صفحة جزء
فصل

فيمن ذكر أن مرحبا قتله محمد بن مسلمة

قال موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم خيبر فوعظهم . وفيه : فخرج اليهود بعاديتها ، فقتل صاحب عادية اليهود فانقطعوا . وقتل محمد بن مسلمة الأشهلي مرحبا اليهودي .

[ ص: 70 ] وقال ابن لهيعة : حدثنا أبو الأسود ، عن عروة نحوه .

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن سهل الحارثي ، عن جابر بن عبد الله ، قال : خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر ، قد جمع سلاحه وهو يرتجز ويقول : من يبارز ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لهذا ؟ " فقال محمد بن مسلمة : أنا له ، أنا والله الموتور الثائر ، قتلوا أخي بالأمس . قال : " قم إليه ، اللهم أعنه عليه " فلما تقاربا دخلت بينهما شجرة عمرية ، فجعل كل واحد منهما يلوذ بها من صاحبه ، كلما لاذ بها أحدهما اقتطع بسيفه ما دونه ، حتى برز كل واحد منهما ، وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فنن ، ثم حمل على محمد فضربه فاتقاه بالدرقة ، فعضت بسيفه فأمسكته ، وضربه محمد حتى قتله ، فقيل : إنه ارتجز فقال :


قد علمت خيبر أني ماضي حلو إذا شئت وسم قاضي

وكان ارتجاز مرحب :


قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الليوث أقبلت تلهب     واحجمت عن صولة المغلب
أطعن أحيانا وحينا أضرب     إن حماي للحمى لا يقرب

وقال الواقدي : حدثني محمد بن الفضل بن عبيد الله بن رافع بن خديج ، عن أبيه ، عن جابر ، قال : وحدثني زكريا بن زيد ، عن عبد الله بن أبي سفيان ، عن أبيه ، عن سلمة بن سلامة ، قال : وعن مجمع بن يعقوب ، عن أبيه ، عن مجمع بن جارية ، قالوا جميعا : إن محمد بن مسلمة قتل مرحبا .

[ ص: 71 ] وذكر الواقدي ، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة ، عن أبيه ، أن عليا حمل على مرحب فقطره على الباب ، وفتح علي الباب الآخر ، وكان للحصن بابان .

قال الواقدي : وقيل إن محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما ، فقال : أجهز علي يا محمد . فقال : ذق الموت كما ذاقه أخي محمود ، وجاوزه ، ومر به علي فضرب عنقه وأخذ سلبه . فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سلبه ، فأعطاه محمدا . وكان عند آل محمد بن مسلمة فيه كتاب لا يدرى ما هو ، حتى قرأه يهودي من يهود تيماء فإذا فيه : هذا سيف مرحب من يذقه يعطب .

قال الواقدي : حدثني محمد بن الفضل بن عبيد الله بن رافع ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، قال : برز عامر وكان طوالا جسيما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين برز وطلع : " أترونه خمسة أذرع " ؟ وهو يدعو إلى البراز ; فبرز له علي فضربه ضربات ، كل ذلك لا يصنع شيئا ، حتى ضرب ساقيه فبرك ، ثم دفف عليه وأخذ سلاحه .

قال ابن إسحاق : ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، فبرز له الزبير فقتله .

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة . ورواه موسى بن عقبة - واللفظ له - قال : ثم دخلوا حصنا لهم منيعا يدعى القموص ، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم قريبا من عشرين ليلة . وكانت أرضا وخمة شديدة الحر ، فجهد المسلمون جهدا شديدا ، فوجدوا أحمرة ليهود ، فذكر [ ص: 72 ] قصتها ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها . ثم قال : وجاء عبد حبشي من أهل خيبر كان في غنم لسيده ، فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح ، سألهم ما تريدون ؟ قالوا : نقابل هذا الذي يزعم أنه نبي . فوقع في نفسه ، فأقبل بغنمه حتى عمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، وقال : ماذا لي ؟ قال : " الجنة " فقال : يا رسول الله إن هذه الغنم عندي أمانة . قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخرجها من عسكرنا وارمها بالحصباء فإن الله سيؤدي عنك أمانتك " ، ففعل ; فرجعت الغنم إلى سيدها . ووعظ النبي صلى الله عليه وسلم الناس ، إلى أن قال : وقتل من المسلمين العبد الأسود ، فاحتملوه فأدخل في فسطاط ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع في الفسطاط ، ثم أقبل على أصحابه فقال : لقد أكرم الله هذا العبد ، وقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين .

وقال ابن وهب : أخبرني حيوة بن شريح ، عن ابن الهاد ، عن شرحبيل بن سعد ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر ، فخرجت سرية فأخذوا إنسانا معه غنم يرعاها ، فجاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ، فقال له الرجل : إني قد آمنت بك فكيف بالغنم فإنها أمانة ، وهي للناس الشاة والشاتان ، قال : احصب وجوهها ترجع إلى أهلها . فأخذ قبضة من حصباء أو تراب فرمى بها وجوهها ، فخرجت تشتد حتى دخلت كل شاة إلى أهلها . ثم تقدم إلى الصف ، فأصابه سهم فقتله . ولم يصل لله سجدة قط ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أدخلوه الخباء " فأدخل خباء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه ثم خرج فقال : " لقد حسن إسلام صاحبكم ، لقد دخلت عليه وإن عنده لزوجتين له من الحور العين " .

[ ص: 73 ] وهذا حديث حسن أو صحيح .

وقال مؤمل بن إسماعيل : حدثنا حماد ، قال : حدثنا ثابت ، عن أنس ، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رجل أسود اللون ، قبيح الوجه ، منتن الريح ، لا مال لي ، فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل أدخل الجنة ؟ قال : " نعم " فتقدم فقاتل حتى قتل . فأتى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتول ، فقال : " لقد أحسن الله وجهك وطيب روحك وكثر مالك " قال : وقال- لهذا أو لغيره - : " لقد رأيت زوجتيه من الحور العين ينازعانه جبته عنه ، يدخلان فيما بين جلده وجبته " . وهذا حديث صحيح .

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن بعض أسلم ، أن بعض بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، فقالوا : يا رسول الله ، والله لقد جهدنا وما بأيدينا شيء فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، فقال : " اللهم إنك قد علمت حالهم وأنهم ليست لهم قوة وليس بيدي ما أعطيهم إياه ، فافتح عليهم أعظم حصن بها غنى ، أكثره طعاما وودكا . فغدا الناس ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن أكثر طعاما وودكا منه . فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح ، وحاز من الأموال ما حاز ، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم ، وكانا آخر حصون خيبر افتتاحا ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية