صفحة جزء
ظهير الدين

الوزير العادل ، ظهير الدين أبو شجاع محمد بن الحسين بن [ ص: 28 ] محمد الروذراوري .

مولده بقلعة كنكور من أعمال همذان ، سنة سبع وثلاثين وأربعمائة .

قال محمد بن عبد الملك الهمذاني : تغير القائم على وزيره أبي نصر ابن جهير ، فصرفه بأبي يعلى الحسين بن محمد ، فخدم ولده أبو شجاع صهر ابن رضوان القائم بثلاثين ألف دينار . فعزل ابن جهير سنة ستين ، ومات حينئذ أبو يعلى ، فعوض ولده أبو شجاع عن المال بدار البساسيري ، فباع منها بأضعاف ذلك المال ، وتكسب ، وتعانى العقار ، ثم خدم ولي العهد المقتدي ، وصار صاحب سره ، فلما استخلف ، عظم أبو شجاع ، فسمع نظام الملك ، فكاتب المقتدي في إبعاده ، فكتب المقتدي إلى النظام بخطه يعرفه منزلة أبي شجاع لديه ، ويصف دينه وفضله ، ثم أمر أبا شجاع بالمضي إلى أصبهان ، وبعث في خدمته خادمه مختصا ، فخضع النظام ، وعاد لأبي شجاع بالود في سنة خمس وسبعين ، ثم عزل المقتدي ابن جهير في سنة ست ، واستوزر أبا شجاع وأقبلت سعادته ، وتمكن من المقتدي تمكنا عجيبا ، وعزت الخلافة ، وأمن الناس ، وعمرت العراق ، وكثرت المكاسب .

وكان كثير التلاوة والتهجد ، يكتب مصاحف ، ويجلس للمظالم ، [ ص: 29 ] فيغتص الديوان بالسادة والكبراء ، وينادي الحجاب : أين أصحاب الحوائج ؟ فينصف المظلوم ، ويؤدي عن المحبوس ، وله في عدله حكايات في إنصاف الضعيف من الأمير .

وخلعت عليه بنت السلطان ملكشاه حين تزوجت بالمقتدي ، فاستعفى من لبس الحرير ، فنفذت له عمامة ودبيقية بمائتين وسبعين دينارا ، فلبسها .

وقيل : إنه أمر ليلة بعمل قطائف ، فلما أحضرت ، تذكر نفوس مساكين تشتهيها ، فأمربحملها إلى فقراء وأضراء .

وقيل : أحصي ما أنفقه على يد كاتب له ، فبلغ أزيد من مائة ألف دينار .

قال الكاتب : وكنت واحدا من عشرة يتولون صدقاته .

وكان كاملا في فنون ، وله يد بيضاء في البلاغة والبيان ، وكتابته طبقة عالية على طريقة ابن مقلة . ولقد بالغ ابن النجار في استيفاء ترجمته .

[ ص: 30 ] وزر سبع سنين وسبعة أشهر ، ثم عزل بأمر السلطان ملكشاه للخليفة لموجدة ، فأنشد أبو شجاع : تولاها وليس له عدو وفارقها وليس له صديق ثم خرج إلى الجمعة ، فضجت العامة يدعون له ، ويصافحونه ، فألزم لذلك بأن لا يخرج من داره ، فاتخذ في دهليزه مسجدا ، ثم حج لعامه ، ورجع ، فمنع من دخول بغداد ، وبعث إلى روذراور ، فبقي فيها سنتين ، ثم حج بعد موت النظام والسلطان والخليفة ، ونزل المدينة وتزهد ، فمات خادم ، فأعطى الخدام ذهبا ، حتى جعل موضع الخادم ، فكان يكنس ويوقد ولبس الخام ، وحفظ القرآن هناك ، وطلب منه أبو علي العجلي أن يقرأ عليه ديوانه ، فامتنع ، وأنشده بعضه .

قال أبو الحسن الهمذاني : دفن بالبقيع في نصف جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة عن إحدى وخمسين سنة ، رحمه الله تعالى .

وخلف من الولد الصاحب نظام الدين ، فتوفي بأصبهان سنة ثلاث عشرة وخمس مائة ، وهو والد الوزير المعظم ظهير الدين محمد بن أبي منصور حسين بن الوزير أبي شجاع .

[ ص: 31 ] وزر للمستظهر في حياة أبيه ، وكان أبوه قد لحق بالسلطان محمد بن ملكشاه ، فتشفع السلطان في الولد إلى المستظهر حتى استوزره ، فوزر ، وسنه يومئذ سبع عشرة سنة وستة أشهر وناب عنه علي بن طراد الزينبي ، ثم استخلف المسترشد ، فعزله ، ولم يستخدم بعدها ، ولزم داره نحوا من خمسين سنة مرفها مكرما ، وكان كثير الصدقة .

مات في ذي القعدة سنة إحدى وستين وخمس مائة .

التالي السابق


الخدمات العلمية