صفحة جزء
الحريري

كبير الفقراء البطلة الشيخ علي بن أبي الحسن بن منصور بن الحريري الحوراني ، من عشير يقال لهم : بنو الرمان .

مولده ببسر ، وبها مات في سنة خمس وأربعين وستمائة في رمضان ، وقد قارب التسعين .

قدم دمشق صبيا ، فتعلم نسج المروزي وبرع ، ثم وقف عليه دين فحبس . وأمه دمشقية من ذرية الأمير مسيب العقيلي ، وكان خاله صائغا ، [ ص: 225 ] وربي الشيخ يتيما ، ثم عمل العتابي ، ثم تزهد ، وصحب أبا علي المغربل خادم الشيخ رسلان .

قرأت بخط السيف الحافظ : كان الحريري من أفتن شيء وأضره على الإسلام ، تظهر منه الزندقة والاستهزاء بالشرع ، بلغني من الثقات أشياء يستعظم ذكرها من الزندقة والجرأة على الله ، وكان مستخفا بأمر الصلوات .

وحدثني أبو إسحاق الصريفيني ، قال : قلت للحريري : ما الحجة في الرقص ؟ قال : إذا زلزلت الأرض زلزالها وكان يطعم وينفق ويتبعه كل مريب . شهد عليه خلق كثير بما يوجب القتل ، ولم يقدم السلطان على قتله ، بل سجنه مرتين .

أنبأنا العلامة ابن دقيق العيد ، عن ابن عبد السلام سمعه يقول في ابن العربي : شيخ سوء كذاب .

وعندي مجموع من كلام الشيخ الحريري فيه : إذا دخل مريدي بلاد الروم ، وتنصر ، وأكل الخنزير ، وشرب الخمر كان في شغلي .

وسأله رجل : أي الطرق أقرب إلى الله ؟ قال : اترك السير وقد وصلت .

وقال لأصحابه : بايعوني على أن نموت يهود ونحشر إلى النار حتى يصحبني أحد لعلة .

[ ص: 226 ] وقال : لو قدم علي من قتل ولدي وهو بذلك طيب وجدني أطيب منه .

ومن ذلك قوله : أمرد يقدم مداسي أخير من رضوانكم ، وربع قحبة عندي أحسن من الولدان . أود أشتهي قبل موتي أعشق ولو صورة حجر . أنا متكل محير والعشق بي مشغول .

قال ابن إسرائيل : قال لي الشيخ : ما معنى قوله تعالى : كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله قلت : يقول سيدي ، قال : ويحك من الموقد ومن المطفئ ، لا يسمع لله كلاما إلا منك فيك ، فامح إنيتك .

وقال علي بن أنجب في تاريخه : الفقير الحريري شيخ عجيب ، كان يعاشر الأحداث ، كان يقال عنه : إنه مباحي ولم تكن له مراقبة ، كان يخرب ، والفقهاء ينكرون فعله ، وكان له قبول عظيم .

وروي عن الحريري : لو ضربنا عنقك على هذا القول ولعناك لاعتقدنا أنا مصيبون .

وممن انتصر له وخضع لكشفه الإمام أبو شامة فقال : كان عنده من القيام بواجب الشريعة ما لم يعرفه أحد من المتشرعين ظاهرا وباطنا ، وأكثر الناس يغلطون فيه ، كان مكاشفا لما في الصدور بحيث قد أطلعه الله على سرائر أوليائه .

[ ص: 227 ] قلت : ما هذا ؟ اتق الله ; فالكهنة وابن صائد مكاشفون لما في الضمائر .

كان الحريري يلبس ما اتفق والمطرز والملون ، وقال عن نفسه :

فقير ولكن من صلاح ومن تقى وشيخ ولكن للفسوق إمام

وباقي سيرته في " تاريخ الإسلام " .

التالي السابق


الخدمات العلمية