صفحة جزء
[ ص: 465 ] باب وفاته صلى الله عليه وسلم

قال أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ويومي وبين سحري ونحري ، وكان جبريل يعوذه بدعاء إذا مرض ، فذهبت أدعو به ، فرفع بصره إلى السماء وقال : " في الرفيق الأعلى ، في الرفيق الأعلى " ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده جريدة رطبة ، فنظر إليها ، فظننت أن له بها حاجة ، فأخذتها فنفضتها ودفعتها إليه ، فاستن بها أحسن ما كان مستنا ، ثم ذهب يناولنيها ، فسقطت من يده ، فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا . رواه البخاري هكذا .

لم يسمعه ابن أبي مليكة ، من عائشة ، لأن عيسى بن يونس قال : عن عمر بن سعيد بن أبي حسين قال : أخبرني ابن أبي مليكة ، أن ذكوان مولى عائشة أخبره ، أن عائشة كانت تقول : إن من نعمة الله علي أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي ، وفي يومي وبين سحري ونحري ، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت ، دخل علي أخي بسواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدري ، فرأيته ينظر إليه ، وقد عرفت أنه يحب السواك ويألفه ، فقلت : آخذه لك ؟ فأشار برأسه أن نعم ، فلينته له ، فأمره على فيه ، وبين يديه ركوة - أو علبة - فيها ماء ، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح وجهه ، ثم يقول : " لا إله إلا الله ، إن للموت سكرات " ، ثم نصب إصبعه اليسرى فجعل يقول : " في الرفيق الأعلى ، في الرفيق [ ص: 466 ] الأعلى " حتى قبض ، ومالت يده . رواه البخاري .

وقال حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أنس قال : قالت فاطمة : لما مات النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي : يا أبتاه من ربه ما أدناه ، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه ، يا أبتاه أجاب ربا دعاه . قال : وقالت : يا أنس ، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب ؟ البخاري .

وقال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين سحري ونحري ، في بيتي وفي يومي ، لم أظلم فيه أحدا ، فمن سفاهة رأيي وحداثة سني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في حجري ، فأخذت وسادة فوسدتها رأسه ووضعته من حجري ، ثم قمت مع النساء أبكي وألتدم . الالتدام : اللطم .

وقال مرحوم بن عبد العزيز العطار : حدثنا أبو عمران الجوني ، عن يزيد بن بابنوس أنه أتى عائشة ، فقالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بحجرتي ألقى إلي الكلمة تقر بها عيني ، فمر ولم يتكلم ، فعصبت رأسي ونمت على فراشي ، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما لك " ؟ قلت : رأسي ، فقال : " بل أنا وارأساه ، أنا الذي أشتكي رأسي " . وذلك حين أخبره جبريل أنه مقبوض ، فلبثت أياما ، ثم جيء به يحمل في كساء بين أربعة ، فأدخل علي ، فقال : يا عائشة أرسلي إلى النسوة ، فلما جئن قال : " إني لا أستطيع أن أختلف بينكن ، فأذن لي فأكون في بيت عائشة . قلن : نعم ، فرأيته يحمر وجهه ويعرق ، ولم أكن رأيت ميتا قط ، فقال : " أقعديني " ، فأسندته إلي ، ووضعت يدي عليه ، فقلب رأسه ، فرفعت [ ص: 467 ] يدي ، وظننت أنه يريد أن يصيب من رأسي ، فوقعت من فيه نقطة باردة على ترقوتي أو صدري ، ثم مال فسقط على الفراش ، فسجيته بثوب ، ولم أكن رأيت ميتا قط ، فأعرف الموت بغيره ، فجاء عمر يستأذن ، ومعه المغيرة بن شعبة ، فأذنت لهما ، ومددت الحجاب ، فقال عمر : يا عائشة ما لنبي الله ؟ قلت : غشي عليه منذ ساعة ، فكشف عن وجهه فقال : واغماه ، إن هذا لهو الغم ، ثم غطاه ، ولم يتكلم المغيرة ، فلما بلغ عتبة الباب ، قال المغيرة : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر ، فقال : كذبت ، ما مات رسول الله ، ولا يموت حتى يأمر بقتال المنافقين ، بل أنت تحوسك فتنة .

فجاء أبو بكر فقال : ما لرسول الله ؟ قلت : غشي عليه ، فكشف عن وجهه ، فوضع فمه بين عينيه ، ووضع يديه على صدغيه ، ثم قال : وانبياه ، واصفياه ، واخليلاه ، صدق الله ورسوله
( إنك ميت وإنهم ميتون ( 30 ) ) [ الزمر ] ، ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ( 34 ) ) [ الأنبياء ] ، ( كل نفس ذائقة الموت ( 185 ) ) [ آل عمران ] ، ثم غطاه وخرج إلى الناس فقال : أيها الناس ، هل مع أحد منكم عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : لا . قال : من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، وقال : ( إنك ميت وإنهم ميتون ( 30 ) ) والآيات .

فقال عمر : أفي كتاب الله هذا يا أبا بكر ؟ قال : نعم . قال عمر : هذا أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ، وثاني اثنين فبايعوه ، فحينئذ بايعوه .

رواه محمد بن أبي بكر المقدمي عنه . ورواه أحمد في " مسنده " [ ص: 468 ] بطوله عن بهز بن أسد ، عن حماد بن سلمة قال : أخبرنا أبو عمران الجوني ، فذكره بمعناه .

وقال عقيل ، عن الزهري ، عن أبي سلمة قال : أخبرتني عائشة أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل ، فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل علي ، فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشى ببرد حبرة ، فكشف عن وجهه ، ثم أكب عليه يقبله ، ثم بكى ، ثم قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، والله لا يجمع الله عليك موتتين أبدا ، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها .

وحدثني أبو سلمة ، عن ابن عباس ، أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال : اجلس يا عمر ، فأبى ، فقال : اجلس ، فأبى . فتشهد أبو بكر ، فأقبل الناس إليه ، وتركوا عمر ، فقال أبو بكر : أما بعد ، فمن كان منكم يعبد محمدا فإنه قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، قال الله تعالى : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ( 144 ) ) [ آل عمران ] الآية ، فكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر ، فتلقاها منه الناس كلهم ، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها .

وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها ففرقت ، أو قال : فعقرت حتى ما تقلني رجلاي ، وحتى أهويت إلى الأرض ، وعرفت حين تلاها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات . أخرجه البخاري .

وقال يزيد بن الهاد : أخبرني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن [ ص: 469 ] عائشة قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي ، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا ، بعد ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . حديث صحيح .

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال : كان أسامة بن زيد قد تجهز للغزو وخرج ثقله إلى الجرف فأقام تلك الأيام لوجع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان قد أمره على جيش عامتهم المهاجرون ، وفيهم عمر ، وأمره أن يغير على أهل مؤتة ، وعلى جانب فلسطين ، حيث أصيب أبوه زيد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جذع في المسجد ، يعني صبيحة الاثنين ، واجتمع المسلمون يسلمون عليه ويدعون له بالعافية ، فدعا أسامة فقال : " اغد على بركة الله ، والنصر ، والعافية " . قال : بأبي أنت يا رسول الله ، قد أصبحت مفيقا ، وأرجو أن يكون الله قد شفاك ، فأذن لي أن أمكث حتى يشفيك الله ، فإن أنا خرجت على هذه الحال خرجت في قلبي قرحة من شأنك ، وأكره أن أسأل عنك الناس فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يراجعه ، وقام فدخل بيت عائشة ، وهو يومها ، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة ، فقال : قد أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا ، وأرجو أن يكون الله قد شفاه ، ثم ركب أبو بكر فلحق بأهله بالسنح ، وهنالك امرأته حبيبة بنت خارجة بن زيد الأنصاري ، وانقلبت كل امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيتها ، وذلك يوم الاثنين .

ولما استقر صلى الله عليه وسلم ببيت عائشة وعك أشد الوعك ، واجتمع إليه نساؤه ، واشتد وجعه ، فلم يزل بذلك حتى زاغت الشمس ، وزعموا أنه كان يغشى عليه ، ثم شخص بصره إلى السماء فيقول : " نعم في الرفيق الأعلى " ، وذكر الحديث ، إلى أن قال : فأرسلت عائشة إلى أبي بكر ، وأرسلت حفصة إلى عمر ، وأرسلت فاطمة إلى علي ، فلم يجتمعوا حتى [ ص: 470 ] توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدر عائشة ، وفي يومها يوم الاثنين ، وجزع الناس ، وظن عامتهم أنه غير ميت ، منهم من يقول : كيف يكون شهيدا علينا ونحن شهداء على الناس ، فيموت ، ولم يظهر على الناس ، ولكنه رفع كما فعل بعيسى بن مريم ، فأوعدوا من سمعوا يقول : إنه قد مات ، ونادوا على الباب " لا تدفنوه فإنه حي " . وقام عمر يخطب الناس ويوعد بالقتل والقطع ، ويقول : إنه لم يمت وتواعد المنافقين ، والناس قد ملئوا المسجد يبكون ويموجون ، حتى أقبل أبو بكر من السنح
.

وقال يونس بن بكير ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس ، عن أم سلمة قالت : وضعت يدي على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ، فمر بي جمع آكل وأتوضأ ، ما يذهب ريح المسك من يدي .

وقال ابن عون ، عن إبراهيم بن يزيد - هو التيمي - عن الأسود قال : قيل لعائشة : إنهم يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي . وقد رأيته دعا بطست ليبول فيها ، وأنا مسندته إلى صدري ، فانحنث فمات ، ولم أشعر فيم يقول هؤلاء إنه أوصى إلى علي . متفق عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية