صفحة جزء
وممن قام على عثمان محمد بن أبي بكر الصديق ، فسئل سالم بن [ ص: 189 ] عبد الله فيما قيل عن سبب خروج محمد ، قال : الغضب والطمع ، وكان من الإسلام بمكان ، وغره أقوام فطمع ، وكانت له دالة ، ولزمه حق ، فأخذه عثمان من ظهره .

وحج معاوية ، فقيل : إنه لما رأى لين عثمان واضطراب أمره ، قال : انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به ، فإن أهل الشام على الطاعة . فقال : أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وإن كان فيه قطع خيط عنقي . قال : فأبعث إليك جندا ؟ قال : أنا أقتر على جيران رسول صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند تساكنهم ، قال : يا أمير المؤمنين والله لتغتالن ولتغزين ، قال : حسبي الله ونعم الوكيل .

وقد كان أهل مصر بايعوا أشياعهم من أهل الكوفة والبصرة وجميع من أجابهم ، واتعدوا يوما حيث شخص أمراؤهم ، فلم يستقم لهم ذلك ، لكن أهل الكوفة ثار فيهم يزيد بن قيس الأرحبي واجتمع عليه ناس ، وعلى الحرب يومئذ القعقاع بن عمرو ، فأتاه وأحاط الناس بهم فناشدوهم ، وقال يزيد للقعقاع : ما سبيلك علي وعلى هؤلاء ، فوالله إني لسامع مطيع ، وإني لازم لجماعتي إلا أني أستعفي من إمارة سعيد ، ولم يظهروا سوى ذلك ، واستقبلوا سعيدا فردوه من الجرعة ، واجتمع الناس على أبي موسى ، فأقره عثمان .

ولما رجع الأمراء لم يكن للسبئية سبيل إلى الخروج من الأمصار ، فكاتبوا أشياعهم أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون ، وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف ، وأنهم يسألون عثمان عن أشياء لتطير في الناس ولتحقق عليه ، فتوافوا بالمدينة ، فأرسل عثمان رجلين من بني [ ص: 190 ] مخزوم ومن بني زهرة ، فقال : انظرا ما يريدون ، وكانا ممن ناله من عثمان أدب ، فاصطبرا للحق ولم يضطغنا ، فلما رأوهما باثوهما وأخبروهما ، فقالا : من معكم على هذا من أهل المدينة ؟ قالوا : ثلاثة ، قالا : فكيف تصنعون ؟ قالوا : نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب الناس ، ثم نرجع إليهم ونزعم لهم أنا قد قررناه بها ، فلم يخرج منها ولم يتب ، ثم نخرج كأننا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه ، فإن أبى قتلناه .

فرجعا إلى عثمان بالخبر ، فضحك ، وقال : اللهم سلم هؤلاء ، فإنك إن لم تسلمهم شقوا ، فأما عمار فحمل علي ذنب ابن أبي لهب وعركه بي ، وأما محمد بن أبي بكر فإنه أعجب حتى رأى الحقوق لا تلزمه ، وأما ابن سارة فإنه يتعرض للبلاء .

وأرسل إلى المصريين والكوفيين ، ونادى : الصلاة جامعة وهم عنده في أصل المنبر فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ، وأخبرهم بالأمر ، وقام الرجلان ، فقال الناس : اقتل هؤلاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من دعا إلى نفسه أو إلى أحد ، وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله فاقتلوه " .

وقال عثمان : بل نعفو ونقبل ، ونبصرهم بجهدنا ، إن هؤلاء قالوا : أتم الصلاة في السفر ، وكانت لا تتم ، ألا وإني قدمت بلدا فيه أهلي فأتممت لهذا .

قالوا : وحميت الحمى ، وإني والله ما حميت إلا ما حمي قبلي ، وإني قد وليت وإني لأكثر العرب بعيرا وشاء ، فمالي اليوم غير بعيرين لحجتي ، أكذاك ؟ قالوا : نعم .

[ ص: 191 ] قال : وقالوا : كان القرآن كتبا فتركتها إلا واحدا ، ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد ، وإنما أنا في ذلك تابع هؤلاء ، أفكذاك ؟ قالوا : نعم .

وقالوا : إني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رده ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو رده ، أفكذاك ؟ قالوا : نعم .

وقالوا : استعملت الأحداث . ولم أستعمل إلا مجتمعا مرضيا ، وهؤلاء أهل عملي فسلوهم ، وقد ولى من قبلي أحدث منه ، وقيل في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما قيل لي في استعماله أسامة ، أكذاك ؟ قالوا : نعم .

وقالوا : إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه ، وإني إنما نفلته خمس الخمس ، فكان مائة ألف ، وقد نفل مثل ذلك أبو بكر وعمر ، وزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم ، وليس ذلك لهم ، أكذاك ؟ قالوا : نعم .

وقالوا : إني أحب أهل بيتي وأعطيهم . فأما حبهم فلم يوجب جورا ، وأما إعطاؤهم فإنما أعطيهم من مالي ، ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد ، وكان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية ، وجعل ولده كبعض من يعطى .

قال : ورجع أولئك إلى بلادهم وعفا عنهم ، قال : فتكاتبوا وتواعدوا إلى شوال ، فلما كان شوال خرجوا كالحجاج حتى نزلوا بقرب المدينة ، فخرج أهل مصر في أربع مائة ، وأمراؤهم عبد الرحمن بن عديس البلوي ، وكنانة بن بشر الليثي ، وسودان بن حمران السكوني ، وقتيرة السكوني ، ومقدمهم الغافقي بن حرب العكي ، ومعهم ابن السوداء .

[ ص: 192 ] وخرج أهل الكوفة في نحو عدد أهل مصر ، فيهم زيد بن صوحان العبدي ، والأشتر النخعي ، وزياد بن النضر الحارثي ، وعبد الله بن الأصم ، ومقدمهم عمرو بن الأصم .

وخرج أهل البصرة وفيهم حكيم بن جبلة ، وذريح بن عباد العبديان ، وبشر بن شريح القيسي ، وابن محرش الحنفي ، وعليهم حرقوص بن زهير السعدي .

فأما أهل مصر فكانوا يشتهون عليا ، وأما أهل البصرة فكانوا يشتهون طلحة ، وأما أهل الكوفة فكانوا يشتهون الزبير ، وخرجوا ولا تشك كل فرقة أن أمرها سيتم دون الأخرى ، حتى كانوا من المدينة على ثلاث ، فتقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب ، وتقدم ناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص ، وجاءهم ناس من أهل مصر ، ونزل عامتهم بذي المروة ، ومشى فيما بين أهل البصرة وأهل مصر زياد بن النضر ، وعبد الله بن الأصم ؛ ليكشفوا خبر المدينة ، فدخلا فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة ، والزبير ، وعليا ، فقالا : إنما نؤم هذا البيت ، ونستعفي من بعض عمالنا ، واستأذنوهم للناس بالدخول ، فكلهم أبى ونهى ، فرجعا . فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا عليا ، ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة ، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا الزبير ، وقال كل فريق منهم : إن بايعنا صاحبنا ، وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم ، ثم كررنا حتى نبغتهم .

فأتى المصريون عليا وهو في عسكر عند أحجار الزيت ، وقد سرح [ ص: 193 ] ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه ، فسلم على علي المصريون ، وعرضوا له ، فصاح بهم وطردهم ، وقال : لقد علم الصالحون أنكم ملعونون ، فارجعوا لا صحبكم الله ، فانصرفوا ، وفعل طلحة والزبير نحو ذلك .

فذهب القوم وأظهروا أنهم راجعون إلى بلادهم ، فذهب أهل المدينة إلى منازلهم ، فلما ذهب القوم إلى عساكرهم كروا بهم ، وبغتوا أهل المدينة ودخلوها ، وضجوا بالتكبير ، ونزلوا في مواضع عساكرهم وأحاطوا بعثمان وقالوا : من كف يده فهو آمن .

ولزم الناس بيوتهم ، فأتى علي رضي الله عنه فقال : ما ردكم بعد ذهابكم ؟ قالوا : وجدنا مع بريد كتابا بقتلنا ، وقال الكوفيون والبصريون : نحن نمنع إخواننا وننصرهم ، فعلم الناس أن ذلك مكر منهم .

وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم ، فساورا إليه على الصعب والذلول ، وبعث معاوية إليه حبيب بن مسلمة ، وبعث ابن أبي سرح معاوية بن حديج وسار إليه من الكوفة القعقاع بن عمرو .

فلما كان يوم الجمعة صلى عثمان بالناس وخطب ، فقال : يا هؤلاء الغزاء الله الله ، فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فامحوا الخطأ بالصواب ، فإن الله لا يمحو السيء إلا بالحسن ، فقام محمد بن مسلمة ، فقال : أنا أشهد بذلك ، فأقعده حكيم بن جبلة ، فقام زيد بن ثابت فقال : ابغني الكتاب ، فثار إليه من ناحية أخرى محمد بن أبي قتيرة فأقعده وتكلم فأفظع ، وثار القوم بأجمعهم ، فحصبوا الناس حتى أخرجوهم ، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشيا عليه ، فاحتمل وأدخل الدار .

وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن ينصرهم [ ص: 194 ] إلا ثلاثة ، فإنهم كانوا يراسلونهم ، وهم : محمد بن أبي بكر الصديق ، ومحمد بن جعفر ، وعمار بن ياسر .

قال : واستقتل أناس : منهم زيد بن ثابت ، وأبو هريرة ، وسعد بن مالك ، والحسن بن علي ، ونهضوا لنصرة عثمان ، فبعث إليهم يعزم عليهم لما انصرفوا ، فانصرفوا ، وأقبل علي حتى دخل على عثمان هو وطلحة والزبير يعودونه من صرعته ، ثم رجعوا إلى منازلهم .

وقال عمرو بن دينار ، عن جابر ، قال : بعثنا عثمان خمسين راكبا ، وعلينا محمد بن مسلمة حتى أتينا ذا خشب ، فإذا رجل معلق المصحف في عنقه ، وعيناه تذرفان ، والسيف بيده وهو يقول : ألا إن هذا - يعني المصحف - يأمرنا أن نضرب بهذا يعني السيف على ما في هذا يعني المصحف فقال محمد بن مسلمة : اجلس فقد ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك ، فجلس فلم يزل يكلمهم حتى رجعوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية