صفحة جزء
[ ص: 220 ] زيد بن حارثة

ابن شراحيل - أو شرحبيل - بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان .

الأمير الشهيد النبوي المسمى في سورة الأحزاب ، أبو أسامة الكلبي ، ثم المحمدي ، سيد الموالي ، وأسبقهم إلى الإسلام ، وحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو حبه ، وما أحب - صلى الله عليه وسلم - إلا طيبا ، ولم يسم الله - تعالى - في كتابه صحابيا باسمه إلا زيد بن حارثة وعيسى بن مريم - عليه السلام - الذي ينزل حكما مقسطا ويلتحق بهذه الأمة المرحومة في صلاته وصيامه وحجه ونكاحه وأحكام الدين الحنيف جميعها ، فكما أن أبا القاسم سيد الأنبياء وأفضلهم وخاتمهم ، فكذلك عيسى بعد نزوله أفضل هذه الأمة مطلقا ، ويكون ختامهم ، ولا يجيء بعده من فيه خير ; بل تطلع الشمس من مغربها ، ويأذن الله بدنو الساعة .

أخبرنا أبو الفضل بن عساكر ، أنبأنا عبد المعز بن محمد ، أنبأنا تميم ، أنبأنا أبو سعد ، أنبأنا ابن حمدان ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا بندار ، حدثنا . [ ص: 221 ] عبد الوهاب الثقفي ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن ، عن أسامة بن زيد ، عن أبيه قال : خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما حارا من أيام مكة وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب وقد ذبحنا له شاة فأنضجناها ، فلقينا زيد بن عمرو بن نفيل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا زيد ، ما لي أرى قومك قد شنفوا لك ؟ " قال : والله يا محمد إن ذلك لغير نائلة لي فيهم ، لكني خرجت أبتغي هذا الدين حتى قدمت على أحبار فدك ، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به . فقدمت على أحبار خيبر ، فوجدتهم كذلك ، فقدمت على أحبار الشام ، فوجدت كذلك فقلت : ما هذا بالدين الذي أبتغي . فقال شيخ منهم : إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله به إلا شيخ بالحيرة .

فخرجت حتى أقدم عليه ، فلما رآني قال : ممن أنت ؟ قلت من أهل بيت الله . قال : إن الذي تطلب قد ظهر ببلادك ، قد بعث نبي طلع نجمه ، وجميع من رأيتهم في ضلال . قال : فلم أحس بشيء . قال : فقرب إليه السفرة ، فقال : ما هذا يا محمد ؟ قال : " شاة ذبحناها لنصب " . قال : فإني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه . وتفرقنا ، فأتى رسول الله البيت ، فطاف به - وأنا معه - وبالصفا والمروة ، وكان عندهما صنمان من نحاس : إساف ونائلة ، وكان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما ، فقال النبي : " لا تمسحهما ; فإنهما رجس " . فقلت في نفسي : لأمسنهما حتى أنظر ما يقول . فمسستهما ، فقال : " يا زيد ، ألم تنه "
.

قال : ومات زيد بن عمرو وأنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد : [ ص: 222 ] " إنه يبعث أمة وحده " .

في إسناده محمد لا يحتج به ، وفي بعضه نكارة بينة .

عن الحسن بن أسامة بن زيد قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكبر من زيد بعشر سنين . قال : وكان قصيرا ، شديد الأدمة ، أفطس .

رواه ابن سعد ، عن الواقدي ، حدثنا محمد بن الحسن بن أسامة ، عن أبيه ، ثم قال ابن سعد : كذا صفته في هذه الرواية . وجاءت من وجه آخر أنه كان شديد البياض ، وكان ابنه أسامة أسود ، ولذلك أعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول مجزز القائف حيث يقول : إن هذه الأقدام بعضها من بعض .

[ ص: 223 ] لوين : حدثنا حديج ، عن أبي إسحاق قال : كان جبلة بن حارثة في الحي ، فقالوا له : أنت أكبر أم زيد ؟ قال : زيد أكبر مني ، وأنا ولدت قبله ، وسأخبركم : إن أمنا كانت من طيئ ، فماتت ، فبقينا في حجر جدنا ، فقال عماي لجدنا : نحن أحق بابني أخينا . فقال : خذا جبلة ، ودعا زيدا ، فأخذاني ، فانطلقا بي ، فجاءت خيل من تهامة ، فأخذت زيدا ، فوقع إلى خديجة ، فوهبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم .

عبد الملك بن أبي سليمان حدثنا أبو فزارة قال : " أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة غلاما ذا ذؤابة قد أوقفه قومه بالبطحاء للبيع ، فأتى خديجة ، فقالت : كم ثمنه ؟ قال : سبع مائة : قالت : خذ سبع مائة . فاشتراه وجاء به إليها فقال : أما إنه لو كان لي لأعتقته . قالت : فهو لك . فأعتقه " . [ ص: 224 ]

وعن سليمان بن يسار وغيره قالوا : أول من أسلم زيد بن حارثة .

موسى بن عقبة عن سالم ، عن أبيه قال : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد . فنزلت ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله [ الأحزاب : 5 ] .

إسماعيل بن أبي خالد : عن أبي عمرو الشيباني قال : أخبرني جبلة بن حارثة ، قال : قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : يا رسول الله ، ابعث معي أخي [ ص: 225 ] زيدا . قال : " هو ذا ، فإن انطلق ، لم أمنعه " فقال زيد : لا والله ، لا أختار عليك أحدا أبدا . قال : فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي سمعه علي بن مسهر منه .

ذكره ابن إسحاق وغيره فيمن شهد بدرا .

وقال سلمة بن الأكوع : غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وغزوت مع زيد بن حارثة - كان يؤمره علينا . [ ص: 226 ]

الواقدي : حدثنا محمد بن الحسن بن أسامة ، عن أبي الحويرث قال : خرج زيد بن حارثة أميرا سبع سرايا .

الواقدي : حدثنا ابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك - تعني من سرية أم قرفة - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي . فقرع زيد الباب ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجر ثوبه عريانا ، ما رأيته عريانا قبلها - صلى الله عليه وسلم - حتى اعتنقه وقبله ثم ساءله ، فأخبره بما ظفره الله .

ابن إسحاق : عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن حارثة : " يا زيد ، أنت مولاي ، ومني وإلي ، وأحب القوم إلي " .

رواه أحمد في " المسند " . [ ص: 227 ]

إسماعيل بن جعفر وابن عيينة ، عن عبد الله بن دينار ، سمع ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أسامة على قوم ، فطعن الناس في إمارته ، فقال : " إن تطعنوا في إمارته ، فقد طعنتم في إمارة أبيه ، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إلي ، وإن ابنه هذا لأحب الناس إلي بعده " .

لفظ إسماعيل : " وإن ابنه لمن أحب " .

إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم ، عن أبيه : فذكر نحوه .

وفيه : " وإن كان أبوه لخليقا للإمارة ، وإن كان لأحب الناس كلهم إلي " .

قال سالم : ما سمعت أبي يحدث بهذا الحديث قط إلا قال : والله ما حاشا فاطمة .

إبراهيم بن يحيى بن هانئ الشجري حدثني أبي ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : أتانا زيد بن حارثة ، فقام إليه [ ص: 228 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجر ثوبه ، فقبل وجهه . وكانت أم قرفة جهزت أربعين راكبا من ولدها وولد ولدها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقاتلوه ، فأرسل إليهم زيدا فقتلهم وقتلها ، وأرسل بدرعها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنصبه بالمدينة بين رمحين .

رواه المحاملي عن عبد الله بن شبيب عنه . وروى منه الترمذي عن البخاري ، عن إبراهيم هذا وحسنه .

مجالد : عن الشعبي ، عن عائشة قالت : لو أن زيدا كان حيا ، لاستخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

وائل بن داود ، عن البهي ، عن عائشة : ما بعث رسول الله زيدا في جيش قط إلا أمره عليهم ، ولو بقي بعده استخلفه أخرجه النسائي .

قال ابن عمر : فرض عمر لأسامة بن زيد أكثر مما فرض لي ، فكلمته في [ ص: 229 ] ذلك ، فقال : إنه كان أحب إلى رسول الله منك ، وإن أباه كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك .

قال الواقدي : عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد على الناس في غزوة مؤتة ، وقدمه على الأمراء ، فلما التقى الجمعان كان الأمراء يقاتلون على أرجلهم ، فأخذ زيد اللواء فقاتل وقاتل معه الناس حتى قتل طعنا بالرماح رضي الله عنه . قال : فصلى عليه رسول الله ، أي دعا له ، وقال : " استغفروا لأخيكم ، قد دخل الجنة وهو يسعى " .

وكانت مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة .

جماعة : عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، قال : لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل زيد ، وجعفر ، وابن رواحة ، قام - صلى الله عليه وسلم - فذكر شأنهم ، فبدأ بزيد ، فقال : " اللهم اغفر لزيد ، اللهم اغفر لزيد ، ثلاثا ، اللهم اغفر لجعفر وعبد الله بن رواحة " .

حماد بن زيد : عن خالد بن سلمة المخزومي ، قال : لما جاء مصاب زيد وأصحابه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزله بعد ذلك ، فلقيته بنت زيد ، فأجهشت بالبكاء في وجهه ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى انتحب ، فقيل : ما [ ص: 230 ] هذا يا رسول الله ؟ قال : " شوق الحبيب إلى الحبيب " رواه مسدد وسليمان بن حرب عنه .

حسين بن واقد : عن ابن بريدة ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " دخلت الجنة ، فاستقبلتني جارية شابة . فقلت : لمن أنت ؟ قالت : أنا لزيد بن حارثة " إسناده حسن .

التالي السابق


الخدمات العلمية