه بالزهد ، يعارض الله في أفعاله ، وما هنا محرم ولا منكر . فشهق ذلك الرجل ، وبكى .

وقال أبو نصر بن الصباغ الفقيه : حضرت عند ابن القزويني ، فدخل عليه أبو بكر بن الرحبي ، فقال : أيها الشيخ ، أي شيء أمرتني نفسي أخالفها ؟ قال : إن كنت مريدا ، فنعم ، وإن كنت عارفا ، فلا . فانصرفت ، وأنا مفكر ، وكأنني لم أصوبه ، فرأيت ليلتي كأن من يقول لي وقد هالني أمر : هذا بسبب ابن القزويني . وحدثني أبو القاسم عبد السميع الهاشمي ، عن عبد العزيز الصحراوي الزاهد قال : كنت أقرأ على القزويني ، فجاء رجل مغطى الوجه ، فوثب الشيخ إليه ، وصافحه ، وجلس بين يديه ساعة ، فسألت صاحبي : من هذا ؟ قال : تعرفه ؟ هذا أمير المؤمنين القادر بالله .

وحدثنا أحمد بن محمد الأمين قال : رأيت الملك أبا كاليجار قائما يشير إليه أبو الحسن بالجلوس ، فلا يفعل .

وحدثني علي بن محمد الطراح الوكيل قال : رأيت الملك أبا طاهر بن بويه قائما بين يدي الشيخ أبي الحسن يومئ بالجلوس ، فيأبى .

ثم سرد له ابن المجلي كرامات منها شهوده عرفة وهو ببغداد ، ومنها ذهابه إلى مكة ، فطاف ، ورجع من ليلته .

أخبرنا أبو علي ابن الخلال ، أخبرنا جعفر الهمذاني ، أخبرنا السلفي : [ ص: 613 ] سمعت جعفرا السراج يقول : رأيت على أبي الحسن القزويني ثوبا رقيقا ، فخطر لي : كيف مثله في زهده يلبس هذا ؟ فنظر في الحال إلي ، وقال : قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده وحضرت عنده يوما للسماع إلى أن وصلت الشمس إلينا ، وتأذينا بحرها ، فقلت في نفسي : لو تحول الشيخ إلى الظل . فقال في الحال : قل نار جهنم أشد حرا .

ومات مع القزويني في سنة 442 أبو الحسين أحمد بن علي التوزي ، وشيخ العربية أبو القاسم عمر بن ثابت الثمانيني صاحب ابن جني ، والواعظ أبو طاهر محمد بن علي بن محمد العلاف وأبو القاسم عبد العزيز بن أحمد بن فاذويه .

التالي السابق


الخدمات العلمية