صفحة جزء
ذكر رسل النبي صلى الله عليه وسلم

وفي هذه السنة كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك النواحي يدعوهم إلى الله تعالى .

قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب قبل موته إلى كسرى ، وإلى قيصر ، وكتب إلى النجاشي ، يعني الذي ملك الحبشة بعد النجاشي المسلم ، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل . رواه مسلم .

وليس في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي الثاني يدعوه إلى الله في هذه السنة . بل ذلك مسكوت عنه ، وإنما كان ذلك بعد النجاشي الأول المسلم وموته ، كما سيأتي في سنة تسع . والله أعلم .

وقال إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى [ ص: 137 ] قيصر يدعوه إلى الإسلام . وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي ، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر . فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر ، وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس ، مشى من حمص إلى إيلياء شكرا لما أبلاه الله تعالى . فلما أن جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال حين قرأه : التمسوا لي هاهنا أحدا من قومه لنسألهم .

قال ابن عباس : فأخبرني أبو سفيان أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا للتجارة ، في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش .

قال أبو سفيان : فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام ، فانطلق بنا حتى قدمنا إيلياء ، فأدخلنا عليه ، فإذا هو جالس في مجلسه وعليه التاج ، وحوله عظماء الروم ، فقال لترجمانه : سلهم أيهم أقرب نسبا من هذا الرجل الذى يزعم أنه نبي ؟ قلت : أنا أقربهم إليه نسبا . قال : " ما قرابة ما بينك وبينه ؟ قلت : هو ابن عمي . قال : وليس في الركب يومئذ أحد من بني عبد مناف غيري ، قال : أدنوه مني . ثم أمر أصحابي فجعلهم خلف ظهري ، عند كتفي ، ثم قال لترجمانه : قل لأصحابه إني سائله عن هذا الذي يزعم أنه نبي ، فإن كذب فكذبوه .

قال أبو سفيان : والله لولا الحياء يومئذ أن يأثر عني أصحابي الكذب لكذبته عنه . ثم قال لترجمانه : قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب . قال : فهل قال هذا القول أحد منكم قبله ؟ قلت : لا . قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا . قال : فهل من آبائه من ملك ؟ قلت : لا . قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ قلت : بل ضعفاؤهم . قال : فيزيدون أو ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون . قال : فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ [ ص: 138 ] قلت : لا . قال : فهل يغدر ؟ قلت : لا . ونحن الآن منه في مدة ونحن نخاف منه أن يغدر ; ولم يمكني كلمة أدخل فيها شيئا أتنقصه بها ، لا أخاف أن تؤثر عني غيرها . قال : فهل قاتلتموه وقاتلكم ؟ قلت : نعم . قال : كيف حربكم وحربه ؟ قلت : كانت دولا وسجالا ، يدال علينا المرة ويدال عليه الأخرى ، قال : فماذا يأمركم به ؟ قلت : يأمرنا أن نعبد الله وحده ، ولا نشرك به شيئا ، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة .

قال : فقال لترجمانه قل له : إني سألتك عن نسبه فيكم ، فزعمت أنه ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها . وسألتك : هل قال هذا القول أحد قبله ، فزعمت أنه لا ، فقلت : لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت : رجل يأتم بقول قد قيل قبله . وسألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، فزعمت أن لا ، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله . وسألتك : هل كان من آبائه من ملك ، فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان من آبائه ملك قلت : رجل يطلب ملك آبائه . وسألتك : أشراف الناس يتبعونه أو ضعفاؤهم ، فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل . وسألتك : هل يزيدون أو ينقصون ، فزعمت أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتى يتم . وسألتك : هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ، فزعمت أن لا ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد . وسألتك : هل يغدر ، فزعمت أن لا ، وكذلك الرسل لا يغدرون . وسألتك : هل قاتلتموه وقاتلكم ، فزعمت أن قد فعل ، وأن حربكم وحربه يكون دولا ، وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة . وسألتك ماذا يأمركم به ، فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء [ ص: 139 ] الأمانة ، وهذه صفة نبي ، قد كنت أعلم أنه خارج ، ولكن لم أظن أنه منكم ; وإن يكن ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه ، ولو كنت عنده لغسلت قدميه . قال : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به فقرئ فإذا فيه :

" بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى . أما بعد . فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين . وإن توليت فعليك إثم الأريسيين . و : ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمين ( 64 ) ) [ آل عمران ] .

