صفحة جزء
ملك المغرب

أبو بكر بن عمر اللمتوني البربري . [ ص: 426 ]

ظهر بعد الأربعين وأربعمائة فذكر علي بن أبي فنون قاضي مراكش أن جوهرا - رجلا من المرابطين - قدم من الصحراء إلى بلاد المغرب ليحج - والصحراء برية واسعة جنوبي فاس وتلمسان ، متصلة بأرض السودان ، ويذكر لمتونة أنهم من حمير نزلوا في الجاهلية بهذه البراري ، وأول ما فشا فيهم الإسلام في حدود سنة أربعمائة ، ثم أمن سائرهم ، وسار إليهم من يذكر لهم جملا من الشريعة ، فحسن إسلامهم - ثم حج الفقيه المذكور ، وكان دينا خيرا ، فمر بفقيه يقرئ مذهب مالك - ولعله أبو عمران الفاسي بالقيروان - فجالسه وحج ، ورجع إليه ، ثم قال : يا فقيه ! ما عندنا في الصحراء من العلم إلا الشهادتين والصلاة في بعضنا . قال : خذ معك من يعلمهم الدين . قال جوهر : نعم وعلي كرامته . فقال لابن أخيه : يا عمر ، اذهب مع هذا . فامتنع ، فقال لعبد الله بن ياسين : اذهب معه . فأرسله . وكان عالما قوي النفس ، فأتيا لمتونة ، فأخذ جوهر بزمام جمل ابن ياسين تعظيما له ، فأقبلت المشيخة يهنئونه بالسلامة ، وقالوا : من ذا ؟ قال : حامل السنة . فأكرموه ، وفيهم أبو بكر بن عمر ، فذكر لهم قواعد الإسلام ، وفهمهم ، فقالوا : أما الصلاة والزكاة فقريب ، وأما من قتل يقتل ، ومن سرق يقطع ، ومن زنى يجلد ، فلا نلتزمه ، فاذهب ، فأخذ جوهر بزمام راحلته ، ومضيا .

وفي تلك الصحارى المتصلة بإقليم السودان قبائل ينسبون إلى حمير ، ويذكرون أن أجدادهم خرجوا من‌‌‌‌‌‌ اليمن زمن الصديق ، فأتوا مصر ، ثم غزوا المغرب مع موسى بن نصير ، ثم أحبوا الصحراء وهم : لمتونة ، وجدالة ، ولمطة ، وإينيصر ، ومسوفة . قال : فانتهيا إلى جدالة ، قبيلة جوهر ، فاستجاب [ ص: 427 ] بعضهم ، فقال ابن ياسين للذين أطاعوه : قد وجب عليكم أن تقاتلوا هؤلاء الجاحدين ، وقد تحزبوا لكم ، فانصبوا راية وأميرا . قال جوهر : فأنت أميرنا . قال : لا ، أنا حامل أمانة الشرع ، بل أنت الأمير . قال : لو فعلت لتسلطت قبيلتي ، وعاثوا . قال : فهذا أبو بكر بن عمر رأس لمتونة ، فسر إليه ، واعرض عليه الأمر ، إلى أن قال : فبايعوا أبا بكر ، ولقبوه : أمير المسلمين ، وقام معه طائفة من قومه وطائفة من جدالة ، وحرضهم ابن ياسين على الجهاد ، وسماهم المرابطين ، فثارت عليهم القبائل ، فاستمالهم أبو بكر ، وكثر جمعه ، وبقي أشرار ، فتحيلوا عليهم حتى زربوهم في مكان ، وحصروهم ، فهلكوا جوعا ، وضعفوا ، فقتلوهم ، واستفحل أمر أبي بكر بن عمر ، ودانت له الصحراء ، ونشأ حول ابن ياسين جماعة فقهاء وصلحاء ، وظهر الإسلام هناك .

وأما جوهر ، فلزم الخير والتعبد ، ورأى أنه لا وضع له ، فتألم ، وشرع في إفساد الكبار ، فعقدوا له مجلسا ، ثم أوجبوا قتله بحكم أنه شق العصا ، فقال : وأنا أحب لقاء الله . فصلى ركعتين ، وقتل . وكثرت المرابطون ، وقتلوا ، ونهبوا ، وعاثوا ، وبلغت الأخبار إلى ذلك الفقيه بما فعل ابن ياسين ، فاسترجع وندم ، وكتب إليه ينكر عليه كثرة القتل والسبي ، فأجاب يعتذر بأن هؤلاء كانوا جاهلية يزنون ، ويغير بعضهم على بعض ، وما تجاوزت الشرع فيهم .

وفي سنة خمسين وأربعمائة قحطت بلادهم ، وماتت مواشيهم ، فأمر [ ص: 428 ] ابن ياسين ضعفاءهم بالمسير إلى السوس وأخذ الزكاة ، فقدم سجلماسة منهم سبعمائة ، وسألوا الزكاة ، فجمعوا لهم مالا ، فرجعوا به ، ثم ضاقت الصحراء بهم ، وأرادوا إعلان الحق ، وأن يسيروا إلى الأندلس للغزو ، فأتوا السوس ، فحاربهم أهلها ، فقتل عبد الله بن ياسين ، وانهزم أبو بكر بن عمر ، ثم حشد وجمع وأقبل ، فالتقوه ، فانتصر ، وأخذ أسلابهم ، وقوي جأشه ، ثم نازل سجلماسة ، وطالب أهلها بالزكاة ، فبرز لحربهم مسعود الأمير ، وطالت بينهم الحرب مرات ، ثم قتلوا مسعودا ، وملكوا سجلماسة ، فاستناب أبو بكر عليها يوسف بن تاشفين ابن عمه ، فأحسن السيرة ، وذلك في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة ، ورجع الملك أبو بكر إلى الصحراء ، ثم قدم سجلماسة ، وخطب لنفسه ، واستعمل عليها ابن أخيه ، وجهز جيشه مع ابن تاشفين ، فافتتح السوس ، وكان ابن تاشفين ذا هيئة ، شجاعا ، سائسا .

توفي الملك أبو بكر اللمتوني بالصحراء في سنة اثنتين وستين وأربعمائة فتملك بعده ابن تاشفين ، ودانت له الأمم .

فأول من كان فيهم الملك من البربر صنهاجة ، ثم كتامة ، ثم لمتونة ، ثم مصمودة ، ثم زناتة .

وقد ذكر ابن دريد أن كتامة ولمتونة وهوارة من حمير ، ومن سواهم فمن [ ص: 429 ] البربر ، وبربر من ولد قيذار بن إسماعيل .

ويقال : إن دار البربر كانت فلسطين ، وملكهم هو جالوت ، فلما قتله نبي الله داود ; جلت البربر إلى المغرب ، وانتشروا إلى السوس الأقصى ، فطول أراضيهم نحو من ألف فرسخ . وغزا المسلمون فيهم في زمن بني أمية ، وأسلم خلق منهم ، وسبي من ذراريهم ، وكانت والدة المنصور بربرية ، ووالدة عبد الرحمن الداخل بربرية ، فكان يقال : تملك ابنا بربريتين الدنيا . ثم كان الذين أسلموا خوارج وإباضية حاربوا مرات ، وراموا الملك ، إلى أن سار إليهم داعي المهدي ، فاستمالهم ، وأفسد عقائدهم ، وقاموا مع المهدي وتملك المغرب بهم ، ثم سار المعز - من أولاده - في جيش من البربر ، فأخذ الديار المصرية ، ثم في كل وقت يثور بعضهم على بعض وإلى اليوم ، وفيهم حدة وشجاعة ، وإقدام على الدماء ، وهم أمم لا يحصون ، وقد تملكوا الأندلس سنة إحدى وأربعمائة ، وفعلوا العظائم ، ثم ثاروا من الصحراء - كما ذكرنا - مع أبي بكر بن عمر ، وتملكوا نحوا من ثمانين سنة ، حتى خرج من جبال درن ابن تومرت وفتاه عبد المؤمن وتملكوا المغرب ، [ ص: 430 ] ومحوا الدولة اللمتونية ، ودام ملكهم مائة وثلاثين سنة ، حتى خرج عليهم بنو مرين ، فللملك في أيديهم إلى الآن سبعون سنة ، وعظمت دولة السلطان الفقيه أبي الحسن علي المريني ، ودانت له المغرب ، وقتل صاحب تلمسان ، وله جيش عظيم ، وهيبة قوية ، وفيه دين وعدل وعلم . س

التالي السابق


الخدمات العلمية