صفحة جزء
وفي سنة ثمان وثمانين وخمسمائة شرعت الفرنج في بناء عسقلان . والتقى بشهاب الدين الغوري عساكر الهند فهزمهم وقتل ملكهم في الوقعة .

وكبس الإنكيتر في الرمل عسكرا من المصريين ، وقفلا فاستباحهم فلله الأمر ، ثم انعقدت الهدنة ثلاث سنين وثمانية أشهر ، ودخل فيها السلطان وهو يعض يده حنقا ، ولكن كثرت عليه الفرنج ومل جنده وحلف على الصلح عدة من ملوك المسلمين مع السلطان ، وعدة من ملوك الفرنج . وفيها قتل صاحب الروم قلج أرسلان السلجوقي ، وقتل بكتمر صاحب خلاط على يد الإسماعيلية . وسار السلطان طغرل فبدع في الري وقتل بها خلقا من المسلمين وعاد إلى همذان فبطل نصفه . وفيها افتتح سلطان غزنة شهاب الدين في بلاد الهند . [ ص: 215 ] قال ابن الأثير : انقض كوكبان عظيمان اضطرما ، وسمع صوت هدة عظيمة وغلب ضوءهما ضوء القمر والنهار ، وذلك بعد طلوع الفجر .

وفيها توفي السلطان صلاح الدين ، وكانت دولته أزيد من عشرين .

وفي سنة تسعين : كانت الحرب تستعر بين شهاب الدين الغوري وبين سلطان الهند بنارس ; قال ابن الأثير : فالتقوا على نهر ماخون وكان مع الهندي سبعمائة فيل ، ومن العسكر على ما قيل ألف ألف نفس ، وفيهم عدة أمراء مسلمين ، فنصر شهاب الدين ، وكثر القتل في المشركين حتى جافت منهم الأرض ، وقتل بنارس وعرف بشد أسنانه بالذهب ، وغنم شهاب الدين تسعين فيلا فيها فيل أبيض ، ومن خزائن بنارس ألفا وأربعمائة حمل .

وبعث الناصر إلى خوارزم شاه ، ليحارب طغرل فبادر والتقاه فهزمه ، وقتله ونهب خزانته ، وهزم جيشه ، ونفذ الرأس إلى بغداد .

قال ابن الأثير وسير الناصر لخوارزم شاه نجدة وسير له مع وزيره المؤيد بن القصاب - خلع السلطنة ، فبعث إليه المؤيد بعد الوقعة : احضر إلي لتلبس الخلعة ، وترددت الرسل ، وقيل لخوارزم شاه إنها حيلة لتمسك ، فأقبل ليأخذ ابن القصاب ، ففر إلى جبل حماة .

[ ص: 216 ] وعزل من الأستاذ دارية ابن يونس وحبس إلى أن مات ، وولي مكانه التاج بن رزين . وقتل ألب غازي متولي الحلة .

وفيها افتتح ابن القصاب بلاد خوزستان .

ووقع الرضى عن بني الشيخ عبد القادر ، وسلم ابن الجوزي إلى أحدهم ، فذهب به إلى واسط فسجنه بها خمس سنين .

وتملك مصر بعد السلطان ابنه العزيز ، ودمشق ابنه الأفضل ، وحلب ابنه الظاهر ، والكرك وحران ومواضع أخوه العادل .

وفيها جاء العزيز يحاصر الأفضل بدمشق ، ثم جاء عمهما لصلح بينهما ، وكان داهية ، فلعب بهما إلى أن مات العزيز ، فتملك هو مصر ، وطرد عن دمشق الأفضل إلى سميساط فقنع بها ، ولولا أن الظاهر كان زوج بنته لأخذ منه حلب ، وكان الأفضل صاحب شرب وأغان ، ثم إنه أصبح يوما تائبا أراق الخمور ولبس الخشن وتعبد وصام وجالس الصلحاء ، ونسخ في مصحف ، ولكنه كان قليل السعادة .

وفي سنة إحدى وتسعين : استولى ابن القصاب على همذان فضربت الطبول ببغداد ، وعظم ابن القصاب ونفذ إليه خوارزم شاه يتوعده لما عاث بأطراف بلاده ، ثم مات ابن القصاب ، وأقبل خوارزم شاه فهزم جيش الخليفة ونبش الوزير موهما أنه قتل في المصاف .

[ ص: 217 ] وفيها جدد العزيز هدنة مع كندهري طاغية الفرنج فما لبث الكلب أن سقط من موضع بعكا فمات ، واختلت أحوال الفرنج قليلا ، وأقبل الأفضل على التعبد ودبر ملكه ابن الأثير ضياء الدين فاختلت به الأحوال .

وكانت بالأندلس الملحمة العظمى ، وقعة الزلاقة بين يعقوب وبين الفنش الذي استولى على بلاد الأندلس ، فأقبل اللعين في مائتي ألف ، وعرض يعقوب جنده فكانوا مائة ألف مرتزقة ، ومائة ألف مطوعة ، عدوا البحر إلى الأندلس فنزل النصر ونجا قليل من العدو ; قال أبو شامة : عدة القتلى مائة ألف وستة وأربعون ألفا ، وأسر ثلاثون ألفا ، وأخذ من خيامهم مائة ألف خيمة وخمسون ألفا ، ومن الخيل ثمانون ألف رأس ، ومن البغال مائة ألف ، ومن الحمير التي لأثقالهم أربع مائة ألف ، وبيع الأسير بدرهم ، والحصان بخمسة ، وقسم السلطان الغنيمة على الشريعة ، واستغنوا .

وكانت الملحمة يوم تاسع شعبان .

وفي سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة : فيها أطلق طاشتكين أمير الحاج وأعطي خوزستان .

وفيها حاصر العزيز دمشق ثالثا ، ومعه عمه فتملكها وذل الأفضل . وأقبل خوارزم شاه ليتملك بغداد .

[ ص: 218 ] وفيها التقى الفونش ، ويعقوب ثانيا ، فانكسر الفنش ، وساق يعقوب خلفه إلى طليطلة ونازلها وضربها بالمنجنيق ، ولم يبق إلا أخذها ، فخرج إليه أم الفنش وبناته يبكين فرق لهن ومن عليهن وهادن الفنش ; لأن ، ابن غانية غلب على أطراف المغرب فتفرغ يعقوب له .

وفيها كتب الفاضل إلى القاضي محيي الدين بن الزكي :

ومما جرى بأس من الله طرق ونحن نيام ، وظن أنه الساعة ، ولا يحسب المجلس أني أرسلت القلم محرفا والقول مجزفا ، فالأمر أعظم ; أتى عارض فيه ظلمات متكاثفة ، وبروق خاطفة ، ورياح عاصفة ، قوي ألهوبها ، واشتد هبوبها ، وارتفعت لها صعقات ، ورجفت الجدر ، واصطفقت وتلاقت واعتنقت ، وثار عجاج ، فقيل : لعل هذه على هذه قد انطبقت ، ففر الخلق من دورهم يستغيثون ، قد انقطعت علقهم ، وعميت عن النجاة طرقهم ، فدامت إلى الثلث الأخير ، وتكسرت عدة مراكب . إلى أن قال : والخطب أشق ، وما قضيت بغير الحق .

وفيها أخذت الفرنج بيروت ، وهرب متوليها سامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية