صفحة جزء
[ ص: 405 ] القاسم

الإمام المحدث ، الحافظ ، العالم الرئيس بهاء الدين ، أبو محمد ، القاسم ابن الحافظ الكبير محدث العصر ثقة الدين أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي المعروف بابن عساكر ، وما علمت هذا الاسم في أجداده ولا من لقب به منهم .

مولده في سنة سبع وعشرين وخمسمائة .

وأجاز له : الفراوي ، وزاهر ، وقاضي المارستان ، والحسين بن عبد الملك ، وعبد المنعم بن القشيري ، وابن السمرقندي ، وهبة الله بن الطبر ، ومحمد بن إسماعيل الفارسي ، وهبة الله بن سهل السيدي ، وعبد [ ص: 406 ] الجبار الخواري ، وخلق كثير من البلاد ، لقيهم والده ولم أجد له حضورا ولا لأبيه وعمه الصائن .

سمع في سنة اثنتين وثلاثين من جمال الإسلام أبي الحسن السلمي ، وجد أبيه القاضي الزكي يحيى بن علي القرشي ، ويحيى بن بطريق ، ونصر الله بن محمد المصيصي ، وأبي الدر ياقوت الرومي ، وهبة الله بن طاوس ، وأبي طالب علي بن أبي عقيل ، وأبي الفتوح أسامة بن محمد بن زيد العلوي ، وأبي الكرم يحيى بن عبد الغفار عن رزق الله ، وخال أبيه أبي المعالي محمد بن يحيى بن علي ، وناصر بن عبد الرحمن القرشي ، وأبي القاسم بن البن الأسدي ، والخضر بن الحسين بن عبدان ، وعبدان بن زرين الدويني ، ويحيى بن سعدون القرطبي ، والحافظ أبي سعد بن السمان ، وأبيه أبي القاسم الحافظ ، فأكثر إلى الغاية ; فإنني ما علمت أحدا سمع من أبيه أكثر من هذا الابن حتى ولا ابن الإمام أحمد ، لعل القاسم سمع من أبيه ثلاثة آلاف جزء .

وسمع من عمه الصائن ، ومن أبي يعلى بن الحبوبي ، وحمزة بن كروس ، وعبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني وإبراهيم بن طاهر الخشوعي ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن بن أبي الحديد ، وأبي البركات الخضر بن عبد الحارثي ، ونصر بن أحمد بن مقاتل وأخيه علي بن أحمد ، ومحمد بن إبراهيم بن جعفر ، وفضائل بن الحسن ، وأبي العشائر محمد بن خليل ، والوزير الفلكي ، وأبي نصر غالب بن أحمد ، ونصر بن قاسم المقدسي الملقن ، وحفاظ بن الحسن الغساني ، ومحفوظ بن صصرى التغلبي ، ومحمد بن كامل بن ديسم ، وعلي بن [ ص: 407 ] الحسين بن أشليها ، وحمزة بن الحسن بن مفرج الأزدي ، وأبي طاهر راشد بن محمد وأبي الحسن محمد بن عبد الله بن النبيه ، وعلي بن زيد ، وعلي بن هبة الله بن خلدون ، وهبة الله بن المسلم الرحبي ، وعلي بن أحمد الحرستاني ، وخلق سواهم .

وهو أوسع رواية وسماعا من أبي الفرج بن الجوزي ، وله عمل جيد ، ولكن ابن الجوزي أعلم منه بكثير بالرجال والمتون وبعدة فنون ، وكل منهما لم يرحل ، بل قنع أبو محمد ببلده ووالده ، وناهيك بذلك ، وقنع أبو الفرج ببغداد .

نعم وحج أبو محمد في سنة 555 ، فسمع بمكة من مسعود بن الحصين ، وأحمد بن المقرب ، وأبي النجيب السهروردي ، وفخر النساء شهدة . وسمع بمصر ، وحدث بها ، وبالحجاز ، وبيت المقدس ، ودمشق .

وكتب ما لا يوصف كثرة بخطه العديم الجودة ، وأملى ، وصنف ، ونعت بالحفظ والفهم ، ولكن خطه نادر النقط والشكل .

جمع كتابا كبيرا في الجهاد ، وما قصر فيه ، ومجلدا في فضائل القدس ، ومجلدا في المناسك ، وكتابا في من حدث بمدائن الشام وقراها ، وخرج لنفسه موافقات وأبدالا وسباعيات ، وأملى عدة مجالس ، وروى الكثير ، وتفرد بأشياء عالية .

ذكره العز النسابة فقال : كان أحب ما إليه المزاح . [ ص: 408 ]

وقال ابن نقطة : هو ثقة ، لكن خطه لا يشبه خط أهل الضبط .

وذكر المحدث عبد الرحمن بن مقرب عن ندى العرضي ، قال : قرأت على بهاء الدين القاسم ، فقلت : عن ابن لهيعة ، فرد علي بالضم !

