صفحة جزء
[ ص: 453 ] باب

مرض النبي صلى الله عليه وسلم

قال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن عمر بن ربيعة ، عن عبيد مولى الحكم ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنبهني رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فقال : " يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع " . فخرجت معه حتى أتينا البقيع ، فرفع يديه فاستغفر لهم طويلا ثم قال : " ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ، للآخرة شر من الأولى ، يا أبا مويهبة إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا ، والخلد فيها ، ثم الجنة ، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة " . فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا ، والخلد فيها ، ثم الجنة ، فقال : " والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة " . ثم انصرف ، فلما أصبح ابتدئ بوجعه الذي قبضه الله فيه " .

رواه إبراهيم بن سعد ، عن ابن إسحاق ، وعبيد بن جبير مولى الحكم بن أبي العاص .

وقال معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل ، فاخترت التعجيل " .

[ ص: 454 ] وقال الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم تغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " مرحبا بابنتي " ، فأجلسها عن يمينه أو شماله ، فسارها بشيء ، فبكت ، ثم سارها فضحكت ، فقلت لها : خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرار وتبكين ! فلما أن قام قلت لها : أخبريني بما سارك ؟ قالت : ما كنت لأفشي سره . فلما توفي قلت لها : أسألك بما لي عليك من الحق لما أخبرتيني . قالت : أما الآن فنعم ، سارني فقال : " إن جبريل عليه السلام كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة ، وإنه عارضني العام مرتين ، ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي ، فاتقي الله واصبري فنعم السلف أنا لك " . فبكيت ، ثم سارني فقال : " أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين - أو سيدة نساء هذه الأمة - " يعني فضحكت . متفق عليه .

وروى نحوه عروة ، عن عائشة ، وفيه أنها ضحكت لأنه أخبرها أنها أول أهله يتبعه . رواه مسلم .

وقال عباد بن العوام ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت ( إذا جاء نصر الله والفتح ( 1 ) ) [ النصر ] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فقال : " إنه قد نعيت إلي نفسي " . فبكت ثم ضحكت ، قالت : " أخبرني أنه نعي إليه نفسه ، فبكيت ، فقال لي : " اصبري فإنك أول أهلي لاحقا بي " ، فضحكت .

وقال سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد قال : قالت عائشة : وارأساه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك " . فقالت : واثكلاه والله إني لأظنك تحب [ ص: 455 ] موتي ، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك . فقال : " بل أنا وارأساه لقد هممت - أو أردت - أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ، ثم قلت : يأبى الله ويدفع المؤمنون ، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون " . رواه البخاري هكذا .

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن عائشة ، قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي ، فقلت : وارأساه . فقال : " بل أنا والله وارأساه ، وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك ، وصليت عليك ، وواريتك " . فقلت : والله إني لأحسب أن لو كان ذلك ، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي في آخر النهار فأعرست بها . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تمادى به وجعه ، فاستعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة ، فاجتمع إليه أهله ، فقال العباس : إنا لنرى برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الجنب فهلموا فلنلده ، فلدوه . وأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " من فعل هذا " ؟ قالوا : عمك العباس ، تخوف أن يكون بك ذات الجنب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها من الشيطان ، وما كان الله تعالى ليسلطه علي ، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس ، فلد أهل البيت كلهم ، حتى ميمونة ، وإنها لصائمة يومئذ ، وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم استأذن نساءه أن يمرض في بيتي ، فخرج صلى الله عليه وسلم إلى بيتي ، وهو بين العباس وبين رجل آخر ، تخط قدماه الأرض إلى بيت عائشة . قال عبيد الله : فحدثت بهذا الحديث ابن عباس فقال : تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمه عائشة ؟ قلت : لا . قال : هو علي رضي الله عنه .

[ ص: 456 ] وقال البخاري : قال يونس ، عن ابن شهاب قال عروة : كانت عائشة تقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي توفي فيه : " يا عائشة لم أزل أجد ألم الأكلة التي أكلت بخيبر ، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم " .

وقال الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب : أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، أن عائشة قالت : لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد به الوجع استأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة ، فأذن له ، فخرج بين رجلين تخط رجلاه في الأرض ، قالت : لما أدخل بيتي اشتد وجعه فقال : " أهرقن علي من سبع قرب لم تخلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس " . فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم طفقنا نصب عليه ، حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن ، فخرج إلى الناس فصلى بهم ثم خطبهم . متفق عليه .

وقال سالم أبو النضر ، عن بسر بن سعيد ، وعبيد بن حنين ، عن أبي سعيد قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال : " إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله ، فاختار ما عند الله " . فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه ، فكان المخير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو بكر أعلمنا به ، فقال : " لا تبك يا أبا بكر ، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذته خليلا ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر " . متفق عليه .

وقال أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن أبي المعلى ، عن أبيه أحد الأنصار ، فذكر قريبا من حديث أبي سعيد الذي قبله .

[ ص: 457 ] وقال جرير بن حازم : سمعت يعلى بن حكيم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " إنه ليس من الناس أحد أمن علي بنفسه وماله من أبي بكر ، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن خلة الإسلام أفضل ، سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر " . أخرجه البخاري .

وقال زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث : حدثني جندب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوفى بخمس يقول : " قد كان لي منكم إخوة وأصدقاء وإني أبرأ إلى كل خليل من خلته ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، وإن ربي اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ، وإن قوما ممن كانوا قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد ، فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك " . رواه مسلم .

مؤمل بن إسماعيل ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي قبض فيه أغمي عليه ، فلما أفاق قال : " ادعي لي أبا بكر فلأكتب له ، لا يطمع طامع في أمر أبي بكر ولا يتمنى متمن " ، ثم قال : " يأبى الله ذلك والمؤمنون " - ثلاثا - قالت : فأبى الله إلا أن يكون أبي .

قال أبو حاتم الرازي : حدثناه يسرة بن صفوان ، عن نافع ، عن ابن أبي مليكة مرسلا ، وهو أشبه .

وقال عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة على منكبيه ، [ ص: 458 ] فجلس على المنبر وأوصى بالأنصار ، فكان آخر مجلس جلسه . رواه البخاري . ودسماء : سوداء .

وقال ابن عيينة : سمعت سليمان يذكر عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى . قلت : يا أبا عباس : وما يوم الخميس ؟ قال : اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال : " ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا " . قال : فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا : ما شأنه ، أهجر ! استفهموه ، قال : فذهبوا يعيدون عليه ، قال : " دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه " . قال : وأوصاهم عند موته بثلاث فقال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، قال : وسكت عن الثالثة ، أو قالها فنسيتها . متفق عليه .

وقال الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي البيت رجال فيهم عمر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله . فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " قوموا " . فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم . متفق عليه .

وإنما أراد عمر رضي الله عنه التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين رآه [ ص: 459 ] شديد الوجع ، لعلمه أن الله قد أكمل ديننا ، ولو كان ذلك الكتاب واجبا لكتبه النبي صلى الله عليه وسلم لهم ، ولما أخل به .

وقال يونس ، عن الزهري ، عن حمزة بن عبد الله ، عن أبيه ، قال : لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه قال : " مروا أبا بكر فليصل بالناس " . فقالت له عائشة : يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق ، إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء . فقال : " مروا أبا بكر فليصل بالناس " . فعاودته مثل مقالتها ، فقال : " أنتن صواحبات يوسف ، مروا أبا بكر فليصل بالناس " . أخرجه البخاري .

وقال محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن أمه أم الفضل قالت : خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه ، فصلى بنا المغرب ، فقرأ بالمرسلات ، فما صلى بعدها حتى لقي الله ، يعني فما صلى بعدها بالناس . وإسناده حسن .

ورواه عقيل ، عن الزهري ، ولفظه أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات ، ما صلى لنا بعدها . البخاري .

وقال موسى بن أبي عائشة ، عن عبيد الله بن عبد الله ، حدثتني عائشة ، قالت : ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أصلى الناس " ؟ فقلنا : لا ، هم ينتظرونك . قال : " ضعوا لي ماء في المخضب " . ففعلنا ، فاغتسل ، ثم ذهب لينوء ، فأغمي عليه ، ثم أفاق فقال : " أصلى الناس " ؟ فقلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله . فقال : " ضعوا لي ماء في المخضب . قالت : ففعلنا ، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق فقال : " أصلى الناس " ؟ فقلنا : لا ، وهم ينتظرونك ، والناس عكوف في المسجد [ ص: 460 ] ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء . قالت : فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر يصلي بالناس ، فأتاه الرسول بذلك ، فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا : يا عمر صل بالناس . فقال له عمر : أنت أحق بذلك مني . قالت : فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة ، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر ، وأبو بكر يصلي بالناس ، قالت : فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر ، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر ، وقال لهما : أجلساني إلى جنبه ، فأجلساه إلى جنب أبي بكر . فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد . قال عبيد الله : فعرضته على ابن عباس فما أنكر منه حرفا . متفق عليه .

وكذلك رواه الأسود بن يزيد ، وعروة ، أن أبا بكر علق صلاته بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم .

وكذلك روى الأرقم بن شرحبيل ، عن ابن عباس . وكذلك روى غيرهم .

وأما صلاته خلف أبي بكر فقال شعبة ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر قاعدا .

وروى شعبة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر .

وروى هشيم ، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير ، واللفظ لهشيم ، عن حميد ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس ، فجلس إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها ، فصلى بصلاته .

[ ص: 461 ] وروى سعيد بن أبي مريم ، عن يحيى بن أيوب قال : حدثني حميد الطويل ، عن ثابت ، حدثه عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد ، مخالفا بين طرفيه ، فلما أراد أن يقوم قال : " ادعوا لي أسامة بن زيد " ، فجاء ، فأسند ظهره إلى نحره ، فكانت آخر صلاة صلاها . وكذلك رواه سليمان بن بلال بزيادة ثابت البناني ، فيه .

وفي هذا دلالة على أن هذه الصلاة كانت الصبح ، فإنها آخر صلاة صلاها ، وهي التي دعا أسامة عند فراغه منها ، فأوصاه في مسيره بما ذكر أهل المغازي . وهذه الصلاة غير تلك الصلاة التي ائتم فيها أبو بكر به ، وتلك كانت صلاة الظهر من يوم السبت أو يوم الأحد . وعلى هذا يجمع بين الأحاديث ، وقد استوفاها الحافظ الإمام الحبر أبو بكر البيهقي رحمه الله .

وقال موسى بن عقبة : اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم في صفر ، فوعك أشد الوعك ; واجتمع إليه نساؤه يمرضنه أياما ، وهو في ذلك ينحاز إلى الصلوات حتى غلب ، فجاءه المؤذن فآذنه بالصلاة ، فنهض ، فلم يستطع من الضعف ، فقال للمؤذن : اذهب إلى أبي بكر فمره فليصل " . فقالت عائشة : إن أبا بكر رجل رقيق ، وإنه إن قام مقامك بكى ، فأمر عمر فليصل بالناس . فقال : مروا أبا بكر ، فأعادت عليه ، فقال : إنكن صواحب يوسف . فلم يزل أبو بكر يصلي بالناس حتى كان ليلة الاثنين من ربيع الأول ، فأقلع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوعك وأصبح مفيقا ، فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل وغلام له يدعى نوبا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقد سجد الناس مع أبي بكر من صلاة الصبح ، وهو قائم في الأخرى ، فتخلص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف يفرجون له ، حتى قام إلى جنب أبي بكر فاستأخر أبو بكر ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه فقدمه في [ ص: 462 ] مصلاه فصفا جميعا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، وأبو بكر قائم يقرأ ، فلما قضى قراءته قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع معه الركعة الآخرة ، ثم جلس أبو بكر يتشهد والناس معه ، فلما سلم أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعة الآخرة ، ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد ، والمسجد يومئذ سقفه من جريد وخوص ، ليس على السقف كبير طين ، إذا كان المطر امتلأ المسجد طينا ، إنما هو كهيئة العريش ، وكان أسامة قد تجهز للغزو .

التالي السابق


الخدمات العلمية