صفحة جزء
غزوة بني قريظة

وكانوا قد ظاهروا قريشا وأعانوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفيهم نزلت ( وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم ( 26 ) ) [ الأحزاب ] الآيتين .

قال هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : لما رجع رسول صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل وقال : وضعت السلاح ؟ والله ما وضعناه ، اخرج إليهم . قال : فأين ؟ قال : هاهنا . وأشار إلى بني قريظة . فخرج النبي صلى الله عليه وسلم . متفق عليه .

وقال حميد بن هلال ، عن أنس : كأني أنظر إلى الغبار ساطعا من سكة بني غنم ، موكب جبريل حين سار إلى بني قريظة . البخاري .

وقال جويرية ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف من الأحزاب أن لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة . فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون قريظة . وقال آخرون : لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت . فما عنف واحدا من الفريقين . متفق عليه .

وعند مسلم في بعض طرقه : الظهر بدل العصر . وكأنه وهم .

وقال بشر بن شعيب ، عن أبيه ، قال : حدثنا الزهري ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، أن عمه عبيد الله بن كعب [ ص: 507 ] أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب وضع عنه اللأمة واغتسل واستجمر ، فتبدى له جبريل عليه السلام ، فقال : عذيرك من محارب ، ألا أراك قد وضعت اللأمة وما وضعناها بعد . فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا فعزم على الناس أن لا يصلوا العصر حتى يأتوا بني قريظة . فلبسوا السلاح ، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس ، فاختصم الناس عند غروبها ، فقال بعضهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة ، وإنما نحن في عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليس علينا إثم . وصلى طائفة من الناس احتسابا ، وتركت طائفة حتى غربت الشمس فصلوا حين جاءوا بني قريظة . فلم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا من الفريقين .

وروى نحوه عبد الله بن عمر ، عن أخيه عبيد الله ، عن القاسم ، عن عائشة ، وفيه أن رجلا سلم علينا ونحن في البيت ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا ، فقمت في إثره ، فإذا بدحية الكلبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة ، وقال : وضعتم السلاح ، لكنا لم نضع السلاح ، طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الأسد . وفيه : فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجالس بينه وبين بني قريظة ، فقال : هل مر بكم من أحد ؟ قالوا : مر علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج . قال : ليس ذاك بدحية الكلبي ولكنه جبريل أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب . فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمر أصحابه أن يستروه بالحجف حتى يسمعهم كلامه . فناداهم : يا إخوة القردة والخنازير ، فقالوا : يا أبا القاسم لم تك فحاشا . فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، وكانوا حلفاءه ، فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم .

[ ص: 508 ] وقال محمد بن عمرو ، عن أبيه ، عن جده علقمة ، عن عائشة ، قالت : جاء جبريل وعلى ثناياه النقع ، فقال : أوضعت السلاح ؟ والله ما وضعته الملائكة ، اخرج إلى بني قريظة . فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ، وأذن بالرحيل ، ثم مر على بني عمرو فقال : من مر بكم ؟ قالوا : دحية . وكان دحية يشبه لحيته ووجهه جبريل . فأتاهم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، ثم نزلوا على حكم سعد ، وذكر الحديث بطوله في مسند أحمد .

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا معه رايته وابتدر الناس .

وقال موسى بن عقبة : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر جبريل ، فمر على مجلس بني غنم وهم ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألهم : مر عليكم فارس آنفا ؟ فقالوا : مر علينا دحية على فرس أبيض تحته نمط أو قطيفة من ديباج عليه اللأمة . قال : ذاك جبريل . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبه دحية بجبريل . قال : ولما رأى علي بن أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا تلقاه . وقال : ارجع يا رسول الله ، فإن الله كافيك اليهود . وكان علي سمع منهم قولا سيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه . فكره علي أن يسمع ذلك ، فقال : لم تأمرني بالرجوع ؟ فكتمه ما سمع منهم . فقال : أظنك سمعت لي منهم أذى ؟ فامض فإن أعداء الله لو قد رأوني لم يقولوا شيئا مما سمعت .

فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصنهم ، وكانوا في أعلاه ، نادى بأعلى صوته نفرا من أشرافها حتى أسمعهم فقال : أجيبوا يا معشر يهود يا [ ص: 509 ] إخوة القردة ، لقد نزل بكم خزي الله . فحاصرهم صلى الله عليه وسلم بكتائب المسلمين بضع عشرة ليلة ، ورد الله حيي بن أخطب حتى دخل حصنهم ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، واشتد عليهم الحصار ، فصرخوا بأبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاء الأنصار . فقال : لا آتيهم حتى يأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : قد أذنت لك . فأتاهم ، فبكوا إليه وقالوا : يا أبا لبابة ، ماذا ترى ، فأشار بيده إلى حلقه ، يريهم أن ما يراد بكم القتل . فلما انصرف سقط في يده ورأى أنه قد أصابته فتنة عظيمة ، فقال : والله لا أنظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحدث لله توبة نصوحا يعلمها الله من نفسي . فرجع إلى المدينة فربط يديه إلى جذع من جذوع المسجد . فزعموا أنه ارتبط قريبا من عشرين ليلة .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ذكر ، حين راث عليه أبو لبابة : أما فرغ أبو لبابة من حلفائه ؟ قالوا : يا رسول الله ، قد والله انصرف من عند الحصن وما ندري أين سلك . فقال : قد حدث له أمر . فأقبل رجل فقال : يا رسول الله ، رأيت أبا لبابة ارتبط بحبل إلى جذع من جذوع المسجد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أصابته بعدي فتنة ، ولو جاءني لاستغفرت له . فإذ فعل هذا فلن أحركه من مكانه حتى يقضي الله فيه ما شاء .

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، فذكر نحو ما قص موسى بن عقبة ، وعنده : فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن بالخروج ، وأمرهم أن يأخذوا السلاح . ففزع الناس للحرب ، وبعث عليا على المقدمة ودفع إليه اللواء . ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على آثارهم . ولم يقل بضع عشرة ليلة .

[ ص: 510 ] وقال يونس بن بكير ، والبكائي - واللفظ له - عن ابن إسحاق ، قال : حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة ، حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب . وكان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان ، وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه ، فلما أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم ، قال كعب بن أسد : يا معشر يهود ، قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، فخذوا أيها شئتم . قالوا : وما هي ؟ قال : نبايع هذا الرجل ونصدقه ، فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل ، وأنه للذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنون على دمائكم ، وأموالكم . قالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره . قال : فإذ أبيتم علي هذه ، فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه مصلتين السيوف لم نترك وراءنا ثقلا ، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه ، وإن نظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء . قالوا : نقتل هؤلاء المساكين ، فما خير العيش بعدهم ؟ قال : فإن أبيتم هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة . قالوا : نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا ، إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ ؟ قال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما .

رواه يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، لكنه قال عن أبيه ، عن معبد بن كعب بن مالك ، فذكره وزاد فيه : ثم بعثوا يطلبون أبا لبابة ، وذكر ربطه نفسه .

[ ص: 511 ] وزعم سعيد بن المسيب : أن ارتباطه بسارية التوبة كان بعد تخلفه عن غزوة تبوك حين أعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليه عاتب ، بما فعل يوم قريظة ، ثم تخلف عن غزوة تبوك فيمن تخلف . والله أعلم .

وفي رواية علي بن أبي طلحة ، وعطية العوفي ، عن ابن عباس في ارتباطه حين تخلف عن تبوك ما يؤكد قول ابن المسيب . وقيل : نزلت هذه الآية في أبي لبابة ( يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ( 27 ) ) [ الأنفال ] .

وقال البكائي ، عن ابن إسحاق : حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط ، أن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة ، قالت أم سلمة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك ، فقلت : مم تضحك ؟ قال : تيب على أبي لبابة . قلت : أفلا أبشره ؟ قال : إن شئت . قال : فقامت على باب حجرتها ، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب ، فقالت : يا أبا لبابة ، أبشر فقد تاب الله عليك . قالت : فثار إليه الناس ليطلقوه . فقال : لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده . فلما مر عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه .

قال عبد الملك بن هشام : أقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال : تأتيه امرأته في وقت كل صلاة تحله للصلاة ، ثم يعود فيرتبط بالجذع ، فيما حدثني بعض أهل العلم . والآية التي نزلت في توبته : ( وءاخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ( 102 ) ) [ التوبة ] الآية .

قال ابن إسحاق : ثم إن ثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، وهم نفر من هدل ، أسلموا تلك الليلة التي نزل فيها بنو قريظة [ ص: 512 ] على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

شعبة : أخبرني سعد بن إبراهيم ، قال : سمعت أبا أمامة بن سهل يحدث عن أبي سعيد قال : نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه على حمار . فلما دنا قريبا من المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا إلى سيدكم ، أو إلى خيركم فقال : إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك ، فقال : تقتل مقاتلتهم وتسبى ذريتهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد حكمت عليهم بحكم الله . وربما قال : بحكم الملك . متفق عليه .

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : قاموا إليه فقالوا : يا أبا عمرو ، قد ولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مواليك لتحكم فيهم . فقال سعد : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ؟ قالوا : نعم . قال : وعلى من هاهنا من الناحية التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه ، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له ، ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . فقال سعد : أحكم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري .

شعبة وغيره : عن عبد الملك بن عمير ، عن عطية القرظي ، قال : كنت في سبي قريظة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أنبت أن يقتل ، فكنت فيمن لم ينبت .

موسى بن عقبة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألوه أن يحكم فيهم رجلا : اختاروا من شئتم من أصحابي ؟ فاختاروا سعد بن معاذ ، فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلوا على حكمه . فأمر عليه السلام بسلاحهم فجعل في قبته ، وأمر بهم فكتفوا وأوثقوا وجعلوا في دار أسامة . وبعث [ ص: 513 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد ، فأقبل على حمار أعرابي يزعمون أن وطاءه برذعة من ليف ، واتبعه رجل من بني الأشهل ، فجعل يمشي معه ويعظم حق بني قريظة ويذكر حلفهم والذي أبلوه يوم بعاث ، ويقول : اختاروك على من سواك رجاء رحمتك وتحننك عليهم ، فاستبقهم فإنهم لك جمال وعدد . فأكثر ذلك الرجل ، وسعد لا يرجع إليه شيئا ، حتى دنوا ، فقال الرجل : ألا ترجع إلي فيما أكلمك فيه ؟ فقال سعد : قد آن لي أن لا تأخذني في الله لومة لائم . ففارقه الرجل ، فأتى قومه فقالوا : ما وراءك ؟ فأخبرهم أنه غير مستبقيهم ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل مقاتلتهم ، وكانوا فيما زعموا ستمائة مقاتل قتلوا عند دار أبي جهم بالبلاط ، فزعموا أن دماءهم بلغت أحجار الزيت التي كانت بالسوق ، وسبى نساءهم وذراريهم ، وقسم أموالهم بين من حضر من المسلمين . وكانت خيل المسلمين ستة وثلاثين فرسا . وأخرج حيي بن أخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل أخزاك الله ؟ قال له : لقد ظهرت علي وما ألوم إلا نفسي في جهادك والشدة عليك . فأمر به فضربت عنقه . كل ذلك بعين سعد .

وكان عمرو بن سعدى اليهودي في الأسرى ، فلما قدموه ليقتلوه فقدوه فقيل : أين عمرو ؟ قالوا : والله ما نراه ، وإن هذه لرمته التي كان فيها ، فما ندري كيف انفلت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلتنا بما علم الله في نفسه . وأقبل ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هب لي الزبير ; يعني ابن باطا وامرأته . فوهبهما له ، فرجع ثابت إلى الزبير ، فقال : يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني - وكان الزبير يومئذ أعمى كبيرا قال : هل ينكر الرجل أخاه ؟ قال ثابت : أردت أن أجزيك اليوم بيدك ، قال : افعل ، فإن الكريم يجزي الكريم ، فأطلقه . فقال : ليس لي [ ص: 514 ] قائد ، وقد أخذتم امرأتي وبني ، فرجع ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله ذرية الزبير وامرأته ، فوهبهم له ، فرجع إليه فقال : قد رد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأتك وبنيك . قال الزبير : فحائط لي فيه أعذق ليس لي ولأهلي عيش إلا به . فوهبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له ثابت : أسلم ، قال : ما فعل المجلسان ؟ فذكر رجالا من قومه بأسمائهم . فقال ثابت : قد قتلوا وفرغ منهم ، ولعل الله أن يهديك . فقال الزبير : أسألك بالله وبيدي عندك إلا ما ألحقتني بهم ، فما في العيش خير بعدهم . فذكر ذلك ثابت لرسول الله ، فأمر بالزبير فقتل .

قال الله تعالى في بني قريظة في سياق أمر الأحزاب : وأنزل الذين ظاهروهم يعني : الذين ظاهروا قريشا : ( من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ( 26 ) ) [ الأحزاب ] .

وقال عروة في قوله : ( وأرضا لم تطئوها ( 27 ) ) [ الأحزاب ] . هي خيبر .

وقال البكائي ، عن ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن علقمة بن وقاص الليثي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة .

وقال البكائي ، عن ابن إسحاق : فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار بنت الحارث النجارية ، وخرج إلى سوق المدينة ، فخندق بها خنادق ، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق . وفيهم حيي بن أخطب ، وكعب بن أسد رأس القوم . وهم ستمائة أو سبعمائة ، [ ص: 515 ] والمكثر يقول : كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة . وقد قالوا لكعب وهو يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا : يا كعب ما تراه يصنع بنا ؟ قال : أفي كل موطن لا تعقلون . أما ترون الداعي لا ينزع ، وأنه من ذهب منكم لا يرجع ؟ هو والله القتل . وأتي بحيي بن أخطب وعليه حلة فقاحية قد شقها من كل ناحية قدر أنملة لئلا يسلبها ، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل ، فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أما والله ما لمت نفسي في عدواتك ، ولكنه من يخذل الله يخذل . ثم أقبل على الناس فقال : أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله . كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل . ثم جلس فضربت عنقه .

وقال ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عمه عروة ، عن عائشة ، قالت : لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة ، قالت : إنها والله لعندي تحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالهم بالسوق إذ هتف هاتف : يا بنت فلانة . قالت : أنا والله . قلت : ويلك ، ما لك ؟ قالت : أقتل . قلت : ولم ؟ قالت : حدث أحدثته . فانطلق بها فضربت عنقها .

قال عكرمة وغيره : صياصيهم : حصونهم .

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد ، أخا بني عبد الأشهل بسبايا بني قريظة إلى نجد ، فابتاع له بهم خيلا وسلاحا . وكان صلى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خنافة ، وكانت عنده حتى توفي وهي في ملكه ، وعرض عليها أن يتزوجها ، ويضرب عليها الحجاب ، فقالت : يا رسول الله بل تتركني في مالك فهو [ ص: 516 ] أخف عليك وعلي . فتركها . وقد كانت أولا توقفت عن الإسلام ثم أسلمت . فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، والله أعلم .

وفي ذي الحجة :

التالي السابق


الخدمات العلمية