صفحة جزء
وفي سنة 602 : وزر النصير بن مهدي العلوي ، وركب وبين يديه دواة محلاة بألف مثقال ، ووراءه المهد وألوية الحمد والكوسات والعهد منشورا [ ص: 224 ] والأمراء مشاة فعذب الوزير ابن حديدة ، وصادره ، فهرب منه ثم ظهر بعد مدة خبره بمراغة .

وأغارت الأرمن على نواحي حلب ، وكبسوا العسكر ، وقتلوا فيهم فسارع الظاهر وقصد ابن لاون ، ففر إلى قلاعه .

وسلم خوارزم شاه بلد ترمذ إلى الخطا مكيدة ليتمكن من تملك خراسان .

وفيها وجد بإربل خروف وجهه وجه آدمي .

وسار صاحب الري إيدغمش ، فافتتح خمس قلاع للإسماعيلية وصمم على أخذ ألموت ، واستئصالهم . وكانت خراسان تموج بالحروب .

وفي سنة أربع : قصد خوارزم شاه الخطا في جيش عظيم ، فالتقوا وتمت بينهم مصافات ، ثم وقعت الهزيمة على المسلمين ، وقتل خلق ، وأسر السلطان وأمير من أمرائه فأظهر أنه مملوك للأمير ، فبقي الذي أسرهما يحترم الأمير ، فقال : أحب أن تقرر علي مالا وأبعث مملوكي هذا حتى يحضر المال ، فانخدع الخطائي وسيب المملوك ومعه من يخفره ويحفظه إلى خوارزم فنجا السلطان ، وتمت الحيلة وزينت البلاد ، ثم قال الخطائي لذاك الأمير : قد عدم سلطانكم قال : أوما تعرفه ؟ قال : لا ، قال : هو مملوكي الذي راح . قال الخطائي : فسر بنا إلى خدمته ، وهلا عرفتني حتى كنت أخدمه ! ؟ وكان خوارزم شاه محمد قد عظم جدا ، ودانت له الأمم ، وتحت يده ملوك وأقاليم . [ ص: 225 ] وفي سنة 605 : كانت الزلزلة العظمى بنيسابور دامت عشرة أيام ، ومات الخلق تحت الردم .

وفي سنة 606 : حاصر ملك الكرج خلاط ، وكاد أن يأخذها وبها الأوحد ابن الملك العادل ، فقال لإيواي الملك منجمه : ما تبيت الليلة إلا في قلعة خلاط ; فاتفق أنه سكر وحمل في جيشه وخرج المسلمون ، والتحم الحرب ، وقتل خلق وأسر إيواي فما بات إلا في القلعة ، ونازلت الكرج أرجيش وافتتحوها بالسيف .

وكان العادل ربما ترك الجهاد وقاتل على الدنيا ، فحاصر سنجار مدة .

وقال ابن الأثير سار خوارزم شاه فعبر جيحون بجيوشه فالتقاه طاينكو طاغية الخطا فانهزمت الخطا وأسر ملكهم وأتي به خوارزم شاه فبعث به إلى خوارزم . وعصى صاحب سمرقند على حموه خوارزم شاه ، وظلم وتمرد وقتل من عنده من العسكر الخوارزمية ، فنازله خوارزم شاه وأخذ منه سمرقند ، وبذل فيها السيف ، فيقال : قتل بها مائتا ألف مسلم ، ثم زحف على القلعة وأسر ملكها فذبحه .

وفي هذا الوقت أول ما سمع بذكر التتار ، فخرجوا من أراضيهم بادية الصين ، وراء بلاد تركستان ، فحاربوا الخطا مرات وقووا بكسرة خوارزم [ ص: 226 ] شاه للخطا ، وعاثوا . وكان رأسهم يدعى كشلوخان فكتب ملك الخطا إلى خوارزم شاه : ما جرى بيننا مغفور ، فقد أتانا عدو صعب ، فإن نصروا علينا فلا دافع لهم عنك ، والمصلحة أن تنجدنا ، فكتب : ها أنا قادم لنصرتكم ، وكاتب كشلوخان : إنني قادم وأنا معك على الخطا ، فكان بئس الرأي ، فأقبل ، والتقى الجمعان ، ونزل خوارزم شاه بإزائهما يوهم كلا من الفرقين أنه معه ، وأنه كمين له ، فوقعت الكسرة على الخطا فمال خوارزم شاه حينئذ معينا لكشلوخان ، واستحر القتل بالخطا ، ولجئوا إلى رءوس الجبال ، وانضم منهم خلق إلى خوارزم شاه ، وخضع له كشلوخان ، وقال : نتقاسم مملكة الخطا ، فقال خوارزم شاه : بل البلاد لي ، وسار لحربه ، ثم تبين له قوة التتار ، فأخذ يراوغهم ، ويكبسهم ، فبعث إليه كشلو : ما ذا فعل ملك ، ذا فعل اللصوص ، فإن كنت ملكا فاعمل مصافا فلم يجبه ، وأمر أهل فرغانة والشاش ومدائن الترك بالجفل إلى بخارى وسمرقند ، وخرب المدائن ودحاها عجزا عن حفظها منهم .

ثم خرج على كشلوخان الطاغية جنكزخان ، فتحاربوا مدة ، وظفر جنكزخان ، وطغى ، وتمرد ، وأباد البلاد والعباد ، وأخذ أقاليم الخطا ، وجعل خان بالق دار ملكه ، وأفنى الأمم بإقليم الترك وما وراء النهر وخراسان ، وهزم الجيوش ، وما جرى له فسيرة مفردة ، وقد جود وصفهم الموفق البغدادي ، فقال : [ ص: 227 ] حديثهم حديث يأكل الأحاديث ، وخبر ينسي التواريخ ، ونازلة تطبق الأرض ; هذه أمة لغتها مشوبة بلغة الهند لمجاورتهم ، عراض الوجوه ، واسعو الصدور ، خفاف الأعجاز ، صغار الأطراف ، سمر ، سريعو الحركة ، تصل إليهم أخبار الأمم ، ولا تصل أخبارها إليهم ، وقلما يقدر جاسوس أن يتمكن منهم ; لأن الغريب لا يشبههم ، وإذا أرادوا وجهة كتموا أمرهم ، ونهضوا دفعة ، فتنسد لهذا على الناس وجوه الحيل ، وتضيق طرق الهرب ، ويسبقون التأهب ، نساؤهم يقاتلن ، يقتلون النساء والولدان بغير استثناء ، وربما أبقوا ذا صنعة أو ذا قوة ، وغالب سلاحهم النشاب ، ويطعنون بالسيوف أكثر مما يضربون بها ، جواشنهم من جلود ، وخيلهم تأكل الكلأ وما تجد من ورق وخشب ، وسروجهم صغار ليس لها قيمة ، وأكلهم أي حيوان وجد وتمسه النار ، تحلة القسم ، ليس في قتلهم استثناء ، كان قصدهم إفناء النوع ، ما سلم منهم إلا غزنة وأصبهان .

قلت : ثم استباحوا أصبهان سنة 632 .

قال : وهذه القبيلة الخبيثة تعرف بالتمرجي سكان براري قاطع الصين ، ومشتاهم بأرغون ، وهم مشهورون بالشر والغدر ، والصين متسع وهو ست ممالك . قانهم الأكبر مقيم بطمغاج ، وكان سلطان أحد الممالك الست دوش خان زوج عمة جنكزخان ، فزار جنكزخان عمته إذ مات زوجها ومعه كشلوخان ، فقالت : زوجي ما خلف ابنا فأرى أن تقوم مقامه ، فقام جنكزخان ، ونفذ تحفا إلى القان الكبير ، فتنمر ، وأنف من تملك تتري فتعاقد جنكزخان وكشلوخان على التناصر ، وأبدوا الخلاف ، وكثر [ ص: 228 ] جمعهم ، فالتقوا ، فطحنوا عساكر البلاد ، وعلم القان قوتهم ، فأرسل يخوفهم ، ثم التقوه ، فكسروه أقبح كسرة ، ونجا القان بنفسه واستولى جنكزخان على بلاده ، فراسله القان بالمسالمة وقنع بما بقي في يده ، وسارا إلى ساقون من الصين فملكاها . ثم مات كشلوخان فقام بعده ولده ، فلم يكن له مع جنكزخان كبير أمر ، فتألم ، وافترقا ، وتحاربا ، فظفر جنكزخان به ، وانفرد ودانت له قبائل المغول ، ووضع لهم ياسة يتمسكون بها ، لا يخالفونها البتة ، وتعبدوا بطاعته وتعظيمه ، ثم أول مصاف وقع بينخوارزم شاه وبين التتار كان قائدهم ولد جنكزخان دوشي خان ، فانهزم دوشي خان ، ورجع خوارزم شاه من بلاد الترك في هم وفكر من هذا العدو لما رأى من كثرتهم وإقدامهم وشجاعتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية