صفحة جزء
العزيز

السلطان ، الملك العزيز أبو الفتح ، عماد الدين ، عثمان ابن [ ص: 292 ] السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، صاحب مصر .

ولد في سنة سبع وستين وخمسمائة في جمادى الأولى .

وحدث عن : أبي طاهر السلفي ، وابن عوف .

وتملك بعد أبيه ، وكان لا بأس بسيرته . قدم دمشق ، وحاصر أخاه الأفضل .

نقلت من خط الضياء الحافظ ، قال : خرج إلى الصيد ، فجاءته كتب من دمشق في أذية أصحابنا الحنابلة -يعني في فتنة الحافظ عبد الغني - فقال : إذا رجعنا من هذه السفرة ، كل من كان يقول بمقالتهم أخرجناه من بلدنا ، قال : فرماه فرس ، ووقع عليه ، فخسف صدره ، كذا حدثني يوسف بن الطفيل ، هو الذي غسله .

وقال المنذري عاش ثمانيا وعشرين سنة . مات في العشرين من المحرم سنة خمس وتسعين وخمسمائة .

قلت : دفن بقبة الشافعي -رحمه الله تعالى .

وأقيم بعده ولد له صبي فلم يتم ذلك .

[ ص: 293 ] وقال الموفق عبد اللطيف : كان العزيز شابا ، حسن الصورة ، ظريف الشمائل ، قويا ، ذا بطش ، وأيد ، وخفة حركة ، حييا ، كريما ، عفيفا عن الأموال والفروج ، بلغ من كرمه أنه لم تبق له خزانة ، ولا خاص ، ولا برك ، ولا فرس . وبيوت أمرائه تفيض بالخيرات ، وكان شجاعا مقداما ، بلغ من عفته أنه كان له غلام تركي بألف دينار يقال له أبو شامة ، فوقف ، فراعه حسنه ، فأمره أن ينزع ثيابه ، وجلس منه مجلس الخنا ، فأدركه توفيق ، فأسرع إلى سرية له ، فقضى وطره . إلى أن قال : وأما عفته عن المال ، فلا أقدر أن أصف حكاياته في ذلك .

وقال ابن واصل كانت الرعية يحبونه محبة عظيمة شديدة ، وكانت الآمال متعلقة بأنه يسد مسد أبيه . ولما سار أخوه الأفضل مع العادل ، ونازلا بلبيس ، وتزلزل ، بذلت له الرعية أموالها ، فامتنع .

قال ابن واصل وحكي عنه أن عبد الكريم ابن البيساني أخا القاضي الفاضل كان يتولى البحيرة مدة وحصل ، ووقع بينه وبين أخيه ، فعزل ، وكان مزوجا ببنت ابن ميسر ، فأساء عشرتها لسوء خلقه ، فتوجه أبوها ، وأثبت عند قاضي الإسكندرية ضررها ، وأنه قد حصرها في بيت ، فمضى القاضي بنفسه ، ورام أن يفتح عنها ، فلم يقدر ، فأحضر نقابا ، فنقب البيت ، وأخرجها ، ثم سد النقب ، فهاج عبد الكريم ، وقصد الأمير جهاركس بمصر ، وقال : هذه خمسة آلاف دينار لك ، وأربعون ألف دينار للسلطان ، وأولى قضاء الإسكندرية . فأتى العزيز ليلا ، وأحضر [ ص: 294 ] الذهب ، فسكت ، ثم قال : رد عليه ماله ، وقل له : إياك والعود إلى مثلها ، فما كل ملك يكون عادلا ، أنا ما أبيع أهل الإسكندرية بهذا المال . قال جهاركس : فوجمت ، وظهر علي ، فقال : أراك أخذت شيئا ، قلت : نعم خمسة آلاف دينار ، قال : أعطاك مالا ينفع مرة ، وأنا أعطيك ما تنتفع به مرات ، ثم وقع لي بإطلاق طنبذة كنت أستغلها سبعة آلاف دينار .

قلت : تملك دمشق ، وأنشأ بها العزيزية إلى جانب تربة أبيه .

وخلف ولده الناصر محمدا ، فحلفوا له ، فامتنع عماه المؤيد والمعز إلا أن يكون لهما الأتابكية ، ثم حلفا ، واختلفت الآراء ، ثم كاتبوا الملك الأفضل من مصر ، فخرج من صرخد إليهم في عشرين راكبا . ثم جرت أمور ، وأقبل العادل ، وتمكن ، وأجلس ابنه الكامل ، وضعف حال الأفضل ، وعزل الناصر ، وانضم إلى عمه بحلب .

التالي السابق


الخدمات العلمية