صفحة جزء
أبو الحسين الزاهد

هو الزاهد القدوة الولي أبو الحسين بن أبي عبد الله بن حمزة المقدسي .

[ ص: 381 ] ألف الحافظ الضياء سيرته في جزء ، أنبأني به الشيخ أبو عبد الله بن الكمال وغيره بسماعهم منه ، فقال : حدثني الإمام عبد الله بن أبي الحسن الجبائي قال : مضيت إلى زيارة أبي الحسين الزاهد بحلب ، ولم تكن نيتي صادقة ، فقال : إذا جئت إلى المشايخ ، فلتكن نيتك صادقة في الزيارة .

سألت خالي أبا عمر : هل رأيت أبا الحسين يأكل شيئا ؟ فقال : رأيته يأكل خروبا يمصه ويرمي به ، ورأيته يأكل بقلا مسلوقا .

قال أبو سعد السمعاني : سمعت سنان بن مشيع الرقي يقول : رأيت أبا الحسين المقدسي برأس عين في موضع عريانا قد اتزر بقميصه ومعه حمار ، والناس قد تكابوا عليه ، فقال : تعال : فتقدمت ، فأخذ بيدي ، وقال : نتواخى ؟ قلت : ما لي طاقة . قال : أيش لك في هذا ، وآخاني . وقال لواحد من الجماعة : حماري يحتاج إلى رسن . فقالوا : ثمنه أربعة فلوس . فأشار إلى موضع في الحائط ، فإني جزت ها هنا ، وخبأت ثم أربع فلوس ، اشتروا لي بها حبلا .

ثم قال : أريد أن تشتري لي بدينار سمكا . قلت : كرامة ، ومن أين لك ذهب ؟ قال : بلى معي ذهب كثير . قلت : الذهب يكون أحمر . قال : أبصر تحت الحشيش . فأخذت الحشيش ، فخرج دينار ، فاشتريت له به سمكا ، فنظفه ، وشواه ، ثم قلاه ، ثم أخرج منه الجلد والعظام ، وجعله أقراصا ، وجففه ، وتركه في جرابه ، ومضى وله سنون ما أكل الخبز . وكان يسكن جبال الشام ، ويأكل البلوط والخرنوب .

قال الضياء : قرأت بخط يوسف بن محمد بن مقلد الدمشقي أنه سمع [ ص: 382 ] من الشيخ أبي الحسين أبياتا ، ثم قال : وكان عظيم الشأن ، يقعد خمسة عشر يوما لا يأكل سوى أكلة ، ويتقوت من الخروب البري ، ويجفف السمك ، وحدثني يوسف بن الشيخ أبي الحسين أن الشيخ استف من صرة ، فرآه رجل ، فأراد أن يستف منه ، فإذا هو مر ، فلما جاء الشيخ ، قال : يا سيدي ، ما في الصرة ؟ فناوله منها كفا ، فإذا هو سكر وقلب لوز .

وأخبرنا أبو المظفر السمعاني عن أبيه : سمعت عبد الواحد بن عبد الملك الزاهد بالكرج ، سمعت أبا الحسين المقدسي -وكان صاحب آيات وكرامات عجيبة ، وكان طاف الدنيا - يقول : رأيت أعجميا بخراسان يعظ ، اسمه يوسف بن أيوب .

قال : وحدثني أبو تمام حمد بن تركي بن ماضي قال : حدثني جدي قال : كنا بعسقلان في يوم عيد ، فجاء أبو الحسين الزاهد إلى امرأة معها خبز سخن ، فقال : تشتهي لزوجك من هذا الخبز -وكان في الحج- فناولته رغيفين ، فلفهما في مئزر ، ومضى إلى مكة ، فقال : خذ هذا من عند أهلك . وأخرجه سخنا ، ورجع ، فرأوه يومئذ بمكة وبعسقلان ، وجاء الرجل ، وقال : أما أعطيتني الرغيفين ؟ فقال : لا تفعل ، قد اشتبه عليك . فحدثني جدي ماضي قال : كان أبو الحسين بعسقلان ، فوصوا عليه البوابين لا تخلوه يخرج خوفا من الفرنج ، فجاء وعدا وقميصه في فمه ، فإذا هو في جبل لبنان ، فقال لنفسه : ويلك وأنت ممن بلغ هذه الرتبة ؟ !

وعن مسعود اليمني : قالت الفرنج : لو أن فيكم آخر مثل أبي الحسين [ ص: 383 ] لاتبعناكم على دينكم ، مروا يوما ، فرأوه راكبا على سبع وفي يده حية ، فلما رآهم ، نزل ومضى .

السمعاني : سمعنا عبد الواحد بالكرج يقول : سمعت الكفار يقولون : الأسود والنمور كأنها نعم أبي الحسين .

قال الضياء : سمعنا له غير ذلك من مشي الأسد معه ، وقيل : عمل حلاوة من قشور البطيخ ، فغرف حلاوة من أحسن الحلاوة .

وحدثني عنه المحسن بن محمد بن الشيخ ، حدثنا أبي قال : كان والدي يعمل لنا الحلاوة من قشور البطيخ ، ويسوطها بيده ، فعملنا بعده ، فلم تنعمل ، فقالت أمي : بقيت تعوز المغرفة .

حدثني خالي أبو عمر قال : كان أبو الحسين يجيء إلينا ، وكان يقطع البطيخ ويطبخه ، واستعار مني سكينا ، فجرحته ، فقال : ما سكينك إلا حمقى .

وعن امرأة : أن أبا الحسين دخل تنورا ، وخرج منه .

حدثنا محمد بن إسماعيل الإمام بمردا ، حدثنا أبو يوسف حسن قال : كنت مع أبي الحسين الزاهد ، فقال لناس : أعطوني من ناركم ، فملئوا له قطعة جرة ، فقال : صبوها في ملحفتي . فصبوها في ملحفته ، فأخذها ومضى . وقيل : إنه رش ماء على زمنة ، فمشت . سمعت خالي موفق الدين يقول : حكي أن أبا الحسين أراد لص أن يأخذ حماره ، قال : فيبست يده ، فلما أبعد عنه ، عادت .

[ ص: 384 ] قال الضياء : وبلغني عنه أنه كان يلبس سراويله حماره ، ويقول : نواري عورته . فيضحك الناس .

وقيل : كان إذا عرف بمكان سافر ، وقبره يزار بظاهر حلب .

مات ظنا سنة ثمان وأربعين وخمسمائة .

وقيل : أعطت زوجة سلطان حلب لزوجة أبي الحسين شقة حرير ، فعملها سراويل لحماره ورأى حمالا قد رمى قفص فخار ، فتطحن ، فجمعه له ، وجاء معه إلى الفاخورة ، فحطه ، فوجده صحاحا .

التالي السابق


الخدمات العلمية