صفحة جزء
ابنه أبو جعفر الباقر ( ع )

هو السيد الإمام ، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي ، العلوي الفاطمي ، المدني ، ولد زين العابدين ، ولد سنة ست وخمسين . في حياة عائشة وأبي هريرة . أرخ ذلك أحمد بن البرقي .

روى عن جديه : النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي - رضي الله عنه - مرسلا ، وعن جديه الحسن والحسين مرسلا أيضا ، وعن ابن عباس ، وأم سلمة ، وعائشة مرسلا ، وعن ابن عمر ، وجابر ، وأبي سعيد ، وعبد الله بن جعفر ، وسعيد بن المسيب ، وأبيه زين العابدين ، ومحمد بن الحنفية ، وطائفة .

وعن أبي هريرة ، وسمرة بن جندب مرسلا أيضا ، وليس هو بالمكثر ، هو في الرواية كأبيه وابنه جعفر ، ثلاثتهم لا يبلغ حديث كل واحد منهم جزءا ضخما ; ولكن لهم مسائل وفتاوى .

حدث عنه ابنه ، وعطاء بن أبي رباح ، والأعرج مع تقدمهما ، وعمرو بن دينار ، وأبو إسحاق السبيعي ، والزهري ، ويحيى بن أبي كثير ، وربيعة الرأي ، وليث بن أبي سليم ، وابن جريج ، وقرة بن خالد ، وحجاج بن أرطاة ، [ ص: 402 ] والأعمش ، ومخول بن راشد ، وحرب بن سريج ، والقاسم بن الفضل الحداني ، والأوزاعي ، وآخرون .

وروايته عن الحسن وعائشة في سنن النسائي ، وذلك منقطع .

وروايته عن سمرة في سنن أبي داود ، وكان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد ، والشرف ، والثقة ، والرزانة ، وكان أهلا للخلافة ، وهو أحد الأئمة الاثني عشر الذين تبجلهم الشيعة الإمامية وتقول بعصمتهم وبمعرفتهم بجميع الدين . فلا عصمة إلا للملائكة والنبيين ، وكل أحد يصيب ويخطئ ، ويؤخذ من قوله ويترك سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فإنه معصوم ، مؤيد بالوحي .

وشهر أبو جعفر بالباقر ، من : بقر العلم - أي شقه - فعرف أصله وخفيه .

ولقد كان أبو جعفر إماما ، مجتهدا ، تاليا لكتاب الله ، كبير الشأن ، ولكن لا يبلغ في القرآن درجة ابن كثير ونحوه ، ولا في الفقه درجة أبي الزناد ، وربيعة ; ولا في الحفظ ومعرفة السنن درجة قتادة وابن شهاب . فلا نحابيه ، ولا نحيف عليه ، ونحبه في الله لما تجمع فيه من صفات الكمال .

قال ابن فضيل ، عن سالم بن أبي حفصة : سألت أبا جعفر وابنه جعفرا عن أبي بكر وعمر ، فقالا لي : يا سالم ، تولهما وابرأ من عدوهما ; فإنهما كانا إمامي هدى .

كان سالم فيه تشيع ظاهر ، ومع هذا فيبث هذا القول الحق ; وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل ، وكذلك ناقلها ابن فضيل ، شيعي ثقة . فعثر الله شيعة زماننا ما أغرقهم في الجهل والكذب ، فينالون من [ ص: 403 ] الشيخين وزيري المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ويحملون هذا القول من الباقر والصادق على التقية .

وروى إسحاق الأزرق ، عن بسام الصيرفي ، قال : سألت أبا جعفر عن أبي بكر وعمر ، فقال : والله إني لأتولاهما وأستغفر لهما ، وما أدركت أحدا من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما .

وعن عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال : كنت أنا وأبو جعفر نختلف إلى جابر نكتب عنه في ألواح ، وبلغنا أن أبا جعفر كان يصلي في اليوم والليلة مائة وخمسين ركعة .

وقد عده النسائي وغيره في فقهاء التابعين بالمدينة ، واتفق الحفاظ على الاحتجاج بأبي جعفر .

قال القطيعي في فوائده : حدثنا أبو مسلم الكجي ، حدثنا أبو عاصم ، عن جعفر بن محمد ، حدثني أبي قال : قال عمر : ما أدري ما أصنع بالمجوس ! فقام عبد الرحمن بن عوف فروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " هذا مرسل .

قال الزبير بن بكار : كان يقال لمحمد بن علي : باقر العلم ، وأمه هي أم عبد الله بنت الحسن بن علي . وفيه يقول القرظي : [ ص: 404 ] يا باقر العلم لأهل التقى وخير من لبى على الأجبل وقال فيه مالك بن أعين إذا طلب الناس علم القرا ن كانت قريش عليه عيالا وإن قيل ابن ابن بنت الرسو ل نلت بذلك فرعا طوالا تحوم تهلل للمدلجين جبال تورث علما جبالا ابن عقدة : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي نجيح ، حدثنا علي بن حسان القرشي ، عن عمه عبد الرحمن بن كثير ، عن جعفر بن محمد ، قال : قال أبي : أجلسني جدي الحسين في حجره ، وقال لي : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئك السلام .

عن أبان بن تغلب ، عن محمد بن علي ، قال : أتاني جابر بن عبد الله ، وأنا في الكتاب . فقال لي : اكشف عن بطنك ، فكشفت ، فألصق بطنه ببطني ، ثم قال : أمرني رسول الله أن أقرئك منه السلام .

قال ابن عدي : لا أعلم رواه عن أبان غير المفضل بن صالح أبي جميلة النخاس .

لوين : حدثنا أبو يعقوب عبد الله بن يحيى ، قال : رأيت على أبي [ ص: 405 ] جعفر إزارا أصفر ، وكان يصلي كل يوم وليلة خمسين ركعة بالمكتوبة .

وعن سلمة بن كهيل ، في قوله لآيات للمتوسمين قال : كان أبو جعفر منهم .

الزبير في " النسب " : حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري ، قال : حج الخليفة هشام ، فدخل الحرم متكئا على يد سالم مولاه ، ومحمد بن علي بن الحسين جالس ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا محمد بن علي . فقال : المفتون به أهل العراق ؟ قال : نعم . قال : اذهب إليه فقل له : يقول لك أمير المؤمنين : ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة ؟ فقال له محمد : يحشر الناس على مثل قرصة النقي فيها الأنهار مفجرة . فرأى هشام أنه قد ظفر فقال : الله أكبر ، اذهب إليه ، فقل له : ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ ! ففعل . فقال : قل له : هم في النار أشغل ، ولم يشغلوا أن قالوا : أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله .

قال المطلب بن زياد : حدثنا ليث بن أبي سليم ، قال : دخلت على أبي جعفر محمد بن علي وهو يذكر ذنوبه وما يقول الناس فيه ، فبكى .

وعن أبي جعفر ، قال : من دخل قلبه ما في خالص دين الله ، شغله عما سواه . ما الدنيا ، وما عسى أن تكون ! هل هي إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته ، أو امرأة أصبتها .

[ ص: 406 ] أبو نعيم : حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن المنهال بن عمرو ، عن محمد بن علي ، قال : اذكروا من عظمة الله ما شئتم ، ولا تذكرون منها شيئا إلا وهي أعظم منه ; واذكروا من النار ما شئتم ، ولا تذكرون منها شيئا إلا وهي أفضل منه ; واذكروا من الجنة ما شئتم ، ولا تذكرون منها شيئا إلا وهي أفضل .

وعن جابر الجعفي ، عن محمد بن علي ، قال : أجمع بنو فاطمة على أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن ما يكون من القول .

قلت : أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق هي صاحبة أبي جعفر الباقر ، وأم ولده جعفر الصادق .

محمد بن طلحة بن مصرف ، عن خلف بن حوشب ، عن سالم بن أبي حفصة وكان يترفض ، قال : دخلت على أبي جعفر وهو مريض فقال - وأظن قال ذلك من أجلي : اللهم إني أتولى وأحب أبا بكر وعمر ، اللهم إن كان في نفسي غير هذا ، فلا نالتني شفاعة محمد يوم القيامة - صلى الله عليه وسلم .

عيسى بن يونس ، عن عبد الملك بن أبي سليمان : قلت لمحمد بن علي : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا قال : هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . قلت : إنهم يقولون : هو علي . قال : علي منهم .

شبابة : أنبأنا بسام : سمعت أبا جعفر يقول : كان الحسن والحسين [ ص: 407 ] يصليان خلف مروان يتبادران الصف ، وكان الحسين يسب مروان وهو على المنبر حتى ينزل . أفتقية هذه ؟ !

أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : يزعمون أني المهدي ، وإني إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدعون .

قال سفيان الثوري : اشتكى بعض أولاد محمد بن علي ، فجزع عليه ، ثم أخبر بموته ، فسري عنه . فقيل له في ذلك ، فقال : ندعو الله فيما نحب ، فإذا وقع ما نكره ، لم نخالف الله فيما أحب .

قال ابن عيينة : حدثنا جعفر بن محمد : سمعت أبي يقول لعمته فاطمة بنت الحسين : هذه توفي لي ثمانيا وخمسين سنة . فمات فيها .

قال عفان : حدثني معاوية بن عبد الكريم ، قال : رأيت على أبي جعفر محمد بن علي جبة خز ومطرف خز .

وقال عبيد الله بن موسى : حدثنا إسماعيل بن عبد الملك ، قال : رأيت على أبي جعفر ثوبا معلما ، فقلت له ، فقال : لا بأس بالأصبعين من العلم بالإبريسم في الثوب .

وقال عمرو بن موهب : رأيت على أبي جعفر ملحفة حمراء .

[ ص: 408 ] وروى إسرائيل ، عن عبد الأعلى ، أنه رأى محمد بن علي يرسل عمامته خلفه ، وسألته عن الوسمة فقال : هو خضابنا أهل البيت .

أخبرنا إسحاق الصفار ، أنبأنا ابن خليل ، أنبأنا أبو المكارم التيمي ، أنبأنا أبو علي المقرئ ، حدثنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا علي بن أحمد المصيصي ، حدثنا أحمد بن خليد ، حدثنا أبو نعيم ، نبأنا بسام الصيرفي ، قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عن القرآن فقال : كلام الله غير مخلوق .

وبه : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن علي بن حبيش ، حدثنا إبراهيم بن شريك ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا يونس بن بكير ، عن أبي عبد الله الجعفي ، عن عروة بن عبد الله ، قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي عن حلية السيوف ، فقال : لا بأس به ، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه . قلت : وتقول الصديق ؟ فوثب وثبة واستقبل القبلة ، ثم قال : نعم الصديق ، نعم الصديق ، فمن لم يقل الصديق ، فلا صدق الله له قولا في الدنيا والآخرة .

عن عمر مولى غفرة ، عن محمد بن علي : قال : ما دخل قلب امرئ من الكبر شيء إلا نقص من عقله مقدار ذلك . وعن أبي جعفر ، قال : الصواعق تصيب المؤمن وغير المؤمن ، ولا تصيب الذاكر .

وعنه قال : سلاح اللئام قبح الكلام .

[ ص: 409 ] مات أبو جعفر سنة أربع عشرة ومائة بالمدينة . أرخه أبو نعيم وسعيد بن عفير ، ومصعب الزبيري .

وقيل : توفي سنة سبع عشرة .

ومن عالي روايته : أنبأنا علي بن أحمد وطائفة ، قالوا : أنبأنا عمر بن محمد ، أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي ، أنبأنا أبو محمد بن هزارمرد أنبأنا ابن حبابة ، أنبأنا أبو القاسم البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا القاسم بن الفضل ، عن محمد بن علي ، قال : كانت أم سلمة تقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الحج جهاد كل ضعيف "

التالي السابق


الخدمات العلمية