قلت : ذكر محدث أنه اجتمع بالمدينة ببهاء الدين القاسم ، فسأله أن يحدثه ، فروى له من حفظه أحاديث ، ثم ذكر أنه قابل تلك الأحاديث بأصلها ، فوافقت ، وبمثل هذا يوصف المحدث في زماننا بالحفظ .

وبلغني أن الحافظ بهاء الدين ولي بعد أبيه مشيخة النورية فما تناول من الجامكية شيئا ، بل كان يعطيه لمن يرحل في طلب الحديث .

حدث عنه : أبو المواهب بن صصرى ، وأبو الحسن بن المفضل ، وعبد القادر الرهاوي ، ويوسف بن خليل ، وولده عماد الدين علي بن القاسم ، وأبو الطاهر بن الأنماطي ، والتاج القرطبي ، وفتاه فرج ، والتقي اليلداني ، والشهاب القوصي ، وعبد الغني بن بنين ، وبدل بن أبي المعمر التبريزي ، والزين خالد بن يوسف ، والمجد محمد ابن عساكر ، والتقي [ ص: 409 ] إسماعيل بن أبي اليسر ، والنشبي وولده أبو بكر ، والكمال عبد العزيز بن عبد ، وعبد الوهاب بن زين الأمناء ، وفراس بن علي العسقلاني ، وعماد الدين عبد الكريم بن الحرستاني ، وآخرون .

وبالإجازة : أحمد بن سلامة الحداد ، وأبو الغنائم بن علان ، وطائفة .

أخبرنا ابن علان ، وابن سلامة ، كتابة ، عن القاسم بن علي الحافظ ، أخبرنا أبو المفضل يحيى بن علي ، أخبرنا حيدرة بن علي المعبر ، أخبرنا عبد الرحمن بن عثمان ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن حذلم ، حدثنا أبو زرعة ، حدثني عقبة بن مكرم ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن علي بن حسين ، عن مروان بن الحكم : شهدت عليا وعثمان بين مكة والمدينة ، وعثمان ينهى عن المتعة ، وأن لا يجمع بينهما ، وأبى علي ذلك ، أهل بهما ، فقال : لبيك بعمرة وحجة معا ، فقال عثمان : أنهى الناس ، وأنت تفعله ؟ فقال : لم أكن أدع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقول أحد من الناس .

أخرجه النسائي وفيه أن مذهب الإمام علي كان يرى مخالفة ولي [ ص: 410 ] الأمر لأجل متابعة السنة ، وهذا حسن لمن قوي ، ولم يؤذه إمامه ، فإن آذاه ، فله ترك السنة ، وليس له ترك الفرض ، إلا أن يخاف السيف .

أخبرني ابن رافع أنه قرأ بخط عماد الدين علي بن القاسم الحافظ ترجمة لأبيه فقال : كان والدي بهاء الدين من الأئمة والعلماء حين بلغ حد السمع ، سمعه عماه الحافظ أبو الحسن ، وأبو عبد الله محمد من المشايخ الأعيان ، ثم قدم أبوه -يعني من الرحلة- سنة ثلاث وثلاثين فأسمعه .

إلى أن قال : فتقرب عدة مشايخه من مائة شيخ ، تفرد بالرواية عن أكثرهم ، ولم يزل يسمع ، ويكتب ، ويؤلف . قال : وحج في سنة خمس وخمسين ، فسمع بمكة . إلى أن قال : ولولا تبييضه لكتاب التاريخ ، ونقله من المسودة ، لما قدر الشيخ الكبير-يعني والده- على إتقانه ، ولا جوده ، فإنه حين فرغ من تسويده ، عجز عن نقله ، وتجديده ، وضبط ما فيه من المشكل ، وتحديده ، كأن نظره قد كل ، وبصره قد قل ، فلم يزل والدي يكتب ، وينقله من الأوراق الصغار والظهور ، ويهذب إلى أن نجز منه نحو مائة وخمسين جزءا ، وكان بينهما نفرة ، فكان لا يحضر السماع تلك المدة ، فحكى لي والدي ، قال : ضاق صدري ، فأتيت الوالد ليلة النصف في المنارة الشرقية ، وزال ما في قلبه . وسمعت أبا جعفر القرطبي كثيرا يقول عند غيبة والدك عنه : جزاه الله عني خيرا ، فلولاه ما تم التاريخ ، هذا أو معناه . [ ص: 411 ]

قلت : يقال : إن الحافظ أبا القاسم حلف أنه لا يكلم ابنه حتى يكتب التاريخ ، فكتبه ، ولما عمل بهاء الدين كتاب " الجهاد " ، سمعه منه كله السلطان صلاح الدين في سنة ست وسبعين ، قال : فدعوت في أوله وآخره بفتح بيت المقدس ، فاستجاب الله ذلك ، وله الحمد ، وفتح بيت المقدس في السادس والعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وأنا حاضر فتحه .

توفي الحافظ بهاء الدين في تاسع صفر سنة ستمائة وكانت جنازته مشهودة .

التالي السابق


الخدمات العلمية