صفحة جزء
غزوة الطائف

فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين يريد الطائف في شوال ، وقدم خالد بن الوليد على مقدمته . وقد كانت ثقيف رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يكفيهم لسنة ، فلما انهزموا من أوطاس دخلوا الحصن وتهيئوا للقتال .

قال محمد بن شعيب ، عن عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الطائف فحاصرهم ، ونادى مناديه : من خرج منهم من عبيدهم فهو حر . فاقتحم إليه من حصنهم نفر ، منهم أبو بكرة بن مسروح أخو زياد بن أبيه ، فأعتقهم ، ودفع كل رجل منهم إلى رجل من أصحابه ليحمله . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى على الجعرانة . فقال : " إني معتمر " .

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، وقال إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، عن عمه موسى ، قالا : ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، وترك السبي بالجعرانة ، وملئت عرش مكة منهم . ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأكمة عند حصن الطائف بضع عشرة ليلة ، يقاتلهم ، وثقيف ترمي بالنبل ، وكثرت الجراح ، وقطعوا طائفة من أعنابهم ليغيظوهم بها ، فقالت ثقيف : لا تفسدوا الأموال فإنها لنا أو لكم . واستأذنه المسلمون [ ص: 208 ] في مناهضة الحصن ، فقال : ما أرى أن نفتحه ، وما أذن لنا فيه .

وزاد عروة ، قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يقطع كل رجل من المسلمين خمس نخلات أو حبلات من كرومهم . فأتاه عمر فقال : يا رسول الله ، إنها عفاء لم تؤكل ثمارها . فأمرهم أن يقطعوا ما أكلت ثمرته ، الأول فالأول . وبعث مناديا ينادي : من خرج إلينا فهو حر .

وقال ابن إسحاق : لم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة ، كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق .

ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة إلى الطائف ، وابتنى بها مسجدا وصلى فيه . وقتل ناس من أصحابه بالنبل ، ولم يقدر المسلمون أن يدخلوا حائطهم ، أغلقوه دونهم . وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم بضعا وعشرين ليلة ، ومعه امرأتان من نسائه ; إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية . فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو أمية بن عمرو بن وهب مسجدا . وكان في ذلك المسجد سارية لا تطلع عليها الشمس يوما من الدهر ; فيما يذكرون ، إلا سمع لها نقيض . والنقيض : صوت المحامل .

وقال يونس بن بكير ، عن هشام بن سنبر ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن أبي نجيح السلمي ، قال : حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الطائف ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من بلغ بسهم فله درجة في الجنة " فبلغت يومئذ ستة عشر سهما . وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل [ ص: 209 ] محرر " .

وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أمها ، قالت : كان عندي مخنث ، فقال لأخي عبد الله : إن فتح الله عليكم الطائف غدا ، فإني أدلك على ابنة غيلان ، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان . فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله فقال : " لا يدخلن هذا عليكم " . متفق عليه بمعناه .

وقال الواقدي عن شيوخه ، أن سلمان قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم - يعني الطائف - فإنا كنا بأرض فارس ننصبه على الحصون ، فإن لم يكن منجنيق طال الثواء . فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل منجنيقا بيده ، فنصبه على حصن الطائف . ويقال : قدم بالمنجنيق يزيد بن زمعة ، ودبابتين . ويقال : الطفيل بن عمرو قدم بذلك . قال : فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار ، فحرقت الدبابة . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم وتحريقها فنادى سفيان بن عبد الله الثقفي : لم تقطع أموالنا ؟ فإما هي لنا أو لكم . فتركها .

وقال أبو الأسود ، عن عروة ، من طريق ابن لهيعة : أقبل عيينة بن بدر حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ائذن لي أن أكلمهم ، لعل الله أن يهديهم . فأذن له ، فانطلق حتى دخل الحصن ، فقال : بأبي أنتم ، تمسكوا بمكانكم ، والله لنحن أذل من العبيد ، وأقسم بالله لئن حدث به حدث لتملكن العرب عزا ومنعة ، فتمسكوا بحصنكم . ثم خرج فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ماذا قلت لهم ؟ " قال : دعوتهم إلى الإسلام ، وحذرتهم [ ص: 210 ] النار وفعلت . فقال : " كذبت ، بل قلت كذا وكذا " قال : صدقت يا رسول الله ، أتوب إلى الله وإليك .

أخبرنا محمد بن عبد العزيز المقرئ سنة اثنين وتسعين وست مائة ، ومحمد بن أبي الحزم ، وحسن بن علي ، ومحمد بن أبي الفتح الشيباني ، ومحمد بن أحمد العقيلي ، ومحمد بن يوسف الذهبي ، وآخرون ، قالوا : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد السخاوي .

( ح ) وأخبرنا عبد المعطي بن عبد الرحمن ; بالإسكندرية ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن مكي .

( ح ) وأخبرنا لؤلؤ المحسني ; بمصر ، وعلي بن أحمد ، وعلي بن محمد الحنبليان ، وآخرون ، قالوا : أخبرنا أبو الحسن علي بن هبة الله الفقيه ، قالوا : أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الحافظ ، قال : أخبرنا أبو الحسن مكي بن منصور الكرجي .

وقرأت على سنقر القضائي بحلب : أخبرك عبد اللطيف بن يوسف . وسمعته سنة اثنتين وتسعين على عائشة بنت عيسى ابن الموفق ، قالت : أخبرنا جدي أبو محمد ابن قدامة سنة أربع عشرة وست مائة حضورا ، قالا : أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي ، قال : أخبرنا محمد بن أحمد الساوي سنة سبع وثمانين وأربع مائة ، قالا : أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، قال : حدثنا زكريا بن يحيى المروزي ببغداد ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي العباس ، عن عبد الله بن عمر ، قال : حاصر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ، فلم ينل منهم شيئا . قال : إنا قافلون غدا إن شاء الله . فقال المسلمون : أنرجع ولم نفتحه ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اغدوا على القتال غدا " فأصابهم جراح . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا [ ص: 211 ] قافلون غدا إن شاء الله " فأعجبهم ذلك . فضحك النبي صلى الله عليه وسلم .

أخرجه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن سفيان هكذا . وعنده : عبد الله بن عمرو ، في بعض النسخ بمسلم .

وأخرجه البخاري ، عن ابن المديني ، عن سفيان ، فقال : عبد الله بن عمرو . قال البخاري : قال الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا عمرو ، قال : سمعت أبا العباس الأعمى ، يقول : عبد الله بن عمر بن الخطاب .

وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا ابن عيينة ، فذكره ، وقال فيه : عبد الله بن عمرو .

ثم قال أبو بكر : وسمعت ابن عيينة يحدث به مرة أخرى ، عن ابن عمر .

وقال المفضل بن غسان الغلابي ، أظنه عن ابن معين . قال أبو العباس الشاعر ، عن عبد الله بن عمرو ، وابن عمر ; في فتح الطائف : الصحيح ابن عمر .

قال : واسم أبي العباس : السائب بن فروخ مولى بني كنانة .

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ارتحل عن الطائف بأصحابه ودعا حين ركب قافلا : " اللهم اهدهم واكفنا مؤنتهم " .

وقال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، وعبد الله بن المكدم ، عمن أدركوا ، قالوا : حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك . ثم انصرف عنهم ، فقدم المدينة ، فجاءه وفدهم في [ ص: 212 ] رمضان فأسلموا .

قال ابن إسحاق : واستشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف : سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية ، وعرفطة بن حباب ، وعبد الله بن أبي بكر الصديق ، رمي بسهم فمات بالمدينة في خلافة أبيه ، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي ; أخو أم سلمة ، وأمه عاتكة بنت عبد المطلب ، وكان يقال لأبي أمية ; واسمه حذيفة : زاد الراكب ، وكان عبد الله شديدا على المسلمين ، قيل هو الذي قال : ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ( 90 ) ) [ الإسراء ] وما بعدها ، ثم أسلم قبل فتح مكة بيسير ، وحسن إسلامه ، وهو الذي قال له هيت المخنث : يا عبد الله ، إن فتح الله عليكم الطائف ، فإني أدلك على ابنة غيلان . . الحديث - وعبد الله بن عامر بن ربيعة ، والسائب بن الحارث ، وأخوه : عبد الله ، وجليحة بن عبد الله .

ومن الأنصار : ثابت بن الجذع ، والحارث بن سهل بن أبي صعصعة ، والمنذر بن عبد الله ، ورقيم بن ثابت .

فذلك اثنا عشر رجلا ، رضي الله عنهم .

ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار نوفل بن معاوية الديلي في أهل الطائف ، فقال : ثعلب في جحر ، إن أقمت عليه أخذته ، وإن تركته لم يضرك .

التالي السابق


الخدمات العلمية