صفحة جزء
يزيد بن معاوية

ابن أبي سفيان بن حرب بن أمية ، الخليفة ، أبو خالد ، القرشي ، [ ص: 36 ] الأموي ، الدمشقي ، قد ترجمه ابن عساكر ، وهو في تاريخي الكبير .

له على هناته حسنة ، وهي غزو القسطنطينية ، وكان أمير ذلك الجيش ، وفيهم مثل أبي أيوب الأنصاري .

عقد له أبوه بولاية العهد من بعده ، فتسلم الملك عند موت أبيه في رجب سنة ستين ، وله ثلاث وثلاثون سنة . فكانت دولته أقل من أربع سنين ، ولم يمهله الله على فعله بأهل المدينة لما خلعوه . فقام بعده ولده نحوا من أربعين يوما ، ومات . وهو أبو ليلى معاوية . عاش عشرين سنة وكان خيرا من أبيه ، وبويع ابن الزبير بالحجاز والعراق والمشرق .

ويزيد ممن لا نسبه ولا نحبه ، وله نظراء من خلفاء الدولتين ، وكذلك في ملوك النواحي ، بل فيهم من هو شر منه ; وإنما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بتسع وأربعين سنة ، والعهد قريب ، والصحابة موجودون ، كابن عمر الذي كان أولى بالأمر منه ومن أبيه وجده .

قيل : إن معاوية تزوج ميسون بنت بحدل الكلبية ، فطلقها وهي حامل بيزيد ، فرأت كأن قمرا خرج منها ، فقيل : تلدين خليفة .

وكان يزيد -لما هلك أبوه- بناحية حمص فتلقوه إلى الثنية وهو بين أخواله على بختي ليس عليه عمامة ولا سيف . وكان ضخما كثير [ ص: 37 ] الشعر ، شديد الأدمة ، بوجهه أثر جدري . فقال الناس : هذا الأعرابي الذي ولي أمر الأمة ! فدخل على باب توما ، وسار إلى باب الصغير ، فنزل إلى قبر معاوية ، فوقف عليه وصفنا خلفه وكبر أربعا ، ثم أتي ببغلة ، فأتى الخضراء وأتى الناس لصلاة الظهر ، فخرج وقد تغسل ولبس ثيابا نقية ، فصلى وجلس على المنبر ، وخطب وقال : إن أبي كان يغزيكم البحر ، ولست حاملكم في البحر ، وإنه كان يشتيكم بأرض الروم فلست أشتي المسلمين في أرض العدو ، وكان يخرج العطاء أثلاثا وإنى أجمعه لكم . فافترقوا يثنون عليه .

وعن عمرو بن قيس ، سمع يزيد يقول على المنبر : إن الله لا يؤاخذ عامة بخاصة إلا أن يظهر منكر فلا يغير ، فيؤاخذ الكل ، وقيل : قام إليه ابن همام فقال : أجرك الله يا أمير المؤمنين على الرزية ، وبارك لك في العطية ، وأعانك على الرعية ، فقد رزئت عظيما ، وأعطيت جزيلا ، فاصبر واشكر ، فقد أصبحت ترعى الأمة ، والله يرعاك .

وعن زياد الحارثي قال : سقاني يزيد شرابا ما ذقت مثله ، فقلت : يا أمير المؤمنين لم أسلسل مثل هذا . قال : هذا رمان حلوان ، بعسل أصبهان بسكر الأهواز ، بزبيب الطائف ، بماء بردى .

وعن محمد بن أحمد بن مسمع قال : سكر يزيد ، فقام يرقص ، فسقط على رأسه فانشق وبدا دماغه .

قلت : كان قويا شجاعا ، ذا رأي وحزم ، وفطنة ، وفصاحة ، وله شعر جيد وكان ناصبيا فظا ، غليظا ، جلفا . يتناول المسكر ، ويفعل المنكر .

[ ص: 38 ] افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرة ، فمقته الناس .

ولم يبارك في عمره . وخرج عليه غير واحد بعد الحسين . كأهل المدينة قاموا لله وكمرداس بن أدية الحنظلي البصري ونافع بن الأزرق وطواف بن معلى السدوسي وابن الزبير بمكة .

ابن عون : عن ابن سيرين ، عن عقبة بن أوس ، عن عبد الله بن عمرو ، أنه ذكر أبا بكر الصديق فقال : أصبتم اسمه ، ثم قال : عمر الفاروق قرن من حديد ، أصبتم اسمه ، ابن عفان ذو النورين قتل مظلوما معاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة والسفاح ، وسلام ومنصور وجابر ، والمهدي ، والأمين ، وأمير العصب كلهم من بني كعب بن لؤي ، كلهم صالح ، لا يوجد مثله . تابعه هشام بن حسان .

وروى يعلى بن عطاء ، عن عمه ، قال : كنت مع عبد الله بن عمرو حين بعثه يزيد إلى ابن الزبير ، فسمعته يقول له : إني أجد في الكتب : إنك [ ص: 39 ] ستعنى ونعنى ، وتدعي الخلافة ولست بخليفة ، وإني أجد الخليفة يزيد .

وعن الحسن ، أن المغيرة بن شعبة ، أشار على معاوية ببيعة ابنه ففعل ، فقيل له : ما وراءك؟ قال : وضعت رجل معاوية في غرز غي لا يزال فيه إلى يوم القيامة ، قال الحسن : فمن أجل ذلك بايع هؤلاء أولادهم ، ولولا ذلك لكان شورى .

وروي أن معاوية كان يعطي عبد الله بن جعفر في العام ألف ألف . فلما وفد على يزيد أعطاه ألفي ألف وقال : والله لا أجمعهما لغيرك .

روى الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن مكحول ، عن أبي عبيدة مرفوعا : لا يزال أمر أمتي قائما حتى يثلمه رجل من بني أمية يقال له : يزيد .

أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ، ويرويه صدقة السمين -وليس بحجة- عن هشام ، عن مكحول ، عن أبي ثعلبة الخشني ، عن أبي عبيدة مرفوعا .

[ ص: 40 ] وعن صخر بن جويرية ، عن نافع قال : مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى ابن الحنفية ، فأرادوه على خلع يزيد فأبى ، فقال ابن مطيع : إنه يشرب الخمر ، ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب ، قال : ما رأيت منه ما تذكر وقد أقمت عنده ، فرأيته مواظبا للصلاة ، متحريا للخير ، يسأل عن الفقه . قال : ذاك تصنع ورياء .

وروى محمد بن أبي السري العسقلاني ، حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، عن نوفل بن أبي الفرات ، قال : كنت عند عمر بن عبد العزيز فقال رجل : قال أمير المؤمنين يزيد ، فأمر به فضرب عشرين سوطا .

توفي يزيد في نصف ربيع الأول سنة أربع وستين .

التالي السابق


الخدمات العلمية