صفحة جزء
قال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتيت بالبراق ، وهو دابة أبيض ، فركبته حتى أتينا بيت المقدس ، فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ، ثم دخلت فصليت ، فأتاني بإناءين خمر ولبن ، فاخترت اللبن ، فقال : أصبت الفطرة . ثم عرج بي إلى السماء الدنيا ، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت ؟ قال : أنا جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : قد أرسل ، ففتح لنا ، فإذا بآدم .

فذكر الحديث ، وفيه : " فإذا بيوسف ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ، فرحب بي ودعا لي بخير ، إلى أن قال لما فتح له السماء السابعة : فإذا بإبراهيم عليه السلام ، وإذا هو مستند إلى البيت المعمور ، فرحب بي ، ودعا لي بخير ، فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى ، فإذا ورقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمرها كالقلال ، قال : فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت . فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، قال : فدنا فتدلى وأوحى إلى عبده ما أوحى ، وفرض علي في كل يوم خمسون صلاة ، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى ، قال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة في كل يوم وليلة . قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فإني قد بلوت بني إسرائيل وجربتهم وخبرتهم .

[ ص: 218 ] قال : فرجعت فقلت : أي رب خفف عن أمتي . فحط عني خمسا ، فرجعت حتى انتهيت إلى موسى ، فقال : ما فعلت ؟ قلت : قد حط عني خمسا ، فقال : إن أمتك لا تطيق ذلك ، ارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك . فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال : هي خمس صلوات في كل يوم وليلة ، بكل صلاة عشر ، فذلك خمسون صلاة
.

أخرجه مسلم دون قوله : فدنا فتدلى ، وذلك ثابت في رواية حجاج بن منهال ، وهو ثبت في حماد بن سلمة .

وقال سليمان بن بلال ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، قال : سمعت أنسا يقول : وذكر حديث الإسراء ، وفيه : " ثم عرج به إلى السماء السابعة ، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله ، حتى جاء سدرة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة ، فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى . أخرجه البخاري ، عن عبد العزيز بن عبد الله ، عن سليمان .

وقال شيبان ، عن قتادة ، عن أبي العالية ، قال : حدثنا ابن عباس ، قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : رأيت ليلة أسري بي موسى عليه السلام رجلا طوالا جعدا ، كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ، قال : وأري مالكا خازن النار والدجال في آيات أراهن الله إياه قال : ( فلا تكن في مرية من لقائه ( 23 ) ) [ السجدة ] . فكان قتادة يفسرها أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد لقي موسى . أخرجه مسلم .

وفي الصحيحين ، من حديث سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم حين أسري به : لقيت موسى وعيسى ثم [ ص: 219 ] نعتهما ورأيت إبراهيم ، وأنا أشبه ولده به .

وقال مروان بن معاوية الفزاري ، عن قنان النهمي ، قال : حدثنا أبو ظبيان الجنبي ، قال : كنا جلوسا عند أبي عبيدة بن عبد الله ومحمد بن سعد بن أبي وقاص ، فقال محمد لأبي عبيدة : حدثنا عن أبيك ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال أبو عبيدة : لا ، بل حدثنا أنت عن أبيك . قال : لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت . فأنشأ أبو عبيدة يحدث ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل ، فحملني عليه ، فانطلق يهوي بنا ، كلما صعد عقبة استوت رجلاه مع يديه ، وإذا هبط استوت يداه مع رجليه ، حتى مررنا برجل طوال سبط آدم ، كأنه من رجال أزد شنوءة ، وهو يقول ويرفع صوته ويقول : أكرمته وفضلته ، فدفعنا إليه ، فسلمنا ، فرد السلام ، فقال : من هذا معك يا جبريل ؟ قال : هذا أحمد . قال : مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته . قال : ثم اندفعنا ، فقلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : موسى . قلت : ومن يعاتب ؟ قال : يعاتب ربه فيك . قلت : ويرفع صوته على ربه! قال : إن الله قد عرف له حدته . قال : ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السرج وتحتها شيخ وعياله ، فقال لي جبريل : اعمد إلى أبيك إبراهيم ، فسلمنا عليه فرد السلام ، وقال : من هذا معك يا جبريل ؟ قال : ابنك أحمد . فقال : مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته ، يا بني إنك لاق ربك الليلة ، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل . قال : ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى ، فنزلت فربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها ، ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين ما بين قائم وراكع وساجد ، ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن ، فأخذت اللبن فشربته ، فضرب جبريل منكبي ، وقال : أصبت الفطرة ورب محمد . ثم [ ص: 220 ] أقيمت الصلاة ، فأممتهم ، ثم انصرفنا فأقبلنا . . . هذا حديث حسن غريب .

