صفحة جزء
المعظم

السلطان الملك المعظم غياث الدين توارنشاه بن السلطان الملك الصالح أيوب بن الكامل بن العادل .

[ ص: 194 ] ولد بمصر ، وعمل نيابة أبيه ، ثم تملك بحصن كيفا ، وآمد ، وتلك البلاد ، وكان أبوه لا يختار أن يجيء لما ملك مصر ، كان لا يعجبه هوجه ولا طيشه ، سار لإقدامه الأمير الفارس أقطاي ، وسافر به يتحايد ملوك الأطراف في نحو من خمسين فارسا على الفرات وعانة ، ثم على أطراف السماوة ، وعطشوا فدخل دمشق ، وزينت له ثم سار منها بعد شهر ، فاتفقت كسرة الفرنج عند وصوله ، وتيمن الناس به ، فبدا منه حركات منفرة ، وترك بحصن كيفا ابنه الملك الموحد صبيا ، فطال عمره ، واستولت التتار على الحصن ، فبقي في مملكة صغيرة حقيرة من تحت يد التتار إلى بعد السبعين وستمائة .

وقال لي تاج الدين الفارقي : عاش إلى بعد الثمانين ، وتوفي بعده ابنه- يعني الملك الكامل بن الموحد - ، الذي قتله قازان سنة سبعمائة ، وأقيم بعده ابنه الصالح في رتبة جندي ، وكان السلطان يقول : توارنشاه ما يصلح للملك . وكان حسام الدين بن أبي علي يلح عليه في إحضاره ، فيقول : أحضره ليقتلوه ، فكان كما قال .

قال ابن حمويه سعد الدين : لما قدم ، طال لسان كل خامل ، [ ص: 195 ] ووجدوه خفيف العقل سيئ التدبير ، وقع بخبز فخر الدين للإلاه جوهر وتطلع الأمراء إلى أن ينفق فيهم كما فعل بدمشق ، فما أعطاهم شيئا ، وكان لا يزال يتحرك كتفه الأيمن مع نصف وجهه ، ويكثر الولع بلحيته ، ومتى سكر ضرب الشموع بالسيف ، ويقول : هكذا أفعل بمماليك أبي ، ويتهدد الأمراء بالقتل ، فتنكروا له ، وكان ذكيا قوي المشاركة يبحث وينقل .

قال سبط الجوزي : كان يكون على السماط بدمشق ، فإذا سمع فقيها ينقل مسألة صاح : لا نسلم . واحتجب عن أمور الناس وانهمك في الفساد بالغلمان وما كان أبوه كذلك ، ويقال : تعرض لسراري أبيه ، وقدم أرذال ووعد أقطاي بالإمرة فما أمره ، فغضب ، وكانت شجر الدر قد ذهبت من المنصورة إلى القاهرة ، فما وصل بقي يتهددها ويطالبها بالأموال ، فعاملت عليه . ولما كان في المحرم سنة ثمان وأربعين وثب عليه بعض البحرية على السماط فضربه على يده ، قطع أصابعه ، فقام إلى البرج الخشب ، وصاح : من فعل هذا ؟ قالوا : إسماعيلي ، قال : لا والله بل من البحرية ، والله لأفنينهم ، وخاط المزين يده فقالوا : بتوه وإلا رحنا ، فشدوا عليه فطلع إلى أعلى البرج ، فرموا البرج بالنفط وبالنشاب [ ص: 196 ] فرمى المسكين بنفسه ، وعدا إلى النيل وهو يصيح : ما أريد الملك خلوني أرجع إلى الحصن يا مسلمين أما فيكم من يصطنعني ! ؟ فلم يجبه أحد ، وتعلق بذيل أقطاي فما أجاره وعجز ، فنزل في الماء إلى حلقه ، فقتل في الماء .

وكان قد نزل بحصن كيفا ولده .

التالي السابق


الخدمات العلمية