صفحة جزء
ابن عساكر

الشيخ الإمام العالم القدوة المفتي شيخ الشافعية فخر الدين أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الدمشقي الشافعي .

ولد سنة خمسين وخمسمائة .

وسمع من عميه : الصائن والحافظ ، وعبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني ، وحسان بن تميم ، وأبي المكارم بن هلال ، وداود بن محمد الخالدي ، ومحمد بن أسعد العراقي ، وابن صابر ، وعدة .

وتفقه بالقطب النيسابوري ، وتزوج بابنته ، وجاءه ولد منها سماه مسعودا مات شابا .

درس بالجاروخية ، ثم بالصلاحية بالقدس ، وبالتقوية بدمشق ، فكان يقيم بالقدس أشهرا ، وبدمشق أشهرا ، وكان عنده بالتقوية فضلاء البلد ، [ ص: 188 ] حتى كانت تسمى نظامية الشام . ثم درس بالعذراوية سنة 593 وماتت الست عذراء ، وبها دفنت ، وهي أخت الأمير عز الدين فروخشاه .

وكان فخر الدين لا يمل الشخص من النظر إليه لحسن سمته ، ونور وجهه ، ولطفه واقتصاده في ملبسه ، وكان لا يفتر من الذكر ، وكان يسمع الحديث تحت النسر .

قال أبو شامة : أخذت عنه مسائل ، وبعث إليه المعظم ليوليه القضاء فأبى ، وطلبه ليلا فجاءه فتلقاه وأجلسه إلى جنبه ، فأحضر الطعام فامتنع ، وألح عليه في القضاء ، فقال : أستخير الله . فأخبرني من كان معه ، قال : ورجع ودخل بيته الصغير الذي عند محراب الصحابة ، وكان أكثر النهار فيه ، فلما أصبح أتوه فأصر على الامتناع ، وأشار بابن الحرستاني فولي ، وكان قد خاف أن يكره فجهز أهله للسفر ، وخرجت المحابر إلى ناحية حلب ، فردها العادل ، وعز عليه ما جرى .

قال : وكان يتورع من المرور في زقاق الحنابلة لئلا يأثموا بالوقيعة فيه ، وذلك لأن عوامهم يبغضون بني عساكر للتمشعر ولم يوله المعظم تدريس العادلية ; لأنه أنكر عليه تضمين الخمر والمكس ، ثم لما حج أخذ منه التقوية وصلاحية القدس ، ولم يبق له سوى الجاروخية . وقال أبو المظفر الجوزي : كان زاهدا ، عابدا ، ورعا ، منقطعا إلى [ ص: 189 ] العلم والعبادة ، حسن الأخلاق ، قليل الرغبة في الدنيا ، توفي في عاشر رجب سنة عشرين وستمائة ، وقل من تخلف عن جنازته .

وقال أبو شامة : أخبرني من حضره قال : صلى الظهر ، وجعل يسأل عن العصر ، وتوضأ ثم تشهد وهو جالس ، وقال : رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، لقنني الله حجتي وأقالني عثرتي ورحم غربتي . ثم قال : وعليكم السلام ، فعلمنا أنه حضرت الملائكة ، ثم انقلب ميتا . غسله الفخر بن المالكي ، وابن أخيه تاج الدين وكان مرضه بالإسهال ، وصلى عليه أخوه زين الأمناء ، ومن الذي قدر على الوصول إلى سريره ؟ .

وقال عمر بن الحاجب : هو أحد الأئمة المبرزين ، بل واحدهم فضلا وقدرا ، شيخ الشافعية ، كان زاهدا ، ثقة ، مجتهدا ، غزير الدمعة ، حسن الأخلاق ، كثير التواضع ، قليل التعصب ، سلك طريق أهل اليقين ، وكان أكثر أوقاته في بيته في الجامع ينشر العلم ، وكان مطرح الكلف ، عرضت عليه مناصب فتركها ، ولد في رجب وعاش سبعين سنة ، وكان الجمع لا ينحصر كثرة في جنازته . حدث بمكة ، ودمشق ، والقدس ، وصنف عدة مصنفات ، وسمعنا منه .

[ ص: 190 ] وقال القوصي : كان كثير البكاء ، سريع الدموع ، كثير الورع والخشوع ، وافر التواضع والخضوع ، كثير التهجد ، قليل الهجوع ، مبرزا في علمي الأصول والفروع ، وعليه تفقهت ، وعرضت عليه " الخلاصة " للغزالي ، ودفن عند شيخه القطب .

قلت : حدث عنه البرزالي ، والضياء ، والزين خالد ، والقوصي ، وابن العديم ، والتاج عبد الوهاب بن زين الأمناء ، والقاضي كمال الدين إسحاق بن خليل الشيباني ، وجماعة . وسمعنا بإجازته من عمر بن القواس ، وتفقه عليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام وغيره .

وفيها مات الشيخ موفق الدين المقدسي ، وأحمد بن ظفر بن هبيرة ، وصالح بن القاسم بن كور ، والحسين بن يحيى بن أبي الرداد المصري ، وأكمل بن أبي الأزهر العلوي الكرخي ، وعبد السلام بن المبارك البردغولي ، وصاحب الغرب يوسف بن محمد بن يعقوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية