صفحة جزء
الحموي

الإمام المفتي ، شيخ الشافعية ، قاضي القضاة أبو بكر محمد بن المظفر بن بكران الشامي الحموي الشافعي الزاهد .

ولد سنة أربعمائة وقدم بغداد شابا .

فسمع من عثمان بن دوست العلاف ، وأبي القاسم بن بشران ، وطبقتهما .

حدث عنه : أبو القاسم بن السمرقندي ، وإسماعيل بن محمد التيمي ، وهبة الله بن طاوس ، وآخرون .

قال السمعاني : هو أحد المتقنين للمذهب ، وله اطلاع على أسرار [ ص: 86 ] الفقه ، وكان ورعا زاهدا ، متقيا سديد الأحكام ، ولي قضاء القضاة بعد أبي عبد الله الدامغاني مدة إلى أن تغير عليه أمير المؤمنين المقتدي ، فمنع الشهود من حضور مجلسه مدة ، فكان يقول : ما أنعزل ما لم يتحقق علي فسق ، ثم إن المقتدي رضي وخلع عليه .

وشهد عنده المشطب الفرغاني فلم يقبله ، لكونه يلبس الحرير ، فقال : تردني ، والسلطان ووزيره نظام الملك يلبسانه ؟ ! فقال : ولو شهدا ، لما قبلتهما .

قال ابن النجار : تفقه على القاضي أبي الطيب وحفظ تعليقه ، ولم يأخذ على القضاء رزقا ، ولا غير مأكله ولا ملبسه ، وكان يسوي بين الناس ، فانقلب عليه الكبراء ، وكان نزها ورعا على طريقة السلف له كارك يؤجره كل شهر بدينار ونصف ، كان يقتات منه ، فلما ولي القضاء ، جاء إنسان ، فدفع فيه أربعة دنانير ، فأبى ، وقال : لا أغير ساكني ، وقد ارتبت بك ، هلا كانت الزيادة من قبل القضاء ؟ ! .

[ ص: 87 ] وكان يشد في وسطه مئزرا ، ويخلع في بيته ثيابه ويجلس ، وقال : ما دخلت في القضاء حتى وجب علي .

قال أبو علي الصدفي : هو ورع زاهد . وأما الفقه ، فكان يقال : لو رفع مذهب الشافعي ، لأمكنه أن يمليه من صدره .

علق عنه القاضي أبو الوليد الباجي .

قال عبد الوهاب الأنماطي : كان قاضي القضاة الشامي حسن الطريقة ، ما كان يتبسم في مجلس قضائه .

قلت : كان قدومه بغداد في سنة عشرين وأربعمائة ، وكان من أوعية الفقه ، وقد صنف " البيان في أصول الدين " ينحو فيه إلى مذهب السلف .

قال أحمد بن عبد الله الآبنوسي : كان لقاضي القضاة الشامي كيسان ، أحدهما يجعل فيه عمامته ، وقميصا من القطن الحسن فإذا خرج لبسهما ، والكيس الآخر فيه فتيت يجعل منه في قصعة ويقتات منه .

وعنه قال : أعصي إن لم أل القضاء ، وكان أبو محمد التميمي - فيما [ ص: 88 ] قيل - قد بذل فيه ذهبا كثيرا ، وقيل : كانت في الشامي حدة وزعارة ، ومناقبه جمة رحمه الله .

مات في شعبان سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وقد قارب التسعين ، ودفن في تربة له عند أبي العباس بن سريج .

التالي السابق


الخدمات العلمية