صفحة جزء
[ ص: 364 ] السيف

العلامة المصنف فارس الكلام سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي الحنبلي ثم الشافعي . ولد سنة نيف وخمسين وقرأ بآمد القراءات على عمار الآمدي ، ومحمد الصفار . وتلا ببغداد على ابن عبيدة . وحفظ " الهداية " وتفقه على ابن المني . وسمع من ابن شاتيل وغيره ، ثم صحب ابن فضلان ، واشتغل عليه في الخلاف . وبرع ، وحفظ طريقة الشريف ونظر في طريقة أسعد الميهني ، وتفنن في حكمة الأوائل فرق دينه واظلم ، وكان يتوقد ذكاء .

قال علي بن أنجب في " أسماء المصنفين " : اشتغل بالشام على المجير البغدادي ، ثم ورد إلى بغداد واشتغل ب " الشفاء " وب " الشامل " لأبي المعالي ، وحفظ عدة كتب وكرر على " المستصفى " وتبحر في العلوم ، وتفرد بعلم المعقولات والمنطق والكلام ، وقصده الطلاب من البلاد ، وكان يواسيهم بما يقدر ، ويفهم الطلاب ويطول روحه . [ ص: 365 ]

قلت : ثم أقرأ الفلسفة والمنطق بمصر بالجامع الظافري ، وأعاد بقبة الشافعي ، وصنف التصانيف ، ثم قاموا عليه ، ورموه بالانحلال ، وكتبوا محضرا بذلك .

قال القاضي ابن خلكان وضعوا خطوطهم بما يستباح به الدم ، فخرج مستخفيا ، ونزل حماة . وألف في الأصلين والحكمة المشئومة والمنطق ، والخلاف ، وله كتاب " أبكار الأفكار " في الكلام ، و " منتهى السول في الأصول " و " طريقة " في الخلاف ، وله نحو من عشرين تصنيفا . ثم تحول إلى دمشق ، ودرس بالعزيزية مدة ، ثم عزل عنها لسبب اتهم فيه ، وأقام بطالا في بيته .

قال : ومات في رابع صفر سنة إحدى وثلاثين وستمائة وله ثمانون سنة .

وقال سبط الجوزي لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين وعلم الكلام ، وكان يظهر منه رقة قلب وسرعة دمعة ، أقام بحماة ، ثم بدمشق . ومن عجيب ما يحكى عنه أنه ماتت له قطة بحماة فدفنها فلما سكن دمشق بعث ونقل عظامها في كيس ودفنها بقاسيون .

قال : وكان أولاد العادل كلهم يكرهونه لما اشتهر عنه من علم الأوائل والمنطق ، وكان يدخل على المعظم فلا يتحرك له ، فقلت : قم له عوضا عني فقال : ما يقبله قلبي . ومع ذا ولاه تدريس العزيزية ، فلما مات [ ص: 366 ]

أخرجه منها الأشرف ، ونادى في المدارس : من ذكر غير التفسير والفقه ، أو تعرض لكلام الفلاسفة نفيته ، فأقام السيف خاملا في بيته إلى أن مات ، ودفن بتربته بقاسيون .

قلت : أخذ عنه القاضيان ابن سني الدولة صدر الدين ومحيي الدين ابن الزكي .

وكان القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة يحكي عن شيخه ابن أبي عمر ، قال : كنا نتردد إلى السيف ، فشككنا هل يصلي أم لا ؟ فنام ، فعلمنا على رجله بالحبر فبقيت العلامة يومين مكانها ، فعلمنا أنه ما توضأ ، نسأل الله السلامة في الدين !

وقد حدث السيف ب " الغريب " لأبي عبيد عن أبي الفتح بن شاتيل .

قال لي شيخنا ابن تيمية : يغلب على الآمدي الحيرة والوقف ، حتى إنه أورد على نفسه سؤالا في تسلسل العلل ، وزعم أنه لا يعرف عنه جوابا ، وبنى إثبات الصانع على ذلك ، فلا يقرر في كتبه إثبات الصانع ، ولا حدوث العالم ، ولا وحدانية الله ، ولا النبوات ، ولا شيئا من الأصول الكبار .

قلت : هذا يدل على كمال ذهنه ، إذ تقرير ذلك بالنظر لا ينهض ، وإنما ينهض بالكتاب والسنة وبكل قد كان السيف غاية ، ومعرفته بالمعقول نهاية ، وكان الفضلاء يزدحمون في حلقته .

قال ابن خلكان : سمعت ابن عبد السلام يقول : ما سمعت من يلقي الدرس أحسن من السيف ، كأنه يخطب ، وكان يعظمه .

[ ص: 367 ] ومات في السنة أكابر منهم : الأمير الكبير صلاح الدين أحمد بن عبد السيد الإربلي الحاجب ، وله نظم رائق . والشرف أحمد بن محمد ابن الصابوني ، ونجم الدين ثابت بن تاوان التفليسي ، وزكريا بن علي العلبي ، والمصنف رضي الدين سليمان بن مظفر الجيلي الشافعي ببغداد ، والقدوة الشيخ عبد الله بن يونس الأرموي الزاهد بسفح قاسيون ، وأبو نصر عبد الرحيم بن محمد بن عساكر ، وشيخ القراء الزاهد محمد بن عمر بن يوسف القرطبي صاحب الشاطبي ، ومحدث بخارى أبو رشيد محمد بن أبي بكر الغزال الأصبهاني ، ومدرس المستنصرية محيي الدين محمد بن يحيى بن فضلان الشافعي وقد ولي قضاء القضاة قليلا ، وأبو الفتوح ناصر بن عبد العزيز الأغماتي ، وشيخ الطب رضي الدين يوسف بن حيدرة الرحبي أحد المصنفين ، وله سبع وتسعون سنة ، ومسند الوقت أبو عبد الله ابن الزبيدي ، والمسلم بن أحمد المازني .

التالي السابق


الخدمات العلمية