صفحة جزء
أبو العالية ( ع )

رفيع بن مهران ، الإمام المقرئ الحافظ المفسر ، أبو العالية الرياحي البصري ، أحد الأعلام .

كان مولى لامرأة من بني رياح بن يربوع ، ثم من بني تميم .

أدرك زمان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو شاب ، وأسلم في خلافة أبي بكر الصديق ، ودخل عليه .

وسمع من عمر ، وعلي ، وأبي ، وأبي ذر ، وابن مسعود ، وعائشة ، وأبي موسى ، وأبي أيوب ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وعدة .

وحفظ القرآن وقرأه على أبي بن كعب ، وتصدر لإفادة العلم ، وبعد صيته ، قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء فيما قيل ، وما ذاك ببعيد; فإنه تميمي ، [ ص: 208 ] وكان معه ببلده . وأدرك من حياة أبي العالية نيفا وعشرين سنة .

قال أبو عمرو الداني : أخذ أبو العالية القراءة عرضا عن أبي ، وزيد ، وابن عباس . ويقال : قرأ على عمر .

روى عن القراءة عرضا شعيب بن الحبحاب وآخرون .

قال قتادة : قال أبو العالية : قرأت القرآن بعد وفاة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- بعشر سنين .

وروى معتمر بن سليمان ، وغيره عن هشام بن حسان ، عن حفصة بنت سيرين ، قالت : قال لي أبو العالية : قرأت القرآن على عمر - رضي الله عنه- ثلاث مرار .

وعن أبي خلدة عن أبي العالية ، قال : كان ابن عباس على السرير وقريش أسفل من السرير ، فتغامزت بي قريش ، فقال ابن عباس : هكذا العلم يزيد الشريف شرفا ، ويجلس المملوك على الأسرة .

قلت : هذا كان سرير دار الإمرة لما كان ابن عباس متوليها لعلي رضي الله عنهما .

قال أبو بكر بن أبي داود : وليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية ، وبعده سعيد بن جبير . وقد وثق أبا العالية الحافظان أبو زرعة وأبو حاتم .

[ ص: 209 ] قال خالد أبو المهاجر ، عن أبي العالية : كنت بالشام مع أبي ذر .

وقال أبو خلدة خالد بن دينار : سمعت أبا العالية يقول : كنا عبيدا مملوكين ، منا من يؤدي الضرائب ، ومنا من يخدم أهله ، فكنا نختم كل ليلة ، فشق علينا حتى شكا بعضنا إلى بعض ، فلقينا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعلمونا أن نختم كل جمعة ، فصلينا ونمنا ولم يشق علينا .

قال أبو خلدة : ذكر الحسن البصري لأبي العالية ، فقال : رجل مسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وأدركنا الخير وتعلمنا قبل أن يولد . وكنت آتي ابن عباس وهو أمير البصرة فيجلسني على السرير وقريش أسفل .

وروى جرير عن مغيرة قال : كان أشبه أهل البصرة علما بإبراهيم النخعي أبو العالية .

وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه ، فأتفقد صلاته ، فإن وجدته يحسنها ، أقمت عليه ، وإن أجده يضيعها ، رحلت ولم أسمع منه ، وقلت : هو لما سواها أضيع .

قال شعيب بن الحبحاب : حابيت أبا العالية في ثوب ، فأبى أن يشتري مني الثوب .

قال أبو خلدة : قال أبو العالية : لما كان زمان علي ومعاوية ، وإني لشاب القتال أحب إلي من الطعام الطيب ، فتجهزت بجهاز حسن حتى أتيتهم ، فإذا صفان ما يرى طرفاهما ، إذا كبر هؤلاء ، كبر هؤلاء ، وإذا هلل [ ص: 210 ] هؤلاء هلل هؤلاء ، فراجعت نفسي ، فقلت : أي الفريقين أنزله كافرا؟ ومن أكرهني على هذا؟ قال : فما أمسيت حتى رجعت وتركتهم .

قال عاصم الأحول : كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام فتركهم .

معمر : عن عاصم ، عن أبي العالية ، قال : أنتم أكثر صلاة وصياما ممن كان قبلكم ; ولكن الكذب قد جرى على ألسنتكم .

زيد بن الحباب : حدثنا خالد بن دينار ، عن أبي العالية ، قال : تعلمت الكتابة والقرآن فما شعر بي أهلي ، ولا رئي في ثوبي مداد قط .

