صفحة جزء
وفي سنة 617 : التقى مظفر الدين صاحب إربل وبدر الدين لؤلؤ نائب الموصل ، فانهزم لؤلؤ ، ونازل مظفر الدين الموصل فنجدها الأشرف ، واصطلحوا .

وفي رجب وقعة البرلس بين الكامل والفرنج ، فنصر الله وقتل من الفرنج عشرة آلاف وانهزموا ، فاجتمعوا بدمياط .

وفيها أخذت التتار بخارى وسمرقند بالسيف ، وعدوا جيحون . قال ابن الأثير : لو قيل : إن العالم منذ خلق إلى الآن لم يبتلوا بمثل كائنة التتار لكان صادقا ، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ; قوم خرجوا من أطراف الصين فقصدوا بلاد تركستان ، ثم إلى بخارى وسمرقند فتملكوها ، ثم تعبر طائفة منهم إلى خراسان فيفرغون منها تخريبا وقتلا إلى الري وهمذان ، ثم يقصدون أذربيجان ونواحيها ويستبيحونها في أقل من سنة ، أمر لم نسمع بمثله ، ثم ساروا إلى دربند شروين ، فملكوا مدنه ، وعبروا إلى بلاد اللان واللكز قتلا وأسرا ، ثم قصدوا بلاد قفجاق فقتلوا من وقف وهرب من بقي إلى الشعراء والجبال ، واستولت التتار على بلادهم ، ومضت فرقة أخرى إلى غزنة وسجستان وكرمان ، ففعلوا كذلك وأشد . هذا ما لم يطرق [ ص: 237 ] الأسماع مثله ، فإن الإسكندر ما ملك الدنيا بهذه السرعة ، بل في نحو عشر سنين ولم يقتل أحدا .

وقال : وخيلهم لا تعرف الشعير ، إنما تحفر بحوافرها وتأكل عروق النبات ، وهم يسجدون للشمس ، ولا يحرمون شيئا ، ويأكلون الحيوانات وبني آدم ولا يعرفون زواجا . وهم صنف من الترك مساكنهم جبال طمغاج . وبعث خوارزم شاه جواسيس فأتوه فأخبروه أن التتر يفوقون الإحصاء ، وأنهم أصبر شيء على القتال ، لا يعرفون هزيمة ، فندم خوارزم شاه على قتل تجارهم ، وتقسم فكره ، ثم عمل معهم مصافا ما سمع بمثله ، دام ثلاثا .

وقتل من الفريقين خلائق لا يحصون ، حتى لقتل من المسلمين عشرون ألفا ، وقد ذكرنا هذه الواقعة ، وأنها ما حضرها جنكزخان ، وتحاجز الجمعان ، ومر خوارزم شاه فترك ببخارى عشرين ألف فارس ، وبسمرقند خمسين ألفا ، وقال : احفظوا البلاد حتى أجمع الجيوش وأعود فعسكر على بلخ ، فلما أحاطت التتار ببخارى خرج عسكرها في الليل على حمية وتركوها ، فخرج إلى القان بدر الدين ابن قاضي خان يطلب الأمان فأعطاهم ودخلوها في رابع ذي الحجة سنة ست عشرة وستمائة ، ولم يتعرضوا أولا إلى غير الحواصل السلطانية .

وطلبوا منهم العون على حرب من بقلعتها فطموا خندقها بالتراب والأخشاب حتى بالربعات ، وأخذت بالسيف ، وصدق أهلها اللقاء حتى أبيدوا ، ثم غدر جنكزخان بالناس وهلكوا وتمزقوا ، وسبوا الذرية ، وبقيت بخارى كأمس الذاهب . ثم أحاطوا بسمرقند في أول سنة 617 فقيل : برز من أهلها نحو سبعين ألفا ، فقاتلوا ، فانهزم لهم التتر ، ثم [ ص: 238 ] حالوا بينهم وبين البلد وحصدوهم ، ثم جهز جنكزخان خلف خوارزم شاه فعبروا جيحون خوضا وسباحة ، فانهزم منهم وهم وراءه ، ثم عطفوا فأخذوا الري ، ومازندران ، وظفروا بأم خوارزم شاه ومعها خزائنه ، فأسروها ، ثم أخذوا قزوين بالسيف .

وبلغت القتلى أربعين ألفا ، ثم أخذوا أذربيجان ، وصالحهم ملك تبريز ابن البهلوان على أموال ، فمضوا ليشتوا بموقان وهزموا الكرج ، وأخذوا مراغة بالسيف ، ثم قصدوا إربل ، فتحزب لهم عسكر ، فعادوا إلى همذان ، وكانوا قد بدعوا فيها ، وقرروا بها شحنة ، فطالبهم بأموال فقتلوه وتمنعوا فحاصرهم التتار ، فبرزوا لمحاربتهم ، وقتلوا خلقا من التتار وجرح فقيههم جراحات ، ثم برزوا من الغد فالتحم القتال ، ثم في اليوم الثالث عجز الفقيه عن الركوب ، وعزمت التتار على الرحيل ، لكثرة من قتل منهم ، فما رأوا من خرج لقتالهم ، فطمعوا وزحفوا على البلد في رجب سنة ثماني عشرة ، فدخلوه بالسيف ، فاقتتلوا في الأزقة قتال الموت ، وقتل ما لا يحصى ، وأحرقت همذان .

وسارت التتار إلى تبريز فبذل أهلها أموالا فساروا إلى بيلقان ، فأخذوها عنوة في رمضان سنة ثماني عشرة ، وحصدوا أهلها ، حتى كانوا يزنون بالمرأة ثم يقتلونها ، وساروا إلى كنجة ، وهي أم أران فصانعوهم بالأموال ، ثم التقوا الكرج فطحنوهم ، وقتل من الكرج ثلاثون ألفا ، ثم قصدوا الدربند فافتتحوا مدينة سماخي عنوة ، ولم يقدروا على ولوج الدربند ، فبعثوا يطلبون من شروان شاه رسولا فبعث عشرة فقتلوا واحدا وقالوا لمن بقي : إن لم تدلونا على طريق قتلناكم ، قالوا : لا طريق لكن هنا مسلك ضيق ، فمروا فيه قتلا وسبيا وأسرفوا في قتل اللان ، ثم بيتوا القفجاق ، وأبادوا فيهم ، وأتوا سوداق فملكوها ، وأقاموا هناك إلى سنة عشرين وستمائة [ ص: 239 ] .

وأما جنكزخان فجهز فرقة إلى ترمذ وطائفة إلى كلاثة على جانب جيحون ، فاستباحوها ، ثم عادوا إليه ، وهو بسمرقند فجهز جيشا كثيفا مع ولده لحرب جلال الدين بن خوارزم شاه ، وحاصروا خوارزم ثلاثة أشهر وأخذوها ، وعليهم أوكتاي الذي تملك بعد جنكزخان ، وقتل بها أمم لكن بعد أن قتلوا خلائق من التتار ، وأخذوا بالسيف مرو ، وبلخ ، ونيسابور ، وطوس ، وسرخس ، وهراة ، فلا يحصى من راح تحت السيف .

وقال الموفق عبد اللطيف : قصدت فرقة أذربيجان وأران والكرج ، وفرقة همذان وأصبهان وخالطت حلوان قاصدة بغداد ، وماجوا في الدنيا بالإفساد يعضون على من سلم الأنامل من الغيط . إلى أن قال : وعبروا إلى أمم القفجاق واللان فغسلوهم بالسيف ، وخرج من رقيق الترك خلق حتى فاضوا على البلاد .

وأما الخليفة فإنه جمع الجموع وجيش الجيوش ، وحشر فنادى ، وأتته البعوث من كل حدب ينسلون ، ولما جاء رسول التتار احتفل الجيش وبالغوا ، حتى امتلأ قلبه رعبا ، ودماغه خيالا ، فرجع مخبرا .

وأما أهل أصبهان ففتحوا ، ودخلت التتار ، فمال عليهم الناس قتلا ، فقل من نجا من التتار ، سئل عنهم الملك الأشرف ، فقال : ما أقول في قوم لم يؤسر أحد منهم قط . وعن نيسابوري قال : أحصي من قتل بنيسابور ، فبلغوا أزيد من خمسمائة ألف . ومما أبادوه بلاد فرغانة وهي سبع ممالك ، ومتى التمس الشخص رحمتهم ، ازدادوا عتوا ، وإذا اجتمعوا على خمر ، أحضروا [ ص: 240 ] أسارى ويمثلون بهم بأن يقطعوا أعضاءهم ، فكلما صاح ، ضحكوا ، نسأل الله العافية . وقد جمع فيهم من كل وحش رديء خلقه .

وقال ابن واصل أحصيت القتلى بمرو فكانوا سبعمائة ألف .

التالي السابق


الخدمات العلمية