فإن قيل : فقد صح عن ثابت ، وسليمان التيمي ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتيت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر ، وهو قائم يصلي في قبره ، وقد صح عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رأيتني في جماعة من الأنبياء ، فإذا موسى يصلي ، وذكر إبراهيم ، وعيسى قال : فحانت الصلاة فأممتهم " . ومن حديث ابن المسيب أنه لقيهم في بيت المقدس ، فكيف الجمع بين هذه الأحاديث وبين ما تقدم ، من أنه رأى هؤلاء الأنبياء في السماوات ، وأنه راجع موسى ؟ فالجواب : أنهم مثلوا له ، فرآهم غير مرة ، فرأى موسى في مسيره قائما يصلي في قبره ، ثم رآه ببيت المقدس ، ثم رآه في السماء السادسة هو وغيره ، فعرج بهم ، كما عرج بنبينا صلوات الله على الجميع وسلامه ، والأنبياء أحياء عند ربهم كحياة الشهداء عند ربهم ، وليست حياتهم كحياة أهل الدنيا ، ولا حياة أهل الآخرة ، بل لون آخر ، كما ورد أن حياة الشهداء بأن جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ، تسرح في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش ، فهم أحياء عند ربهم بهذا الاعتبار كما أخبر سبحانه وتعالى ، وأجسادهم في قبورهم .

وهذه الأشياء أكبر من عقول البشر ، والإيمان بها واجب كما قال تعالى : ( الذين يؤمنون بالغيب ( 3 ) ) [ البقرة ] .

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله ، قال : أخبرنا أبو روح عبد المعز بن محمد كتابة ، أن تميم بن أبي سعيد الجرجاني أخبرهم ، قال : أخبرنا [ ص: 221 ] أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن ، قال : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان ، قال : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى ، قال : حدثنا هدبة بن خالد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة ، فقلت : ما هذه الرائحة يا جبريل ؟ قال : هذه ماشطة بنت فرعون ، كانت تمشطها ، فوقع المشط من يدها ، فقالت : باسم الله ، قالت بنت فرعون : أبي؟ قالت : ربي ورب أبيك . قالت : أقول له إذا . قالت : قولي له . قال لها : أولك رب غيري! قالت : ربي وربك الذي في السماء . قال : فأحمي لها بقرة من نحاس ، فقالت : إن لي إليك حاجة . قال : وما هي ؟ قالت : أن تجمع عظامي وعظام ولدي . قال : ذلك لك علينا لما لك علينا من الحق . فألقي ولدها في البقرة ، واحدا واحدا واحدا ، فكان آخرهم صبي ، فقال : يا أمه اصبري فإنك على الحق . قال ابن عباس : فأربعة تكلموا وهم صبيان : ابن ماشطة بنت فرعون ، وصبي جريج ، وعيسى ابن مريم ، والرابع لا أحفظه . هذا حديث حسن .

وقال ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر ، عن أبي بكر بن أبي سبرة وغيره ، قالوا : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يريه الجنة والنار ، فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان ، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم في بيته أتاه جبريل بالمعراج ، فإذا هو أحسن شيء منظرا ، فعرج به إلى السماوات سماء سماء ، فلقي فيها الأنبياء ، وانتهى إلى سدرة المنتهى .

[ ص: 222 ] قال ابن سعد : وأخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثني أسامة بن زيد الليثي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال محمد بن عمر : وحدثنا موسى بن يعقوب الزمعي ، عن أبيه ، عن جده ، عن أم سلمة . وحدثنا موسى بن يعقوب ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة . وحدثني إسحاق بن حازم ، عن وهب بن كيسان ، عن أبي مرة ، عن أم هانئ . وحدثني عبد الله بن جعفر ، عن زكريا بن عمرو ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، دخل حديث بعضهم في بعض ، قالوا : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس ، وساق الحديث إلى أن قال : وقال بعضهم في الحديث : فتفرقت بنو عبد المطلب يطلبونه حين فقد يتلمسونه ، حتى بلغ العباس ذا طوى ، فجعل يصرخ : يا محمد يا محمد ، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم : لبيك . فقال : يا ابن أخي عنيت قومك منذ الليلة ، فأين كنت ؟ قال : أتيت من بيت المقدس . قال : في ليلتك! قال : نعم . قال : هل أصابك إلا خير ؟ قال : ما أصابني إلا خير .

وقالت أم هانئ : ما أسري به إلا من بيتنا : نام عندنا تلك الليلة بعد ما صلى العشاء ، فلما كان قبل الفجر أنبهناه للصبح ، فقام ، فلما صلى الصبح قال : يا أم هانئ جئت بيت المقدس ، فصليت فيه ، ثم صليت الغداة معكم . فقالت : لا تحدث الناس فيكذبونك ، قال : والله لأحدثنهم ، فأخبرهم فتعجبوا ،
وساق الحديث .

فرق الواقدي ، كما رأيت ، بين الإسراء والمعراج ، وجعلهما في تاريخين .

[ ص: 223 ] وقال عبد الوهاب بن عطاء : أخبرنا راشد أبو محمد الحماني ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له أصحابه : يا رسول الله أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها ، فقرأ أول سبحان وقال : " بينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام ، إذ أتاني آت فأيقظني ، فاستيقظت ، فلم أر شيئا ، ثم عدت في النوم ، ثم أيقظني فاستيقظت ، فلم أر شيئا ، ثم نمت ، فأيقظني ، فاستيقظت ، فلم أر شيئا ، فإذا أنا بهيئة خيال فأتبعته بصري ، حتى خرجت من المسجد ، فإذا أنا بدابة أدنى شبهه بدوابكم هذه بغالكم ، مضطرب الأذنين ، يقال له البراق ، وكانت الأنبياء تركبه قبلي ، يقع حافره مد بصره ، فركبته ، فبينا أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يميني : يا محمد أنظرني أسألك . فلم أجبه ، فسرت ، ثم دعاني داع عن يساري : يا محمد أنظرني أسألك . فلم أجبه ، ثم إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها ، وعليها من كل زينة ، فقالت : يا محمد أنظرني أسألك . فلم ألتفت إليها ، حتى أتيت بيت المقدس ، فأوثقت دابتي بالحلقة ، فأتاني جبريل بإناءين : خمر ولبن ، فشربت اللبن ، فقال : أصبت الفطرة . فحدثت جبريل عن الداعي الذي عن يميني ، قال : ذاك داعي اليهود ، لو أجبته لتهودت أمتك ، والآخر داعي النصارى ، لو أجبته لتنصرت أمتك ، وتلك المرأة الدنيا ، لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة . ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس ، فصلينا ركعتين ، ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم ، فلم تر الخلائق أحسن من المعراج ، أما رأيتم الميت حيث يشق بصره طامحا إلى السماء ، فإنما يفعل ذلك عجبه به ، فصعدت أنا وجبريل ، فإذا أنا بملك يقال له إسماعيل ، وهو صاحب سماء الدنيا ، وبين يديه سبعون ألف ملك ، مع كل ملك جنده مائة ألف ملك ، قال تعالى : وما يعلم جنود ربك إلا هو [ المدثر ] . فاستفتح جبريل ، قيل : من هذا ؟ قال :

[ ص: 224 ] جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : أو قد بعث إليه ؟ قال : نعم . فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله على صورته ، تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول : روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار ، فيقول : روح خبيثة ونفس خبيثة ، اجعلوها في سجين . ثم مضيت هنية ، فإذا أنا بأخونة يعني بالخوان المائدة عليها لحم مشرح ، ليس يقربها أحد ، وإذا أنا بأخونة أخرى ، عليها لحم قد أروح ، ونتن ، وعندها أناس يأكلون منها : قلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام . قال : ثم مضيت هنية ، فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت ، كلما نهض أحدهم خر يقول : اللهم لا تقم الساعة ، وهم على سابلة آل فرعون ، فتجيء السابلة فتطؤهم ، فسمعتهم يضجون إلى الله ، قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء من أمتك الذين يأكلون الربا . ثم مضيت هنية ، فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل ، فتفتح أفواههم ويلقمون الجمر ، ثم يخرج من أسافلهم فيضجون ، قلت : من هؤلاء ؟ قال : الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما . ثم مضيت هنية ، فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن ، فسمعتهن يضججن إلى الله ، قلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : الزناة من أمتك . ثم مضيت هنية ، فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم فيلقمون ، فيقال لهم : كل ما كنت تأكل من لحم أخيك ، قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون . ثم صعدت إلى السماء الثانية ، فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله ، قد فضل على الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، قلت : يا جبريل من هذا ؟ قال : هذا أخوك يوسف ، ومعه نفر من قومه . فسلمت عليه وسلم علي ، ثم صعدت إلى السماء الثالثة ، فإذا أنا بيحيى وعيسى ومعهما نفر من قومهما . ثم صعدت إلى الرابعة ، فإذا أنا بإدريس ، ثم صعدت إلى [ ص: 225 ] السماء الخامسة ، فإذا أنا بهارون ، ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء ، تكاد لحيته تصيب سرته من طولها ، قلت : يا جبريل من هذا ؟ قال : هذا المحبب في قومه ، هذا هارون بن عمران ، ومعه نفر من قومه . فسلمت عليه ، ثم صعدت إلى السماء السادسة ، فإذا أنا بموسى رجل آدم كثير الشعر ، لو كان عليه قميصان لنفد شعره دون القميص ، وإذا هو يقول : يزعم الناس أني أكرم على الله من هذا ، بل هذا أكرم على الله مني . قلت : من هذا ؟ قال : موسى . ثم صعدت السابعة ، فإذا أنا بإبراهيم ، ساند ظهره إلى البيت المعمور ، فدخلته ودخل معي طائفة من أمتي ، عليهم ثياب بيض ، ثم دفعت إلى السدرة المنتهى ، فإذا كل ورقة منها تكاد أن تغطي هذه الأمة ، وإذا فيها عين تجري ، يقال لها سلسبيل ، فيشق منها نهران ، أحدهما الكوثر والآخر نهر الرحمة ، فاغتسلت فيه ، فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ، ثم إني دفعت إلى الجنة ، فاستقبلتني جارية ، فقلت : لمن أنت ؟ قالت : لزيد بن حارثة . ثم عرضت علي النار ، ثم أغلقت ، ثم إني دفعت إلى السدرة المنتهى فتغشى لي ، وكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى ، قال : ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة ، وفرضت علي الصلاة خمسين ، ثم دفعت إلى موسى فذكر مراجعته في التخفيف . أنا اختصرت ذلك وغيره إلى أن قال فقلت : رجعت إلى ربي حتى استحييته .

ثم أصبح بمكة يخبرهم بالعجائب ، فقال : إني أتيت البارحة بيت المقدس ، وعرج بي إلى السماء ، ورأيت كذا ، ورأيت كذا ، فقال أبو جهل : ألا تعجبون مما يقول محمد
. وذكر الحديث .

هذا حديث غريب عجيب حذفت نحو النصف منه ، رواه يحيى بن أبي طالب ، عن عبد الوهاب ، وهو صدوق ، عن راشد الحماني ، وهو مشهور ، روى عنه حماد بن زيد ، وابن المبارك ، وقال أبو [ ص: 226 ] حاتم : صالح الحديث ، عن أبي هارون عمارة بن جوين العبدي ، وهو ضعيف شيعي . وقد رواه عن أبي هارون أيضا هشيم ، ونوح بن قيس الحداني بطوله نحوه ، حدث به عنهما قتيبة بن سعيد . ورواه سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، عن روح بن القاسم ، عن أبي هارون العبدي بطوله . ورواه أسد بن موسى ، عن مبارك بن فضالة . ورواه عبد الرزاق ، عن معمر . والحسن بن عرفة ، عن عمار بن محمد ، كلهم عن أبي هارون ، وبسياق مثل هذا الحديث صار أبو هارون متروكا .

عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك ( 60 ) ) [ الإسراء ] قال : رأي عين .

ابن أبي الزناد ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : أسري بروح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم على فراشه .

معمر عن قتادة عن الحسن ، قال : أسري بروح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم على فراشه .

وقال إبراهيم بن حمزة الزبيري : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال : حدثني عيسى بن ماهان ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي هريرة . ( ح ) . وقال هاشم بن القاسم ، ويونس بن بكير ، وحجاج الأعور : حدثنا أبو جعفر الرازي ، وهو عيسى بن ماهان ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي هريرة أو غيره ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ( 1 ) ) [ الإسراء ] قال : أتي بفرس فحمل عليه ، خطوه منتهى بصره ، فسار وسار معه جبريل ، فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم ، كلما حصدوا عاد كما كان ، فقال : يا جبريل ، من [ ص: 227 ] هؤلاء ؟ قال : هؤلاء المهاجرون في سبيل الله ، تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف ( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ( 39 ) ) [ سبأ ] . ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر ، كلما رضخت عادت ! قال : يا جبريل ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة . ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع ، وعلى أدبارهم رقاع ، يسرحون كما تسرح الأنعام على الضريع والزقوم ، ورضف جهنم ، قال : يا جبريل ما هؤلاء ؟ قال : الذين لا يؤدون الزكاة . ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمر بها شيء إلا قصعته ، يقول الله تعالى : ( ولا تقعدوا بكل صرط توعدون ( 86 ) ) [ الأعراف ] . ثم مر على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها ، وهو يريد أن يزيد عليها ، قال : يا جبريل ما هذا ؟ قال : هذا رجل من أمتك عليه أمانة ، لا يستطيع أداءها ، وهو يزيد عليها . ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد ، كلما قرضت عادت كما كانت . قال : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء خطباء الفتنة .

ثم نعت الجنة والنار ، إلى أن قال : ثم سار حتى أتى بيت المقدس ، فدخل وصلى ، ثم أتى أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم
.

وذكر حديثا طويلا في ثلاث ورقات كبار . تفرد به أبو جعفر الرازي ، وليس هو بالقوي ، والحديث منكر يشبه كلام القصاص ، إنما أوردته للمعرفة لا للحجة .

وروى في المعراج إسحاق بن بشير ، وليس بثقة ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس حديثا .

وقال معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ركعتين ركعتين ، فلما خرج إلى المدينة [ ص: 228 ] فرضت أربعا ، وأقرت صلاة السفر ركعتين . أخرجه البخاري . آخر الإسراء .

التالي السابق


الخدمات العلمية