صفحة جزء
[ ص: 174 ] ذكر أذية المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين

الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثني محمد بن إبراهيم التيمي ، قال : حدثني عروة ، قال : سألت عبد الله بن عمرو قلت : حدثني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أقبل عقبة بن أبي معيط والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة ، فلوى ثوبه ، في عنقه فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ، فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ( 28 ) ) [ غافر ] . أخرجه البخاري .

ورواه ابن إسحاق ، عن يحيى بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله .

ورواه سليمان بن بلال ، وعبدة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عمرو بن العاص . وهذه علة ظاهرة ، لكن رواه محمد بن فليح ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، فهذا ترجيح للأول .

وقال سفيان ، وشعبة ، واللفظ له ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، قال : سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله ، قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش ، وثم سلى بعير ، فقالوا : من يأخذ سلى هذا الجزور فيقذفه على ظهره . فجاء عقبة بن أبي معيط فقذفه على ظهره صلى الله عليه وسلم ، وجاءت فاطمة فأخذته عن ظهره ، ودعت على من صنع [ ص: 175 ] ذلك ، قال عبد الله : فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم إلا يومئذ فقال : " اللهم عليك الملأ من قريش ، اللهم عليك أبا جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وعقبة بن أبي معيط ، وأمية بن خلف " أو أبي بن خلف ، شك شعبة ، ولم يشك سفيان أنه أمية قال عبد الله : فقد رأيتهم قتلوا يوم بدر وألقوا في القليب ، غير أن أمية كان رجلا بادنا ، فتقطع قبل أن يبلغ به البئر . أخرجاه من حديث شعبة ، ومن حديث سفيان .

وقال مسلم : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان ، قال : أخبرنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن زكريا ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت ، وأبو جهل وأصحاب له جلوس ، وقد نحرت جزور بالأمس ، فقال أبو جهل : أيكم يقوم إلى سلى جزور فيضعه على كتفي محمد إذا سجد ؟ فانبعث أشقاهم ، فأخذه فوضعه بين كتفيه ، فضحكوا وجعل بعضهم يميل إلى بعض ، وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته ، والنبي صلى الله عليه وسلم ما يرفع رأسه ، فجاءت فاطمة ، وهي جويرية فطرحته عنه وسبتهم ، فلما قضى صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم ، وكان إذا دعا دعا ثلاثا ، وإذا سأل سأل ثلاثا ، ثم قال : " اللهم عليك بقريش " ثلاثا ، فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ، ثم قال : " اللهم عليك بأبي جهل ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عقبة ، وأمية بن خلف ، وعقبة [ ص: 176 ] بن أبي معيط " وذكر السابع ولم أحفظه . فوالذي بعث محمدا بالحق ، لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ، ثم سحبوا إلى القليب ، قليب بدر .

وقال زائدة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله ، قال : إن أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمار ، وأمه سمية ، وصهيب ، وبلال ، والمقداد . فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب . وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه . وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد ، وأوقفوهم في الشمس ، فما من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا غير بلال ، فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول : أحد أحد . حديث صحيح .

وقال هشام الدستوائي ، عن أبي الزبير ، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعمار وأهله ، وهم يعذبون ، فقال : " أبشروا آل عمار فإن موعدكم الجنة " .

وقال الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : كان أول شهيد في الإسلام أم عمار سمية ، طعنها أبو جهل بحربة في قبلها .

وقال يونس بن بكير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أن أبا بكر أعتق ممن كان يعذب في الله سبعة ، فذكر منهم الزنيرة ، قال : فذهب بصرها ، وكانت ممن يعذب في الله على الإسلام ، فتأبى إلا الإسلام ، فقال المشركون : ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى ، فقالت : كلا والله ، ما هو كذلك . فرد الله عليها بصرها .

[ ص: 177 ] وقال إسماعيل بن أبي خالد وغيره : حدثنا قيس ، قال : سمعت خبابا يقول : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده في ظل الكعبة ، وقد لقينا من المشركين شدة شديدة ، فقلت : يا رسول الله ألا تدعو الله ؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال : " إن كان من كان قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله عز وجل " متفق عليه ، وزاد البخاري من حديث بيان بن بشر : " والذئب على غنمه " .

وقال البكائي ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم ؟ قال : نعم والله ، إن كانوا ليضربون أحدهم ، يجيعونه ويعطشونه ، حتى ما يقدر على أن يستوي جالسا من شدة الضر الذي نزل به ، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة ، حتى يقولون له : اللات والعزى إلهك من دون الله ؟ فيقول : نعم ، حتى إن الجعل ليمر بهم فيقولون له : أهذا الجعل إلهك من دون الله ، فيقول : نعم ، افتداء منهم مما يبلغون من جهده .

وحدثني الزبير بن عكاشة ، أنه حدث ، أن رجالا من بني مخزوم مشوا إلى هشام بن الوليد ، حين أسلم أخوه الوليد بن الوليد ، وكانوا قد أجمعوا أن يأخذوا فتية منهم كانوا قد أسلموا ، منهم سلمة بن هشام ، [ ص: 178 ] وعياش بن أبي ربيعة ، قال : فقالوا له وخشوا شره : إنا قد أردنا أن تعاتب هؤلاء الفتية على هذا الدين الذي قد أحدثوا ، فإنا نأمن بذلك في غيره . قال : هذا فعليكم به فعاتبوه ، يعني أخاه الوليد ، ثم إياكم ونفسه ، وقال :


ألا لا تقتلن أخي عييش فيبقى بيننا أبدا تلاحي

احذروا على نفسه ، فأقسم بالله لئن قتلتموه لأقتلن أشرفكم رجلا ، قال : فتركوه ، فكان ذلك مما دفع الله به عنه .

وقال عمرو بن دينار ، فيما رواه عنه ابن عيينة : لما قدم عمرو بن العاص من الحبشة جلس في بيته فقالوا : ما شأنه ، ما له لا يخرج ؟ فقال : إن أصحمة يزعم أن صاحبكم نبي .

ويروى عن ابن إسحاق ، من طريق محمد بن حميد الرازي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام ، وذلك مع عمرو بن أمية الضمري ، وأن النجاشي كتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم ، إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من النجاشي أصحمة بن أبجر ، سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته ، أشهد أنك رسول الله ، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك ، وأسلمت على يديه لله رب العالمين ، وقد بعثت إليك أريحا ابني ، فإني لا أملك إلا نفسي ، وإن شئت ، أن آتيك فعلت ، يا رسول الله .

قال يونس ، عن ابن إسحاق : كان اسم النجاشي مصحمة ، وهو بالعربية عطية ، وإنما النجاشي اسم الملك ، كقولك كسرى وهرقل .

وفي حديث جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي ، وأما قوله : " مصحمة " فلفظ غريب .

التالي السابق


الخدمات العلمية