ابن عيينة : سمعت عاصما الأحول يحدث عن أبي العالية ، قال : تعلموا القرآن ; فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه ، وإياكم وهذه الأهواء; فإنها توقع العداوة والبغضاء بينكم ، فإنا قد قرأنا القرآن قبل أن يقتل -يعني عثمان - بخمس عشرة سنة . قال : فحدثت به الحسن ، فقال : قد نصحك والله ، وصدقك .

أبو نعيم : حدثنا أبو خلدة ، عن أبي العالية ، قال : ما مسست ذكري بيميني منذ ستين أو سبعين سنة .

حماد بن سلمة : عن ثابت ، أن أبا العالية قال : إني لأرجو أن لا يهلك عبد بين نعمتين : نعمة يحمد الله عليها ، وذنب يستغفر الله منه .

[ ص: 211 ] وقال أبو خلدة : سمعت أبا العالية يقول : تعلموا القرآن خمس آيات ، خمس آيات ; فإنه أحفظ عليكم ، وجبريل كان ينزل به خمس آيات ، خمس آيات .

قتيبة : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، قال : أول من أذن بما وراء النهر أبو العالية الرياحي .

أبو خلدة ، قال : كان أبو العالية إذا دخل عليه أصحابه يرحب بهم ويقرأ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم الآية .

محمد بن مصعب : عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : إن الله قضى على نفسه أن من آمن به هداه ، وتصديق ذلك في كتاب الله : ومن يؤمن بالله يهد قلبه ومن توكل عليه كفاه ، وتصديق ذلك في كتاب الله : ومن يتوكل على الله فهو حسبه ومن أقرضه جازاه ، وتصديق ذلك في كتاب الله : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ومن استجار من عذابه أجاره ، وتصديق ذلك في كتاب الله : واعتصموا بحبل الله جميعا والاعتصام الثقة بالله . ومن دعاه أجابه ، وتصديق ذلك في كتاب الله : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان .

[ ص: 212 ] ومن مراسيل أبي العالية الذي صح إسناده إليه : الأمر بإعادة الوضوء والصلاة على من ضحك في الصلاة ، وبه يقول أبو حنيفة وغيره من أئمة العلم .

وقال أبو حاتم : حدثنا حرملة ، سمعت الشافعي يقول : حديث أبي العالية الرياحي قال أبو حاتم -يعني ما يروى في الضحك في الصلاة .

وروى حماد بن زيد ، عن شعيب بن الحبحاب ، قال : قال أبو العالية : اشترتني امرأة فأرادت أن تعتقني ، فقال بنو عمها : تعتقينه فيذهب إلى الكوفة فينقطع . فأتت لي مكانا في المسجد فقالت : أنت سائبة - تريد لا ولاء لأحد عليك . قال : فأوصى أبو العالية بماله كله .

وقال أبو خلدة ، عن أبي العالية قال : ما تركت من مال فثلثه في سبيل الله ، وثلثه في أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وثلثه في الفقراء . قلت له : فأين مواليك؟ قال : السائبة يضع نفسه حيث شاء .

همام بن يحيى : حدثنا قتادة ، عن أبي العالية ، قال : قرأت المحكم بعد وفاة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- بعشر سنين . فقد أنعم الله علي بنعمتين لا أدري أيهما أفضل : أن هداني للإسلام ، ولم يجعلني حروريا .

[ ص: 213 ] قال أبو خلدة : سمعت أبا العالية يقول : زارني عبد الكريم أبو أمية وعليه ثياب صوف ، فقلت له : هذا زي الرهبان ، إن المسلمين إذا تزاوروا تجملوا .

وروى حماد بن سلمة ، عن عاصم الأحول ، أن أبا العالية أوصى مورقا العجلي أن يجعل في قبره جريدتين .

وقال مورق : وأوصى بريدة الأسلمي -رضي الله عنه- أن يوضع في قبره جريدتان .

قرأت على إسحاق الأسدي : أخبركم ابن خليل ، أنبأنا أبو المكارم التيمي ، أنبأنا الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا إسحاق ، أنبأنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن ثابت ، عن أبي العالية ، قال : ما ترك عيسى ابن مريم -عليه السلام - حين رفع إلا مدرعة صوف وخفي راع وقذافة يقذف بها الطير .

قال أبو خلدة : مات أبو العالية في شوال سنة تسعين .

وقال البخاري وغيره : مات سنة ثلاث وتسعين .

وشذ المدائني فوهم وقال : مات سنة ست ومائة .

التالي السابق


الخدمات العلمية