صفحة جزء
[ ص: 47 ] قتال مسيلمة الكذاب

ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، قال : سار خالد إلى اليمامة إلى مسيلمة ، وخرج مسيلمة بجموعه فنزلوا بعفرا ، فحل بها خالد عليهم وهي طرف اليمامة ، وجعلوا الأموال خلفها كلها وريف اليمامة وراء ظهورهم . وقال شرحبيل بن سلمة : يا بني حنيفة اليوم يوم الغيرة ، اليوم إن هزمتم ستردف النساء سبيات وينكحن غير حظيات ، فقاتلوا عن أحسابكم . فاقتتلوا بعفرا قتالا شديدا ، فجال المسلمون جولة ، ودخل ناس من بني حنيفة فسطاط خالد ، وفيه مجاعة أسير وأم تميم امرأة خالد ، فأرادوا أن يقتلوها فقال مجاعة : أنا لها جار ، ودفع عنها ، وقال ثابت بن قيس حين رأى المسلمين مدبرين : أف لكم ولما تعملون ، وكر المسلمون فهزم الله العدو ، ودخل نفر من المسلمين فسطاط خالد فأرادوا قتل مجاعة ، فقالت أم تميم : والله لا يقتل ، وأجارته . وانهزم أعداء الله حتى إذا كانوا عند حديقة الموت اقتتلوا عندها ، أشد القتال . وقال محكم بن الطفيل : يا بني حنيفة ادخلوا الحديقة فإني سأمنع أدباركم ، فقاتل دونهم ساعة وقتل ، وقال مسيلمة : يا قوم قاتلوا عن أحسابكم ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وقتل مسيلمة وحشي مولى بني نوفل .

وقال الموقري ، عن الزهري : قاتل خالد مسيلمة ومن معه من بني حنيفة ، وهم يومئذ أكثر العرب عددا وأشدهم شوكة ، فاستشهد خلق كثير ، وهزم الله بني حنيفة ، وقتل مسيلمة ، قتله وحشي بحربة .

وكان يقال : قتل وحشي خير أهل الأرض بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشر أهل الأرض .

[ ص: 48 ] وعن وحشي ، قال : لم أر قط أصبر على الموت من أصحاب مسيلمة ، ثم ذكر أنه شارك في قتل مسيلمة .

وقال ابن عون ، عن موسى بن أنس ، عن أبيه ، قال : لما كان يوم اليمامة دخل ثابت بن قيس فتحنط ، ثم قام فأتى الصف والناس منهزمون ، فقال هكذا عن وجوهنا ، فضارب القوم ، ثم قال : بئسما عودتم أقرانكم ، ما هكذا كنا نقاتل مع رسول صلى الله عليه وسلم فاستشهد ، رضي الله عنه .

وقال الموقري ، عن الزهري ، قال : ثم تحصن من بني حنيفة من أهل اليمامة ستة آلاف مقاتل في حصنهم ، فنزلوا على حكم خالد فاستحياهم .

وقال ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، قال : وعمدت بنو حنيفة حين انهزموا إلى الحصون فدخلوها ، فأراد خالد أن ينهد إليهم الكتائب ، فلم يزل مجاعة حتى صالحه على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع وعلى نصف الرقيق ، وعلى حائط من كل قرية فتقاضوا على ذلك .

وقال سلامة بن عمير الحنفي : يا بني حنيفة قاتلوا ولا تقاضوا خالدا على شيء ، فإن الحصن حصين ، والطعام كثير ، وقد حضر الشتاء . فقال مجاعة : لا تطيعوه فإنه مشئوم . فأطاعوا مجاعة ، وقاضاهم . ثم إن خالدا دعاهم إلى الإسلام والبراءة مما كانوا عليه ، فأسلم سائرهم .

وقال ابن إسحاق : إن خالدا قال : يا بني حنيفة ما تقولون ؟ قالوا : [ ص: 49 ] منا نبي ومنكم نبي ، فعرضهم على السيف ، يعني العشرين الذين كانوا مع مجاعة بن مرارة ، وأوثقه هو في الحديد ، ثم التقى الجمعان ، فقال زيد بن الخطاب حين كشف الناس : لا نجوت بعد الرحال ، ثم قاتل حتى قتل .

وقال ابن سيرين : كانوا يرون أن أبا مريم الحنفي قتل زيدا .

وقال ابن إسحاق : رمى عبد الرحمن بن أبي بكر محكم اليمامة ابن طفيل بسهم فقتله .

قلت : واختلفوا في وقعة اليمامة متى كانت ، فقال خليفة بن خياط ومحمد بن جرير الطبري : كانت في سنة إحدى عشرة .

قال عبد الباقي بن قانع : كانت في آخر سنة إحدى عشرة .

قال أبو معشر : كانت اليمامة في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة . فجميع من قتل يومئذ أربعمائة وخمسون رجلا .

وقال الواقدي : كانت سنة اثنتي عشرة ، وكذلك قال أبو نعيم ، ومعن بن عيسى ، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي ، وغيرهم .

قلت : ولعل مبدأ وقعة اليمامة كان في آخر سنة إحدى عشرة كما قال ابن قانع ، ومنتهاها في أوائل سنة اثنتي عشرة ، فإنها بقيت أياما لمكان الحصار . وسأعيد ذكرها والشهداء بها في أول سنة اثنتي عشرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية