صفحة جزء
وقال ابن إسحاق : وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل ، قتله ابن قميئة الليثي ، وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فرجع إلى قريش فقال : قتلت محمدا .

ولما قتل مصعب أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب ورجالا من المسلمين
.

وقال موسى بن عقبة : واستجلبت قريش من شاءوا من مشركي العرب ، وسار أبو سفيان في جمع قريش . ثم ذكر نحو ما تقدم ، وفيه : فأصابوا وجهه ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وقصموا رباعيته ، وخرقوا شفته . يزعمون أن الذي رماه عتبة بن أبي وقاص .

وعنده يعني عند ابن عقبة المنام وفيه : فأولت الدرع الحصينة المدينة ، فامكثوا واجعلوا الذراري في الآطام ، فإن دخلوا علينا في الأزقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت . وكانوا قد سكوا أزقة المدينة بالبنيان حتى كانت كالحصن . فأبى كثير من الناس إلا الخروج ، وعامتهم لم يشهدوا بدرا . قال : وليس مع المسلمين فرس .

وكان حامل لواء المشركين طلحة بن عثمان ، أخو شيبة العبدري ، [ ص: 402 ] وحامل لواء المسلمين رجل من المهاجرين ، فقال : أنا عاصم إن شاء الله لما معي ، فقال له طلحة بن عثمان : هل لك في المبارزة ؟ فقال : نعم فبدره ذلك الرجل فضرب بالسيف على رأسه حتى وقع السيف في لحيته .

فكان قتل صاحب المشركين تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : أراني أني مردف كبشا .

فلما صرع انتشر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وصاروا كتائب متفرقة ، فجاسوا العدو ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم . وحملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات ، كل ذلك تنضخ بالنبل فترجع مفلولة . وحمل المسلمون فنهكوهم قتلا ، فلما أبصر الرماة الخمسون أن الله قد فتح ، قالوا : والله ما نجلس هاهنا لشيء . فتركوا منازلهم التي عهد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتركوها ، وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأوجفت الخيل فيهم قتلا ، وكان عامتهم في العسكر . فلما أبصر ذلك المسلمون اجتمعوا ، وصرخ صارخ : أخراكم أخراكم ، قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فسقط في أيديهم . فقتل منهم من قتل ، وأكرمهم الله بالشهادة . وأصعد الناس في الشعب لا يلوون على أحد ، وثبت الله نبيه ، وأقبل يدعو أصحابه مصعدا في الشعب ، والمشركون على طريقه ، ومعه عصابة منهم طلحة بن عبيد الله والزبير ، وجعلوا يسترونه حتى قتلوا إلا ستة أو سبعة .

ويقال : كان كعب بن مالك أول من عرف عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فقد ، من وراء المغفر . فنادى بصوته الأعلى : الله أكبر ، هذا رسول الله ، فأشار إليه - زعموا - رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اسكت . وجرح رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 403 ] في وجهه وكسرت رباعيته .

وكان أبي بن خلف قال حين افتدي : والله إن عندي لفرسا أعلفها كل يوم فرق ذرة ، ولأقتلن عليها محمدا . فبلغ قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بل أنا أقتله إن شاء الله . فأقبل أبي مقنعا في الحديد على فرسه تلك يقول : لا نجوت إن نجا محمد . فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال موسى . قال سعيد بن المسيب : فاعترض له رجال ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلوا طريقه ، واستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتل مصعبا . وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبي من فرجة بين سابغة البيضة والدرع ، فطعنه فيها بحربته ، فوقع أبي عن فرسه ، ولم يخرج من طعنته دم .

قال سعيد : فكسر ضلع من أضلاعه ، ففي ذلك نزلت ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ( 17 ) ) [ الأنفال ] . فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثور فقالوا : ما جزعك ؟ إنما هو خدش . فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنا أقتل أبيا . ثم قال : والذي نفسي بيده ، لو كان هذا الذي بي بأهل المجاز لماتوا أجمعون . فمات قبل أن يقدم مكة
.

التالي السابق


الخدمات العلمية