صفحة جزء
[ ص: 477 ] باب غسله ، وكفنه ، ودفنه صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله ، عن أبيه ، سمع عائشة تقول : لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم نغسله وعليه ثيابه ، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو : أن اغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه ، فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميص ، يصبون الماء فوق القميص ، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم ، فكانت عائشة تقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه . صحيح أخرجه أبو داود .

وقال أبو معاوية : حدثنا بريد بن عبد الله أبو بردة ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، قال : لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل " لا تخرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه " .

وقال ابن فضيل ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث قال : غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ، وعليه قميصه ، وعلى يد علي رضي الله عنه خرقة يغسله بها ، فأدخل يده تحت القميص وغسله والقميص عليه . فيه ضعف .

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم غسله علي ، [ ص: 478 ] وأسامة ، والفضل بن العباس ، وأدخلوه قبره ، وكان علي يقول وهو يغسله : بأبي وأمي ، طبت حيا وميتا . مرسل جيد .

وقال عبد الواحد بن زياد ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب قال : قال علي : غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا ، وكان طيبا حيا وميتا .

وولي دفنه وإجنانه دون الناس أربعة : علي ، والعباس ، والفضل ، وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحدا ، ونصب عليه اللبن نصبا .

وقال عبد الصمد بن النعمان : حدثنا أبو عمر كيسان ، عن مولاه يزيد بن بلال قال : سمعت عليا رضي الله عنه يقول : أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري ، فإنه " لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه " قال علي : فكان العباس ، وأسامة ، يناولاني الماء ، وراء الستر ، وما تناولت عضوا إلا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلا ، حتى فرغت من غسله .

كيسان القصار يروي عنه أيضا القاسم بن مالك ، وأسباط ، ومولاه كأنه مجهول ، وهو ضعيف .

وقال أبو معشر ، عن محمد بن قيس قال : كان الذي غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ، والفضل بن عباس يصب عليه ، قال : فما كنا نريد أن نرفع منه عضوا لنغسله إلا رفع لنا ، حتى انتهينا إلى عورته فسمعنا من جانب البيت صوتا : " لا تكشفوا عن عورة نبيكم " . مرسل ضعيف .

وقال ابن جريج : سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : غسل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا بالسدر ، وغسل من بئر بقباء كان يشرب منها .

وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في [ ص: 479 ] ثلاثة أثواب بيض سحولية ، ليس فيها قميص ولا عمامة . متفق عليه .

ولمسلم فيه زيادة وهي : سحولية من كرسف .

فأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها أنها اشتريت له حلة ليكفن فيها ، فتركت الحلة ، فأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال : لأحبسنها لنفسي حتى أكفن فيها ، ثم قال : لو رضيها الله لنبيه لكفنه فيها ، فباعها وتصدق بثمنها . رواه مسلم .

وروى علي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : أدرج النبي صلى الله عليه وسلم في حلة يمانية ، ثم نزعت عنه ، وكفن في ثلاثة أثواب .

وروى نحوه القاسم عن عائشة .

وأما ما روى شعيب ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب أحدها برد حبرة ، وروي نحو ذا عن مقسم ، عن ابن عباس ، فلعله قد اشتبه على من قال ذلك ، بكونه صلى الله عليه وسلم أدرج في حلة يمانية ، ثم نزعت عنه .

وقال زكريا : عن الشعبي قال : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية برود يمنية غلاظ : إزار ورداء ولفافة .

وقال الحسن بن صالح بن حي ، عن هارون بن سعد ، عن أبي وائل قال : كان عند علي رضي الله عنه مسك فأوصى أن يحنط به . وقال علي : هو فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال ابن إسحاق : حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، [ ص: 480 ] عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا ، ثم أدخل النساء فصلين عليه ، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه ، ثم أدخل العبيد ، لم يؤمهم أحد .

وقال الواقدي : حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي قال : وجدت بخط أبي ، قال : لما كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع على سريره ، دخل أبو بكر ، وعمر ، ونفر من المهاجرين والأنصار فقالا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، وسلم المهاجرون والأنصار كذلك ، ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد ، فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول : اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ، ونصح لأمته ، وجاهد في سبيل الله ، حتى أعز الله دينه ، وتمت كلمته ، وأومن به وحده لا شريك له ، فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه ، واجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به ، فإنه كان بالمؤمنين رءوفا رحيما ، لا نبغي بالإيمان بدلا ، ولا نشتري به ثمنا أبدا ، فيقول الناس : آمين آمين ، فيخرجون ويدخل آخرون ، حتى صلى عليه الرجال ، ثم النساء ، ثم الصبيان . مرسل ضعيف لكنه حسن المتن .

وقال سلمة بن نبيط بن شريط ، عن أبيه ، عن سالم بن عبيد - وكان من أصحاب الصفة - قال : قالوا : هل ندفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأين يدفن ؟ فقال أبو بكر : حيث قبضه الله ، فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب ، فعلموا أنه كما قال .

زاد بعضهم بعد سلمة " نعيم بن أبي هند " .

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما أرادوا أن يحفروا لرسول [ ص: 481 ] الله صلى الله عليه وسلم كان أبو عبيدة بن الجراح يضرح . لأهل مكة ، وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة ، فأرسل العباس خلفهما رجلين وقال : اللهم خر لرسولك ، أيهما جاء حفر له ، فجاء أبو طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال الواقدي : حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن عثمان بن محمد الأخنسي ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع قال : لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا في موضع قبره ، فقال قائل : في البقيع ، فقد كان يكثر الاستغفار لهم . وقال قائل : عند منبره ، وقال قائل : في مصلاه ، فجاء أبو بكر فقال : إن عندي من هذا خبرا وعلما ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ما قبض نبي إلا دفن حيث توفي " .

وقال ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : عرضت عائشة على أبيها رؤيا - وكان من أعبر الناس - قالت : رأيت ثلاثة أقمار وقعن في حجرتي ، فقال : إن صدقت رؤياك دفن في بيتك من خير أهل الأرض ثلاثة ، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا عائشة هذا خير أقمارك .

وقال الواقدي : حدثني ابن أبي سبرة ، عن عباس بن عبد الله بن معبد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس يوم الثلاثاء يصلون الناس عليه ، وسريره على شفير قبره ، فلما أرادوا أن يقبروه ، نحوا السرير قبل رجليه ، فأدخل من هناك ، ونزل في حفرته العباس وعلي ، وقثم بن العباس ، والفضل بن العباس ، وشقران .

وقال ابن إسحاق : حدثني الحسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن [ ص: 482 ] ابن عباس قال : كان الذين نزلوا القبر ، فذكرهم سوى العباس ، وقد كان شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته أخذ قطيفة حمراء قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفترشها ، فدفنها معه في القبر ، وقال : والله لا يلبسها أحد بعدك ، فدفنت معه .

وقال أبو جمرة ، عن ابن عباس : إن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي ألقي في قبره قطيفة حمراء . أخرجه مسلم .

وقال إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي : حدثني أبو مرحب قال : كأني أنظر إليهم في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أحدهم عبد الرحمن بن عوف .

وقال سليمان التيمي : لما فرغوا من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكفينه ، صلى الناس عليه يوم الاثنين والثلاثاء ، ودفن يوم الأربعاء .

وقال أبو جعفر محمد بن علي : لبث يوم الاثنين ويوم الثلاثاء إلى آخر النهار .

وقال ابن جريج : مات في الضحى يوم الاثنين . ودفن من الغد في الضحى . هذا قول شاذ ، وإسناده صحيح .

وقال ابن إسحاق : حدثتني فاطمة بنت محمد ، عن عمرة ، عن عائشة أنها قالت : ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي في جوف ليلة الأربعاء .

قال ابن إسحاق : وكان المغيرة بن شعبة يدعي قال : أخذت خاتمي فألقيته في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقلت حين خرج القوم : إن خاتمي قد سقط في القبر ، وإنما طرحته عمدا لأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكون آخر الناس عهدا به . هذا حديث منقطع .

[ ص: 483 ] وقال الشافعي في " مسنده " : أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت التعزية ، وسمعوا قائلا يقول : " إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ، ودركا من كل فائت ، فثقوا ، وإياه فارجوا ، فإن المصاب من حرم الثواب " .

وأخرج الحاكم في " مستدركه " لأبي ضمرة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عزتهم الملائكة يسمعون الحس ، ولا يرون الشخص ، فذكر نحوه .

وقد تقدم صلاتهم عليه من غير أن يؤمهم أحد ، فالله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية