صفحة جزء
موت عبد الله بن أبي

قال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني الزهري ، عن عروة ، عن أسامة بن زيد ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي يعوده في مرضه الذي مات فيه ، فلما عرف فيه الموت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله إن كنت لأنهاك عن حب يهود " . فقال : قد أبغضهم أسعد بن زرارة ، فمه ؟

وقال الواقدي : مرض عبد الله بن أبي ابن سلول في أواخر شوال ، ومات في ذي القعدة . وكان مرضه عشرين ليلة . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده فيها . فلما كان اليوم الذي مات فيه ، دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه ، فقال : " قد نهيتك عن حب يهود " . فقال : قد أبغضهم أسعد فما نفعه ؟ ثم قال : يا رسول الله ، ليس هذا بحين عتاب ، هو [ ص: 258 ] الموت ، فإن مت فاحضر غسلي ، وأعطني قميصك أكفن فيه ، وصل علي واستغفر لي .

هذا حديث معضل واه ، لو أسنده الواقدي لما نفع ، فكيف وهو بلا إسناد ؟

وقال ابن عيينة ، عن عمرو ، عن جابر ، قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج ، فوضع على ركبتيه ، أو فخذيه ، فنفث عليه من ريقه وألبسه قميصه . والله أعلم . متفق عليه .

وقال أبو أسامة ، وغيره : حدثنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : لما توفي عبد الله بن أبي ، أتى ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه ، فأعطاه . ثم سأله أن يصلي عليه ; فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه ، فقام عمر فأخذ ثوبه ، فقال : يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله عنه ؟ قال : إن ربي خيرني ، فقال : ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ( 80 ) ) [ التوبة ] وسأزيد على السبعين . فقال : إنه منافق قال : فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله ( 84 ) ) [ التوبة ] متفق عليه .

وفيها : قتل عروة بن مسعود الثقفي ، وكان سيدا شريفا من عقلاء العرب ودهاتهم ، دعا قومه إلى الإسلام فقتلوه . فيروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثله مثل صاحب ياسين ، دعا قومه إلى الله فقتلوه " .

وفيها : توفيت السيدة أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، زوجة عثمان [ ص: 259 ] رضي الله عنهما .

وفيها : توفي عبد الله ذو البجادين رضي الله عنه ، ودفن بتبوك ، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأثنى عليه ونزل في حفرته ، وأسنده في لحده . وقال : " اللهم إني أمسيت عنه راضيا ، فارض عنه " .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن إبراهيم التيمي ، قال : كان عبد الله ذو البجادين من مزينة . وكان يتيما في حجر عمه ، وكان يحسن إليه . فلما بلغه أنه قد أسلم ، قال : لئن فعلت لأنزعن منك جميع ما أعطيتك . قال : فإني مسلم . فنزع كل شيء أعطاه ، حتى جرده ثوبه ، فأتى أمه ، فقطعت بجادا لها باثنين ، فاتزر نصفا وارتدى نصفا ، ولزم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان يرفع صوته بالقرآن والذكر . وتوفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .

وفيها : قدم وفد ثقيف من الطائف ، فأسلموا بعد تبوك ، وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا .

وفيها بعد مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك ، مات سهيل ، أخو سهل ابن بيضاء ، وهي أمهما ، واسمها دعد بنت جحدم ، وأما أبوه فوهب بن ربيعة الفهري . ولسهيل صحبة ورواية حديث ، وهو حديث يحيى بن أيوب المصري ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن سعيد بن الصلت ، عن سهيل ابن بيضاء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة " وليحيى بن سعيد الأنصاري ، عن محمد بن إبراهيم ، نحوه .

وأما الدراوردي ، فقال : عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن سعيد بن الصلت ، عن عبد الله بن أنيس . وهذا متصل عن سهيل ، إذ سعيد بن الصلت تابعي كبير لا يمكنه أن يسمع من سهيل ، ولو سمع منه [ ص: 260 ] لسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكان صحابيا ، لكن المرسل أشهر . وكان سهيل ابن بيضاء من السابقين الأولين ، شهد بدرا وغيرها . وكذلك أخوه سهل ، وقد توفي أيضا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال عبد الوهاب بن عطاء : أخبرنا حميد ، عن أنس ، قال : كان أبو عبيدة ، وأبي بن كعب ، وسهيل ابن بيضاء ، عند أبي طلحة ، وأنا أسقيهم ، حتى كاد الشراب أن يأخذ فيهم . ثم ذكر تحريم الخمر بطوله .

وقال ابن أبي فديك ، عن الضحاك بن عثمان ، عن أبي النضر ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت لما توفي سعد : أدخلوه المسجد حتى أصلي عليه ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وسهل .

وقال فيه غير الضحاك : ما أسرع ما نسوا ; لقد صلى على سهيل ابن بيضاء في المسجد .

وفيها : توفي زيد بن سعية ; بالياء ، وبالنون أشهر ; وهو أحد الأحبار الذين أسلموا . وكان كثير العلم والمال . وخبر إسلامه رواه الوليد بن مسلم ، عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده عبد الله ، قال : لما أراد الله هدي زيد بن سعنة ، قال : ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه ، إلا شيئين لم أخبرهما منه : يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل إلا حلما . وذكر الحديث بطوله . وهو في الطوالات للطبراني ، وآخره : فقال زيد : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . وآمن به وبايعه ، وشهد معه مشاهد ، وتوفي في غزوة [ ص: 261 ] تبوك مقبلا غير مدبر . والحديث غريب ، من الأفراد .

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : وفيها قتلت فارس ملكهم شهرابرز بن شيرويه ، وملكوا عليهم بوران بنت كسرى ، وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " .

وفيها : توفي عبد الله بن سعد بن سفيان الأنصاري ، من بني سالم بن عوف ، كنيته أبو سعد . شهد أحدا والمشاهد . وتوفي منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك ، فيقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كفنه في قميصه .

وفي هذه المدة : توفي زيد بن مهلهل بن زيد أبو مكنف الطائي ، فارس طيء . وهو أحد المؤلفة قلوبهم ، أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل ، وكتب له بإقطاع . وكان يدعى زيد الخيل ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير . ثم إنه رجع إلى قومه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن ينج زيد من حمى المدينة " . فلما انتهى إلى نجد أصابته الحمى ومات .

وفيها : حج بالناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه ; بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على الموسم في أواخر ذي القعدة ليقيم للمسلمين حجهم . فنزلت : ( براءة ) إثر خروجه .

وفي أولها نقض ما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه .

قال ابن إسحاق : فخرج علي رضي الله عنه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء ، حتى أدرك أبا بكر رضي الله عنه بالطريق . فلما رآه أبو بكر ، قال : أميرا أو مأمورا ؟ قال : لا ؛ بل مأمور . ثم مضيا . فأقام أبو بكر للناس حجهم ، حتى إذا كان يوم النحر ، قام علي عند الجمرة فأذن في الناس بالذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أيها الناس ، إنه لا يدخل [ ص: 262 ] الجنة إلا نفس مسلمة ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له إلى مدته . وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم من بلادهم ، ثم لا عهد لمشرك .

وقال عقيل ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة ، قال : بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان .

قال حميد بن عبد الرحمن : ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة . قال : فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر ببراءة ، أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان . أخرجه البخاري . وأخرجاه من حديث يونس ، عن الزهري .

وقال سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وأتبعه عليا . فذكر الحديث . وفيه : فكان علي ينادي بها ، فإذا بح قام أبو هريرة فنادى بها .

وقال أبو إسحاق السبيعي ، عن زيد بن يثيع ، قال : سألنا عليا رضي الله عنه : بأي شيء بعثت في ذي الحجة ؟ قال : بعثت بأربع : لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا ، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد ، فعهده إلى مدته ، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية