صفحة جزء
[ ص: 407 ] باب

في مزاحه ودماثة أخلاقه الزكية

قال مبارك بن فضالة ، عن بكر بن عبد الله المزني ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأمزح ، ولا أقول إلا حقا " . إسناده قريب من الحسن .

وقال أبو حفص بن شاهين : حدثنا عثمان بن جعفر الكوفي قال : حدثنا عبد الله بن الحسين قال : حدثنا آدم بن أبي إياس قال : حدثنا الليث ، عن ابن عجلان ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، قيل : يا رسول الله ، إنك تداعبنا . قال : " إني لا أقول إلا حقا " .

تابعه أبو معشر ، عن المقبري ، وهو صحيح .

وقال الزبير بن بكار : حدثني حمزة بن عتبة ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، أنها مزحت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إنه بعض دعابات هذا الحي من بني كنانة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل بعض مزحنا هذا الحي من قريش " . حمزة لا أعرفه ، والمتن منكر .

وقال زيد بن أبي الزرقاء ، عن ابن لهيعة ، عن عمارة بن غزية ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس . تفرد به ابن لهيعة ، وضعفه معروف .

وجاء من طريق ابن لهيعة : كان النبي صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس مع صبي .

وقال أبو تميلة يحيى بن واضح ، عن أبي طيبة عبد الله بن مسلم ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فثقل على [ ص: 408 ] القوم بعض متاعهم ، فجعلوا يطرحونه علي ، فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أنت زاملة " .

وقال حشرج بن نباتة ، عن سعيد بن جمهان : سمعت سفينة يقول : ثقل على القوم متاعهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ابسط كساءك " . فجعلوا فيه متاعهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احمل ، فإنما أنت سفينة " . قال : فلو حملت من يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة ، حتى بلغ سبعة ما ثقل علي . وهذا يدخل في معجزاته .

وقال علي بن عاصم ، وخالد بن عبد الله : حدثنا حميد ، عن أنس قال : استحمل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أنا أحملك على ولد الناقة " . فقال : وما أصنع بولد ناقة يا رسول الله ؟ فقال : " وهل تلد الإبل إلا النوق " ؟ . صحيح غريب .

وقال الأنصاري : حدثنا حميد ، عن أنس قال : كان ابن لأم سليم ، يقال له أبو عمير ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه . . . الحديث .

وقال شريك ، عن عاصم ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " يا ذا الأذنين " .

وقال محمد بن عمرو ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، أن عائشة قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيرة طبختها ، فقلت لسودة والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها : كلي . فأبت ، فقلت : لتأكلي أو لألطخن وجهك . فأبت ، فوضعت يدي فيها فلطختها وطليت وجهها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، فمر عمر فقال : يا عبد الله ، يا عبد الله ، فظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل ، فقال : " قوما فاغسلا وجوهكما " . فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه .

[ ص: 409 ] وقال عبد الله بن إدريس ، عن حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسان بن ثابت ، وقد رش فناء أطمه ، ومعه أصحابه سماطين ، وجارية يقال لها سيرين ، معها مزهرها تختلف بين السماطين تغنيهم ، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم ولم ينههم ، وهي تقول في غنائها :


هل علي ويحكم إن لهوت من حرج

فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " لا حرج إن شاء الله " .


حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب هذا مدني ، تركه ابن المديني وغيره .

وقال بكر بن مضر ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت : دخلت الحبشة المسجد يلعبون ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " أتحبين أن تنظري إليهم " ؟ قلت : نعم . فقال : " تعالي " ، فقام بالباب ، وجئت فوضعت ذقني على عاتقه ، وأسندت وجهي إلى خده ، قالت : ومن قولهم يومئذ : " وأبو القاسم طيب " ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حسبك " . قلت : لا تعجل يا رسول الله ، قالت : وما بي حب النظر إليهم ، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه .

وفي بعض طرقه : فلا ينصرف حتى أكون أنا الذي أنصرف ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن ، الحريصة على اللهو .

وفي رواية : والحبشة في المسجد يلعبون بحرابهم ويزفنون .

وقال زيد بن الحباب : أخبرني خارجة بن عبد الله قال : حدثنا يزيد بن رومان ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعنا لغطا وصوت الصبيان ، فقام ، فإذا حبشية ترقص والصبيان حولها فقال : " يا عائشة تعالي فانظري " . فجئت فوضعت ذقني على منكبه صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 410 ] فجعلت أنظر ، فقال : " ما شبعت " ؟ فجعلت أقول : لا ، لأنظر منزلتي عنده ، إذ طلع عمر رضي الله عنه فارفض الناس عنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فرقوا من عمر " .

خارجة بن عبد الله قال ابن عدي : لا بأس به
.

وقال النسائي : هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : سابقني النبي صلى الله عليه وسلم ، فسبقته ما شاء الله ، حتى إذا رهقني اللحم سابقني فسبقني ، فقال : " هذه بتلك " . صحيح . وأخرجه أبو داود من حديث عروة ، عن أبي سلمة عنها ، وقيل في إسناده غير ذلك .

وقال خالد بن عبد الله الطحان ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - وغير خالد يسقط منه أبا هريرة - قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسين ، فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش إليه ، فقال له عيينة بن بدر : ألا أراك تصنع هذا ، فوالله إني ليكون لي الولد قد خرج وجهه ما قبلته قط . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من لا يرحم لا يرحم " .

وقال جعفر بن عون ، عن معاوية بن أبي مزرد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد الحسن أو الحسين ، وهو يقول : ترق عين بقه . فيضع الغلام قدمه على قدم النبي صلى الله عليه وسلم يرفعه إلى صدره ، ثم قبل فاه وقال : اللهم إني أحبه فأحبه .

وقال خالد بن الحارث ، عن أشعث ، عن الحسن ، عن أنس قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستلق ، والحسن بن علي على ظهره .

[ ص: 411 ] وقال محمد بن عمران بن أبي ليلى : حدثني أبي ، حدثني ابن أبي ليلى ، عن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاءه الحسن فأقبل يتمرغ عليه ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم قميصه ، فقبل زبيبته .

وقال أبو أحمد الزبيري : حدثنا زمعة بن صالح ، عن الزهري ، عن عبد الله بن وهب بن زمعة ، عن أم سلمة ، أن أبا بكر خرج تاجرا إلى بصرى قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بعام أو عامين ، ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة ، وهما بدريان ، وكان سويبط على زادهم ، فجاء نعيمان فقال : أطعمني . فقال : لا ، حتى يأتي أبو بكر . وكان نعيمان مزاحا ، فقال : لأبيعنك . ثم قال لأناس : ابتاعوا مني غلاما ، وهو رجل ذو لسان ، ولعله يقول : أنا حر ، فإن كنتم تاركيه إذا قال ذلك ، فدعوني ولا تفسدوا علي غلامي . قالوا : لا ، بل نبتاعه . فباعه بعشر قلائص ، ثم جاءهم فقال : هو هذا . فقال سويبط : هو كاذب ، وأنا رجل حر . قالوا : قد أخبرنا بخبرك . وطرحوا الحبل والعمامة في رقبته ، وذهبوا به ، فجاء أبو بكر فأخبروه ، فذهب وأصحاب له فردوا القلائص ، وأخذوه ، فضحك منها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا . هذا حديث حسن .

وقال الأسود بن عامر : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي جعفر الخطمي ، أن رجلا كان يكنى أبا عمرة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أم عمرة " . فضرب الرجل بيده إلى مذاكيره ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " مه " . قال : والله ما ظننت إلا أني امرأة لما قلت لي يا أم عمرة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا بشر مثلكم أمازحكم " . حديث مرسل .

وقال عبد الرزاق : حدثنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس ، أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر ، فكان يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية من البادية ، فيجهزه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " إن زاهرا باديتنا ، ونحن حاضرته " . [ ص: 412 ] وكان دميما ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، وهو يبيع متاعه ، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره ، فقال : أرسلني ، من هذا ؟ والتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من يشتري مني العبد " . فقال : يا رسول الله ، إذا والله تجدني كاسدا . فقال : " لكن أنت عند الله غال " . صحيح غريب .

وقال خالد بن عبد الله الواسطي ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن ابن أبي ليلى ، عن أسيد بن الحضير قال : بينا رجل من الأنصار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث ، وكان فيه مزاح يحدث القوم ويضحكون ، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته ، فقال : اصبر لي . قال : " أصطبر " . قال : لأن عليك قميص ، ولم يكن علي قميص . فرفع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه . فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ويقول : إنما أردت هذا يا رسول الله . رواته ثقات .

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، عن جرير قال : ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ، ولا رآني إلا تبسم .

التالي السابق


الخدمات العلمية