قال أبو سفيان : فلما أن قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم فلا أدري ما قالوا ، وأمر بنا فأخرجنا . فلما أن خرجت مع أصحابي وخلوت بهم قلت لهم : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ; هذا ملك بني الأصفر يخافه .

قال أبو سفيان : ووالله ما زلت ذليلا ، مستيقنا بأن أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره . أخرجناه من حديث إبراهيم .

وأخرجاه من حديث معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس أن أبا سفيان حدثه ، قال : انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين [ ص: 140 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فبينا أنا بالشام . فذكر كحديث إبراهيم .

ورواه يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري بسنده . وفيه قال أبو سفيان : فلما كانت هدنة الحديبية بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم خرجت تاجرا إلى الشام . فوالله ما علمت بمكة امرأة ولا رجلا إلا قد حملني بضاعة . فقدمت غزة ، وذلك حين ظهر قيصر على من كان ببلاده من الفرس ، فأخرجهم منها . ورد عليه صليبه الأعظم ، وكان منزله بحمص فخرج منها متشكرا إلى بيت المقدس ، تبسط له البسط وتطرح له عليها الرياحين . حتى انتهى إلى إيلياء ، فصلى بها . فأصبح ذات غداة مهموما يقلب طرفه إلى السماء ، فقالت له بطارقته : أيها الملك ، لقد أصبحت مهموما . فقال : أجل . قالوا : وما ذاك ؟ قال : أريت في هذه الليلة أن ملك الختان ظاهر . فقالوا : والله ما نعلم أمة من الأمم تختتن إلا يهود ، وهم تحت يدك وفي سلطانك ، فإن كان قد وقع هذا في نفسك منهم ، فابعث في مملكتك كلها فلا يبقى يهودي إلا ضربت عنقه فتستريح من هذا الهم .

فبينما هم في ذلك ; إذ أتاهم رسول صاحب بصرى برجل من العرب قد وقع إليهم . فقال : أيها الملك هذا رجل من العرب من أهل الشاء والإبل ، يحدثك عن حدث كان ببلاده ، فسله عنه . فلما انتهى إليه قال لترجمانه : سله ما هذا الخبر الذي كان في بلاده ؟ فسأله فقال : هو رجل من قريش خرج يزعم أنه نبي ، وقد تبعه أقوام وخالفه آخرون ، فكانت بينهم ملاحم ، فقال : جردوه . فإذا هو مختون فقال : هذا والله الذي أريت ، لا ما تقولون . ثم دعا صاحب شرطته فقال له : قلب لي الشام ظهرا وبطنا حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه . فوالله [ ص: 141 ] إني وأصحابي لبغزة إذ هجم علينا فسألنا : ممن أنتم ؟ فأخبرناه . فساقنا إليه جميعا . فلما انتهينا إليه - قال أبو سفيان : فوالله ما رأيت من رجل قط أزعم أنه كان أدهى من ذلك الأغلف - يعني هرقل - فلما انتهينا إليه قال : أيكم أمس به رحما ؟ فقلت : أنا . قال : أدنوه . وساق الحديث ، ولم يذكر فيه كتابا . وفيه كما ترى أشياء عجيبة ينفرد بها ابن إسحاق دون معمر وصالح .

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني الزهري ، قال : حدثني أسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان ، قال : لما قدم دحية بن خليفة على هرقل بالكتاب ، وفيه :

" بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى . أما بعد ; فأسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن أبيت فإن إثم الأكارين عليك " .

فلما قرأه وضعه بين فخذه وخاصرته ، ثم كتب إلى رجل من أهل رومية ، كان يقرأ من العبرانية ما يقرأ ، يخبره عما جاءه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه أنه النبي الذى ننتظر لا شك فيه فاتبعه . فأمر بعظماء الروم فجمعوا له فى دسكرة ملكه ، ثم أمر بها فأشرجت عليهم ، واطلع عليهم من علية له ، وهو منهم خائف فقال : يا معشر الروم إنه قد جاءني كتاب أحمد ، وإنه والله للنبي الذى كنا ننتظر ونجد ذكره في كتابنا ، نعرفه بعلاماته وزمانه . فأسلموا واتبعوه تسلم لكم دنياكم وآخرتكم . فنخروا نخرة رجل واحد ، وابتدروا أبواب الدسكرة ، فوجدوها مغلقة دونهم . فخافهم ، فقال : ردوهم علي . فكروهم عليه ، فقال : إنما قلت [ ص: 142 ] لكم هذه المقالة أغمزكم بها لأنظر كيف صلابتكم في دينكم ، فقد رأيت منكم ما سرني . فوقعوا له سجدا ، ثم فتحت لهم الأبواب فخرجوا .

وقال ابن لهيعة : حدثنا أبو الأسود ، عن عروة ، قال : خرج أبو سفيان تاجرا وبلغ هرقل شأن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : فأدخل عليه أبو سفيان في ثلاثين رجلا ، وهو في كنيسة إيلياء . فسألهم فقالوا : ساحر كذاب . فقال : أخبروني بأعلمكم به وأقربكم منه . قالوا : هذا ابن عمه . وذكر شبيها بحديث الزهري .

وقال البخاري : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : حدثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، قال : حدثني عبيد الله ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ليدفعه إلى كسرى . قال : فلما قرأه كسرى مزقه . فحسبت ابن المسيب قال : فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق .

وقال الذهلي محمد بن يحيى : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن عبد القاري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم على المنبر خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ، ثم قال : " أما بعد ؛ فإني أريد أن أبعث بعضكم إلى ملوك الأعاجم ، فلا تختلفوا علي كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى " فقال المهاجرون : والله لا نختلف عليك في شيء ، فمرنا وابعثنا . فبعث شجاع بن وهب إلى كسرى ، فخرج حتى قدم على كسرى ، وهو بالمدائن ، واستأذن عليه . فأمر كسرى بإيوانه أن يزين ، ثم أذن لعظماء فارس ، ثم أذن لشجاع بن وهب . فلما دخل عليه أمر بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبض منه . قال شجاع : لا ، حتى أدفعه أنا [ ص: 143 ] كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال كسرى : ادنه ، فدنا فناوله الكتاب ثم دعا كاتبا له من أهل الحيرة فقرأه ، فإذا فيه :

" من محمد عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس " .

فأغضبه حين بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، وصاح وغضب ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه ، وأمر بشجاع فأخرج ، فركب راحلته وذهب ، فلما سكن غضب كسرى ، طلب شجاعا فلم يجده ، وأتى شجاع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : " اللهم مزق ملكه " .

وقال أبو عوانة ، عن سماك ، عن جابر بن سمرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتفتحن عصابة من المسلمين كنوز كسرى التي في القصر الأبيض " .

أخرجه مسلم . رواه أسباط بن نصر ، عن سماك ، عن جابر فزاد ، قال : فكنت أنا وأبي فيهم ، فأصابنا من ذلك ألف درهم .

وقال أحمد بن الوليد الفحام : حدثنا أسود بن عامر ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، أن رجلا من أهل فارس أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن ربي قد قتل ربك ، يعني كسرى .

قال : وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنه قد استخلف بنته ، فقال : " لا يفلح قوم تملكهم امرأة " .

ويروى أن كسرى كتب إلى باذام عامله باليمن يتوعده ويقول : ألا تكفيني رجلا بأرضك رجلا خرج بأرضك يدعوني إلى دينه ؟ لتكفنيه أو لأفعلن بك . [ ص: 144 ] فبعث العامل إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسلا وكتابا ، فتركهم النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة ، ثم قال : " اذهبوا إلى صاحبكم فقولوا : إن ربي قد قتل ربك الليلة " .

وروى أبو بكر بن عياش ، عن داود بن أبي هند ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : أقبل سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هلك - أو قال : قتل - كسرى . فقال : " لعن الله كسرى ، أول الناس هلاكا فارس ثم العرب " .

وقال محمد بن يحيى : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح ، قال : قال ابن شهاب . وقد رواه الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، كلاهما يقول عن أبي سلمة ، واللفظ لصالح قال : بلغني أن كسرى بينما هو في دسكرة ملكه ، بعث له - أو قيض له - عارض فعرض عليه الحق ، فلم يفجأ كسرى إلا الرجل يمشي وفي يده عصا فقال : يا كسرى هل لك في الإسلام قبل أن أكسر هذه العصا ؟ قال كسرى : نعم ؟ فلا تكسرها : فولى الرجل . فلما ذهب أرسل كسرى إلى حجابه فقال : من أذن لهذا ؟ قالوا : ما دخل عليك أحد . قال : كذبتم . وغضب عليهم وعنفهم ، ثم تركهم . فلما كان رأس الحول أتاه ذلك الرجل بالعصا فقال كمقالته . فدعا كسرى الحجاب وعنفهم . فلما كان الحول المستقبل ، أتاه ومعه العصا فقال : هل لك يا كسرى في الإسلام قبل أن أكسر العصا ؟ قال : لا تكسرها ، فكسرها فأهلك الله كسرى عند ذلك .

وقال الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده . وإذا هلك قيصر فلا قيصر [ ص: 145 ] بعده . والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله " أخرجه مسلم .

وروى يونس بن بكير ، عن ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر . فأما قيصر فوضعه ، وأما كسرى فمزقه . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أما هؤلاء فيمزقون ، ، أما هؤلاء فسيكون لهم بقية " .

وقال الربيع : أخبرنا الشافعي ، قال : حفظنا أن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ووضعه في مسك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثبت ملكه " .

قال الشافعي : وقطع الله الأكاسرة عن العراق وفارس ، وقطع قيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام . وقال في كسرى : " مزق ملكه " ، فلم يبق للأكاسرة ملك ، وقال في قيصر : " ثبت ملكه " فثبت له ملك بلاد الروم إلى اليوم .

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثنا الزهري ، عن عبد الرحمن بن عبد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية ، فمضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل الكتاب وأكرم حاطبا وأحسن نزله ، وأهدى معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة وكسوة وجاريتين ; إحداهما أم إبراهيم ، والأخرى وهبها النبي صلى الله عليه وسلم لجهم بن قيس العبدي ، فهي أم زكريا بن جهم ، خليفة عمرو بن العاص على مصر .

وقال أبو بشر الدولابي : حدثنا أبو الحارث أحمد بن سعيد الفهري ، قال : حدثنا هارون بن يحيى الحاطبي ، قال : حدثنا إبراهيم بن [ ص: 146 ] عبد الرحمن ، قال : حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبيه ، عن جده حاطب بن أبي بلتعة ، قال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية ، فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلني في منزله ، وأقمت عنده . ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته فقال : إنى سأكلمك بكلام وأحب أن تفهمه مني . قلت : نعم ؛ هلم . قال : أخبرني عن صاحبك ، أليس هو نبي ؟ قلت : بلى ، هو رسول الله . قال : فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه . قلت : عيسى ; أليس تشهد أنه رسول الله ، فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه أن لا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله إليه إلى السماء الدنيا . قال : أنت حكيم جاء من عند حكيم . هذه هدايا أبعث بها معك إليه . فأهدى ثلاث جوار ، منهن أم إبراهيم ، وواحدة وهبها رسول الله لأبي جهم بن حذيفة العدوي ، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت . وأرسل بطرف من طرفهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية