صفحة جزء
مقتل مالك بن نويرة التميمي الحنظلي اليربوعي

قال ابن إسحاق : أتى خالد بن الوليد بمالك بن نويرة في رهط من قومه بني حنظلة ، فضرب أعناقهم ، وسار في أرض تميم ، فلما غشوا قوما منهم أخذوا السلاح ، وقالوا : نحن مسلمون ، فقيل لهم : ضعوا السلاح ، فوضعوه ، ثم صلى المسلمون وصلوا .

فروى سالم بن عبد الله ، عن أبيه : قال : قدم أبو قتادة الأنصاري على أبي بكر فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه ، فجزع لذلك ، ثم [ ص: 44 ] ودى مالكا ورد السبي والمال .

وروي أن مالكا كان فارسا شجاعا مطاعا في قومه وفيه خيلاء ، كان يقال له الجفول . قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم فولاه صدقة قومه ، ثم ارتد ، فلما نازله خالد قال : أنا آتي بالصلاة دون الزكاة . فقال : أما علمت أن الصلاة والزكاة معا ، لا تقبل واحدة دون الأخرى ؟ فقال : قد كان صاحبك يقول ذلك ، قال خالد : وما تراه لك صاحبا ! والله لقد هممت أن أضرب عنقك ، ثم تحاورا طويلا فصمم على قتله : فكلمه أبو قتادة الأنصاري وابن عمر ، فكره كلامهما ، وقال لضرار بن الأزور : اضرب عنقه ، فالتفت مالك إلى زوجته وقال : هذه التي قتلتني ، وكانت في غاية الجمال ، قال خالد : بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام ، فقال : أنا على الإسلام . فقال : اضرب عنقه ، فضرب عنقه ، وجعل رأسه أحد أثافي قدر طبخ فيها طعام ، ثم تزوج خالد بالمرأة ، فقال أبو زهير السعدي من أبيات .


قضى خالد بغيا عليه لعرسه وكان له فيها هوى قبل ذلكا

[ ص: 45 ] وذكر ابن الأثير في كامله وفي معرفة الصحابة ، قال لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب وظهرت سجاح وادعت النبوة صالحها مالك ، ولم تظهر منه ردة ، وأقام بالبطاح ، فلما فرغ خالد من أسد وغطفان سار إلى مالك وبث سرايا ، فأتي بمالك . فذكر الحديث ، وفيه : فلما قدم خالد قال عمر : يا عدو الله قتلت‌ امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته ، لأرجمنك . وفيه أن أبا قتادة شهد أنهم أذنوا وصلوا .

وقال الموقري ، عن الزهري ، قال : وبعث خالد إلى مالك بن نويرة سرية فيهم أبو قتادة ، فساروا يومهم سراعا حتى انتهوا إلى محلة الحي ، فخرج مالك في رهطه ، فقال : من أنتم ؟ قالوا : نحن المسلمون ، فزعم أبو قتادة أنه قال : وأنا عبد الله المسلم ، قال : فضع السلاح ، فوضعه في اثني عشر رجلا ، فلما وضعوا السلاح ربطهم أمير تلك السرية وانطلق بهم أسارى ، وسار معهم السبي حتى أتوا بهم خالدا ، فحدث أبو قتادة خالدا أن لهم أمانا وأنهم قد ادعوا إسلاما ، وخالف أبا قتادة جماعة السرية فأخبروا خالدا أنه لم يكن لهم أمان ، وإنما أسروا قسرا ، فأمر بهم خالد فقتلوا وقبض سبيهم ، فركب أبو قتادة فرسه وسار قبل أبي بكر . فلما قدم عليه قال : تعلم أنه كان لمالك بن نويرة عهد وأنه ادعى إسلاما ، وإني نهيت خالدا فترك قولي ، وأخذ بشهادات الأعراب الذين يريدون الغنائم . فقام عمر فقال : يا أبا بكر إن في سيف خالد رهقا ، وإن هذا لم يكن حقا ، فإن حقا عليك أن تقيده ، فسكت [ ص: 46 ] أبو بكر .

ومضى خالد قبل اليمامة ، وقدم متمم بن نويرة فأنشد أبا بكر مندبة ندب بها أخاه ، وناشده في دم أخيه وفي سبيهم ، فرد إليه أبو بكر السبي ، وقال لعمر وهو يناشد في القود : ليس على خالد ما تقول ، هبه تأول فأخطأ .

قلت : ومن المندبة :

وكنا كندماني جذيمة حقبة     من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا     لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

وقال الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : لما قدم وفد بزاخة أسد وغطفان على أبي بكر يسألونه الصلح ، خيرهم أبو بكر بين حرب مجلية أو خطة مخزية ، فقالوا : يا خليفة رسول الله أما الحرب فقد عرفناها ، فما الخطة المخزية ؟ قال : يؤخذ منكم الحلقة والكراع ، وتتركون أقواما تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه والمؤمنين أمرا يعذرونكم به ، وتؤدون ما أصبتم منا ، ولا نؤدي ما أصبنا منكم ، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وأن قتلاكم في النار ، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم ، فقال عمر : أما قولك : تدون قتلانا ، فإن قتلانا قتلوا على أمر الله لا ديات لهم ، فاتبع عمر ، وقال في الباقي : نعم ما رأيت .

التالي السابق


الخدمات العلمية