صفحة جزء
وقال عروة : أخبرني نافع بن جبير بن مطعم ، قال : سمعت العباس يقول للزبير : يا أبا عبد الله ، هاهنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية . قال : وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل مكة من كداء . ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كداء ، فقتل من خيل خالد يومئذ رجلان : حبيش بن الأشعر ، وكرز بن جابر الفهري .

وقال الزهري ، وغيره : أخفى الله مسير النبي صلى الله عليه وسلم على أهل مكة ، حتى نزل بمر الظهران .

وفي مغازي موسى بن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخالد بن الوليد : " لم قاتلت ، وقد نهيتك عن القتال " ؟ قال : هم بدءونا بالقتال ووضعوا فينا السلاح وأشعرونا بالنبل ، وقد كففت يدي ما استطعت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قضاء الله خير " .

[ ص: 171 ] ويقال : قال أبو بكر يومئذ : يا رسول الله أراني في المنام وأراك دنونا من مكة ، فخرجت إلينا كلبة تهر ، فلما دنونا منها استلقت على ظهرها ، فإذا هي تشخب لبنا . فقال : ذهب كلبهم وأقبل درهم ، وهم سائلوكم بأرحامكم وإنكم لاقون بعضهم ، فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه " فلقوا أبا سفيان وحكيما بمر .

وقال حسان :

عدمت بنيتي إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء ينازعن الأعنة مصحبات تلطمهن بالخمر النساء فإن أعرضتم عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعز الله فيه من يشاء وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء لساني صارم لا عيب فيه وبحري ما تكدره الدلاء فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم إلى أبي بكر حين رأى النساء يلطمن الخيل بالخمر ; أي : ينفضن الغبار عن الخيل .

وقال الليث : حدثني خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عمارة بن غزية ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق النبل " وأرسل إلى ابن رواحة فقال : " اهجهم " فهجاهم فلم يرض ، فأرسل إلى كعب بن مالك ، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت . فلما دخل قال : [ ص: 172 ] قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه . ثم أدلع لسانه فجعل يحركه ، فقال : والذي بعثك بالحق لأفرينهم فري الأديم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإن لي فيهم نسبا ، حتى يخلص لك نسبي " . فأتاه حسان ثم رجع فقال : يا رسول الله قد أخلص لي نسبك ، فوالذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين .

قالت عائشة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول لحسان : إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله " وقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هجاهم حسان فشفى وأشفى . وذكر الأبيات ، وزاد فيها :


هجوت محمدا برا حنيفا رسول الله شيمته الوفاء     فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء     فإن أعرضتم عنا اعتمرنا
وكان الفتح وانكشف الغطاء     وقال الله : قد أرسلت عبدا
يقول الحق ليس به خفاء     وقال الله : قد سيرت جندا
هم الأنصار عرضتها اللقاء     لنا في كل يوم من معد
سباب أو قتال أو هجاء

أخرجه مسلم .

وقال سليمان بن المغيرة وغيره : حدثنا ثابت البناني ، عن عبد الله بن رباح قال : وفدنا إلى معاوية ومعنا أبو هريرة ، وكان بعضنا يصنع لبعض الطعام . وكان أبو هريرة ممن يصنع لنا فيكثر ، فيدعو إلى رحله . قلت : [ ص: 173 ] لو أمرت بطعام فصنع ودعوتهم إلى رحلي ، ففعلت . ولقيت أبا هريرة بالعشي فقلت : الدعوة عندي الليلة . فقال : سبقتني يا أخا الأنصار . قال : فإنهم لعندي إذ قال أبو هريرة : ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار ؟ فذكر فتح مكة . وقال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على إحدى المجنبتين ، وبعث الزبير على المجنبة الأخرى ، وبعث أبا عبيدة على الحسر . ثم رآني فقال : يا أبا هريرة . قلت : لبيك وسعديك يا رسول الله . قال : اهتف لي بالأنصار ولا تأتني إلا بأنصاري . قال : ففعلته . ثم قال : انظروا قريشا وأوباشهم فاحصدوهم حصدا .

فانطلقنا فما أحد منهم يوجه إلينا شيئا ، وما منا أحد يريد أحد منهم إلا أخذه . وجاء أبو سفيان ، فقال : يا رسول الله : أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن ألقى السلاح فهو آمن " فألقوا سلاحهم .

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بالحجر فاستلمه ، ثم طاف سبعا وصلى خلف المقام ركعتين . ثم جاء ومعه القوس آخذ بسيتها ، فجعل يطعن بها في عين صنم من أصنامهم ، وهو يقول : (
جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ( 81 ) ) [ الإسراء ] . ثم انطلق حتى أتى الصفا ، فعلا منه حتى يرى البيت ، وجعل يحمد الله ويدعوه ، والأنصار عنده يقولون : أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته . وجاء الوحي ، وكان الوحي إذا جاء لم يخف علينا . فلما أن رفع الوحي ، [ ص: 174 ] قال : يا معشر الأنصار قلتم كذا وكذا ، فما اسمي إذا ؟ كلا ، إني عبد الله ورسوله . المحيا محياكم والممات مماتكم . فأقبلوا يبكون وقالوا : يا رسول الله ما قلنا إلا الضن بالله ورسوله . فقال : إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم .


أخرجه مسلم ، وعنده : كلا إني عبد الله ورسوله ، هاجرت إلى الله وإليكم .

وفي الحديث دلالة على الإذن بالقتل قبل عقد الأمان .

وقال سلام بن مسكين : حدثني ثابت البناني ، عن عبد الله بن رباح ، عن أبي هريرة ، قال : ما قتل يوم الفتح إلا أربعة . ثم دخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم . ثم طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب ، فقال : " ما تقولون وما تظنون " ؟ قالوا : نقول ابن أخ وابن عم حليم رحيم . فقال : " أقول كما قال يوسف : ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ( 92 ) ) [ يوسف ] . قال : فخرجوا كما نشروا من القبور ، فدخلوا في الإسلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية