صفحة جزء
شأن أبي بكر وفاطمة رضي الله عنهما

قال الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه ، فقال لها : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا نورث ، ما تركنا صدقة " فغضبت وهجرت أبا بكر حتى توفيت .

وأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن مما أفاء الله على رسوله ، حتى كنت أنا رددتهن ، فقلت لهن : ألا تتقين الله ؟ ألم تسمعن من رسول الله يقول : " لا نورث ، ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال " .

وقال أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يقتسم ورثتي دينارا ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي فهو صدقة " .

[ ص: 35 ] وقال محمد بن السائب - وهو متروك - عن أبي صالح مولى أم هانئ ، أن فاطمة دخلت على أبي بكر ، فقالت : يا أبا بكر ، أرأيت لو مت اليوم من كان يرثك ؟ قال : أهلي وولدي . فقالت : مالك ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون أهله وولده ؟ فقال : ما فعلت يا ابنة رسول الله . قالت : بلى ؛ قد عمدت إلى فدك وكانت صافية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذتها ، وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته منا ، فقال : لم أفعل ، حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يطعم النبي الطعمة ما كان حيا فإذا قبضه رفعها . قالت : أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم ، ما أنا بسائلتك بعد مجلسي هذا .

ابن فضيل ، عن الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل ، قال : لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أنت وريث رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله ؟ فقال : لا ، بل أهله . قالت : فأين سهمه ؟ قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده " فرأيت أن أرده على المسلمين . قالت : أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم .

رواه أحمد في " مسنده " ، وهو منكر ، وأنكر ما فيه قوله : " لا ، بل أهله " .

وقال الوليد بن مسلم ، وعمر بن عبد الواحد : حدثنا صدقة أبو معاوية ، عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس أن فاطمة أتت أبا بكر فقالت : قد علمت الذي خلفنا عنه من الصدقات أهل البيت . ثم قرأت عليه واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول [ الأنفال ] إلى آخر [ ص: 36 ] الآية ، فقال لها : بأبي وأمي أنت ووالدك وولدك ، وعلي السمع والصبر ، كتاب الله وحق رسوله وحق قرابته ، أنا أقرأ من كتاب الله مثل الذي تقرئين ، ولا يبلغ علمي فيه أن أرى لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السهم كله من الخمس يجري بجماعته عليهم ، قالت : أفلك هو ولقرابتك ؟ قال : لا ، وأنت عندي أمينة مصدقة ، فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليك في ذلك عهدا ، ووعدك موعدا ، أوجبه لك حقا ، صدقتك وسلمته إليك ، قالت : لا ؛ إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه في ذلك قال : أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى ، فقال أبو بكر : صدقت فلك الغنى ، ولم يبلغ علمي فيه ولا بهذه الآية أن يسلم هذا السهم كله كاملا ، ولكن لكم الغنى الذي يغنيكم ، ويفضل عنكم ، فانظري هل يوافقك على ذلك أحد منهم ، فانصرفت إلى عمر فذكرت له كما ذكرت لأبي بكر ، فقال لها مثل الذي راجعها به أبو بكر ، فعجبت وظنت أنهما قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه .

وبالإسناد إلى محمد بن عبد الله - من دون ذكر الوليد بن مسلم قال : حدثني الزهري ، قال : حدثني من سمع ابن عباس يقول : كان عمر عرض علينا أن يعطينا من الفيء بحق ما يرى أنه لنا من الحق ، فرغبنا عن ذلك ، وقلنا : لنا ما سمى الله من حق ذي القربى ، وهو خمس الخمس ، فقال عمر : ليس لكم ما تدعون لكم حق ، إنما جعل الله الخمس لأصناف سماهم ، فأسعدهم فيه حظا أشدهم فاقة وأكثرهم عيالا . قال : فكان عمر يعطي من قبل منا من الخمس والفيء نحو ما يرى أنه لنا ، فأخذ ذلك منا ناس وتركه ناس .

[ ص: 37 ] وذكر الزهري أن مالك بن أوس بن الحدثان الناصري قال : كنت عند عمر رضي الله عنه فقال لي : يا مالك ، إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات ، وقد أمرت فيهم برضخ فاقسمه بينهم ، قلت : لو أمرت به غيري ، قال : اقبضه أيها المرء ، قال : وأتاه حاجبه يرفأ ، فقال : هل لك في عثمان ، والزبير ، وعبد الرحمن ، وسعد يستأذنون ؟ قال : نعم . فدخلوا وسلموا وجلسوا ، ثم لبث يرفأ قليلا ، ثم قال لعمر : هل لك في علي والعباس ؟ قال : نعم ؛ فلما دخلا سلما فجلسا ، فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الظالم الفاجر الغادر الخائن ، فاستبا ، فقال عثمان وغيره : يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر ، فقال : أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا نورث ، ما تركنا صدقة " ؟ قالا : قد قال ذلك ، قال : فإني أحدثكم عن هذا الأمر : إن الله كان قد خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره ، فقال تعالى : وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء [ الحشر ] فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم والله ما احتازها دونكم ، ولا استأثر بها عليكم ، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يجعل ما بقي مجعل مال الله . أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك ؟ قالوا : نعم . ثم توفى الله نبيه ، فقال أبو بكر : أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها وعمل فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، وأنتما تزعمان أن أبا بكر فيها كاذب فاجر غادر ، والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد ، ثم توفاه الله ، فقلت : أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر ، فقبضتها سنتين من إمارتي ، أعمل [ ص: 38 ] فيها بعمله ، وأنتم حينئذ ، وأقبل علي علي وعباس يزعمون أني فيها كاذب فاجر غادر ، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع ، فجئتني تسألني عن نصيبك من ابن أخيك ، وجاءني هذا يسألني عن نصيب امرأته من أبيها ، فقلت لكما : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا نورث ، ما تركنا صدقة " فلما بدا لي أن أدفعها إليكما قلت : إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل فيها أبو بكر ، وإلا فلا تكلماني ، فقلتما : ادفعها إلينا بذلك ، فدفعتها إليكما ، أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك ؟ قال الرهط : نعم ؛ فأقبل علي علي وعباس ، فقال : أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك ؟ قالا : نعم . قال : أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك ؟ فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها غير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي أكفيكماها .

قال الزهري : وحدثني الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي نفسي بيده لا يقتسم ورثتي شيئا مما تركت ، ما تركنا صدقة " فكانت هذه الصدقة بيد علي غلب عليها العباس ، وكانت فيها خصومتهما ، فأبى عمر أن يقسمها بينهما حتى أعرض عنها عباس غلبه عليها علي ، ثم كانت على يدي الحسن ، ثم كانت بيد الحسين ، ثم بيد علي بن الحسين والحسن بن الحسن ، كلاهما يتداولانها ، ثم بيد زيد ، وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا .

[ ص: 39 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية