صفحة جزء
[ ص: 81 ] وقال ابن المبارك : أنبأنا معمر ، عن الزهري قال : تصدق ابن عوف على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشطر ماله أربعة آلاف ، ثم تصدق بأربعين ألف دينار ، وحمل على خمس مائة فرس في سبيل الله ، ثم حمل على خمس مائة راحلة في سبيل الله . وكان عامة ماله من التجارة . أخرجه في " الزهد " له .

سليمان بن بنت شرحبيل : أنبأنا خالد بن يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا ابن عوف ، إنك من الأغنياء ، ولن تدخل الجنة إلا زحفا ، فأقرض الله تعالى ، يطلق لك قدميك . قال : فما أقرض يا رسول الله ؟ فأرسل إليه : أتاني جبريل فقال : مره ، فليضف الضيف ، وليعط في النائبة ، وليطعم المسكين " .

خالد بن الحارث وغيره : قالا : حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبيه قال : رأيت الجنة ، وأني دخلتها حبوا ، ورأيت أنه لا يدخلها إلا الفقراء .

قلت : إسناده حسن فهو وغيره منام ، والمنام له تأويل . وقد انتفع ابن عوف - رضي الله عنه - بما رأى ، وبما بلغه ، حتى تصدق بأموال عظيمة ، أطلقت [ ص: 82 ] له - ولله الحمد - قدميه ، وصار من ورثة الفردوس ، فلا ضير .

أنبأنا ابن أبي عمر ، أنبأنا حنبل ، أنبأنا ابن الحصين ، حدثنا ابن المذهب حدثنا أبو بكر ، حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن شقيق قال : دخل عبد الرحمن على أم سلمة ، فقال : يا أم المؤمنين ، إني أخشى أن أكون قد هلكت ، إني من أكثر قريش مالا ، بعت أرضا لي بأربعين ألف دينار . قالت : يا بني ، أنفق ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن من أصحابي من لن يراني بعد أن أفارقه " فأتيت عمر فأخبرته . فأتاها ، فقال : بالله ، أنا منهم ؟ قالت : اللهم لا ، ولن أبرئ أحدا بعدك .

رواه أيضا أحمد ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش فقال : عن شقيق ، عن أم سلمة .

زائدة : عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : كان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف شيء ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " دعوا لي أصحابي أو أصيحابي ; فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا لم يدرك مد أحدهم ولا نصيفه " .

[ ص: 83 ] وأما الأعمش فرواه عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري وفي الباب حديث زهير بن معاوية عن حميد ، عن أنس .

أبو إسماعيل المؤدب ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي عن ابن أبي أوفى قال : شكا عبد الرحمن بن عوف خالدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا خالد ، لا تؤذ رجلا من أهل بدر ; فلو أنفقت مثل أحد ذهبا ، لم تدرك عمله " . قال : يقعون في فأرد عليهم . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا تؤذوا خالدا ; فإنه سيف من سيوف الله ، صبه الله على الكفار " .

لم يروه عن المؤدب سوى الربيع بن ثعلب . وقد روى نحوه جرير بن حازم ، عن الحسن مرسلا .

شعبة : أنبأنا حصين ، سمعت هلال بن يساف يحدث عن عبد الله بن ظالم المازني ، عن سعيد بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على حراء ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف [ ص: 84 ] فقال : " اثبت حراء; فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد " .

وذكر سعيد أنه كان معهم . وكذا رواه جرير ، وهشيم ، وأبو الأحوص ، والأبار ، عن حصين .

وأخرجه أرباب السنن الأربعة من طريق شعبة وجماعة كذلك ، ورواه ابن إدريس ووكيع ، عن سفيان ، عن منصور عن هلال بن يساف . قال أبو داود : ورواه الأشجعي عن سفيان ، عن منصور ، فقال : عن هلال عن ابن حيان ، عن عبد الله بن ظالم ، عن سعيد ، تابعه قاسم الجرمي عن سفيان ، وصححه الترمذي . وجاء عن سفيان ، عن منصور وحصين ، عن هلال عن سعيد نفسه .

أبو قلابة الرقاشي : حدثنا عمر بن أيوب ، حدثنا محمد بن معن الغفاري ، حدثنا مجمع بن يعقوب ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مجمع أن عمر قال لأم كلثوم بنت عقبة ، امرأة عبد الرحمن بن عوف : أقال لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " انكحي سيد المسلمين عبد الرحمن بن عوف ؟ " قالت : نعم . [ ص: 85 ] علي بن المديني : حدثني سفيان ، عن ابن أبي نجيح أن عمر سأل أم كلثوم بنحوه . ويروى من وجهين عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أمه أم كلثوم نحوه .

معمر : عن الزهري : حدثني عبيد الله بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى رهطا فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فلم يعطه . فخرج يبكي . فلقيه عمر فقال : ما يبكيك ؟ فذكر له ، وقال : أخشى أن يكون منعه موجدة وجدها علي . فأبلغ عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " لكني وكلته إلى إيمانه " .

قريش بن أنس : عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " خياركم خياركم لنسائي " فأوصى لهن عبد الرحمن بحديقة ، قومت بأربع مائة ألف .

قال عبد الله بن جعفر الزهري : حدثتنا أم بكر بنت المسور ، أن عبد الرحمن باع أرضا له من عثمان بأربعين ألف دينار ، فقسمه في فقراء بني زهرة ، [ ص: 86 ] وفي المهاجرين ، وأمهات المؤمنين . قال المسور : فأتيت عائشة بنصيبها ، فقالت : من أرسل بهذا ؟ قلت : عبد الرحمن . قالت : أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون " ، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة .

أخرجه أحمد في " مسنده " .

علي بن ثابت الجزري : عن الوازع ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت : جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه في مرضه ، فقال : " سيحفظني فيكن الصابرون الصادقون " .

ومن أفضل أعمال عبد الرحمن عزله نفسه من الأمر وقت الشورى ، واختياره للأمة من أشار به أهل الحل والعقد ، فنهض في ذلك أتم نهوض على جمع الأمة على عثمان ، ولو كان محابيا فيها ، لأخذها لنفسه ، أو لولاها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقاص .

ويروى عن عبد الله بن نيار الأسلمي عن أبيه قال : كان عبد الرحمن بن عوف ممن يفتي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأبي بكر ، وعمر بما سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 87 ] قال يزيد بن هارون : حدثنا أبو المعلى الجزري ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عمر ، أن عبد الرحمن قال لأهل الشورى : هل لكم أن أختار لكم وأنفصل منها ؟ قال علي : نعم . أنا أول من رضي ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إنك أمين في أهل السماء ، أمين في أهل الأرض " .

أخرجه الشاشي في " مسنده " ، وأبو المعلى ضعيف .

ذكر مجالد ، عن الشعبي أن عبد الرحمن بن عوف حج بالمسلمين في سنة ثلاث عشرة .

جويرية بن أسماء : عن مالك ، ‌عن الزهري ، عن سعيد أن سعيد بن أبي وقاص أرسل إلى عبد الرحمن رجلا وهو قائم يخطب : أن ارفع رأسك إلى أمر الناس . أي ادع إلى نفسك . فقال عبد الرحمن : ثكلتك أمك! إنه لن يلي هذا الأمر أحد بعد عمر إلا لامه الناس .

تابعه أبو أويس عبد الله ، عن الزهري .

ابن سعد : أنبأنا عبد العزيز الأويسي ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن أم بكر ، عن أبيها المسور قال : لما [ ص: 88 ] ولي عبد الرحمن بن عوف الشورى كان أحب الناس إلي أن يليه ، فإن ترك ، فسعد . فلحقني عمرو بن العاص فقال : ما ظن خالك عبد الرحمن بالله ، إن ولى هذا الأمر أحدا ، وهو يعلم أنه خير منه ؟ فأتيت عبد الرحمن فذكرت ذلك له . فقال : والله لأن تؤخذ مدية ، فتوضع في حلقي ، ثم ينفذ بها إلى الجانب الآخر أحب إلي من ذلك .

ابن وهب : حدثنا ابن لهيعة ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي عبيد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر ، عن أبيه ، عن جده أن عثمان اشتكى رعافا ، فدعا حمران ، فقال : اكتب لعبد الرحمن العهد من بعدي ، فكتب له ، وانطلق حمران إلى عبد الرحمن ، فقال : البشرى ! قال : وما ذاك ؟ قال : إن عثمان قد كتب لك العهد من بعده . فقام بين القبر والمنبر ، فدعا ، فقال : اللهم إن كان من تولية عثمان إياي هذا الأمر ، فأمتني قبله . فلم يمكث إلا ستة أشهر حتى قبضه الله .

يعقوب بن محمد الزهري : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز ، عن رجل ، عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال : كان أهل المدينة عيالا على عبد الرحمن بن عوف : ثلث يقرضهم ماله ، وثلث يقضي دينهم ، ويصل ثلثا .

مبارك بن فضالة : عن علي بن زيد ، عن ابن المسيب قال : كان بين طلحة وابن عوف تباعد . فمرض طلحة ، فجاء عبد الرحمن يعوده ، فقال طلحة : [ ص: 89 ] أنت والله يا أخي خير مني . قال : لا تفعل يا أخي ، قال : بلى والله ؛ لأنك لو مرضت ما عدتك .

ضمرة بن ربيعة : عن سعد بن الحسن قال : كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده .

شعيب بن أبي حمزة : عن الزهري ، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن ، قال : غشي على عبد الرحمن بن عوف في وجعه حتى ظنوا أنه قد فاضت نفسه ، حتى قاموا من عنده ، وجللوه . فأفاق يكبر ، فكبر أهل البيت ، ثم قال لهم : غشي علي آنفا ؟ قالوا : نعم . قال : صدقتم ، انطلق بي في غشيتي رجلان أجد فيهما شدة وفظاظة ، فقالا : انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين ، فانطلقا بي حتى لقيا رجلا ، قال : أين تذهبان بهذا ؟ قالا : نحاكمه إلى العزيز الأمين . فقال : ارجعا ، فإنه من الذين كتب الله لهم السعادة والمغفرة وهم في بطون أمهاتهم ، وإنه سيمتع به بنوه إلى ما شاء الله ، فعاش بعد ذلك شهرا . [ ص: 90 ]

رواه الزبيدي وجماعة عن الزهري ، ورواه سعد بن إبراهيم عن أبيه .

ابن لهيعة : عن أبي الأسود ، عن عروة أن عبد الرحمن بن عوف أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله ، فكان الرجل يعطى منها ألف دينار .

وعن الزهري أن عبد الرحمن أوصى للبدريين ، فوجدوا مائة ، فأعطى كل واحد منهم أربع مائة دينار ، فكان منهم عثمان ، فأخذها .

وبإسناد آخر ، عن الزهري : أن عبد الرحمن أوصى بألف فرس في سبيل الله .

قال إبراهيم بن سعد : عن أبيه عن جده : سمع عليا يقول يوم مات عبد الرحمن بن عوف : اذهب يا ابن عوف ، فقد أدركت صفوها وسبقت رنقها .

الرنق : الكدر .

قال سعد بن إبراهيم ، عن أبيه قال : رأيت سعدا في جنازة عبد الرحمن بن عوف ، وهو بين يدي السرير ، وهو يقول : واجبلاه ! .

رواه جماعة عن سعد .

معمر : عن ثابت ، عن أنس قال : رأيت عبد الرحمن بن عوف ، قسم لكل امرأة من نسائه بعد موته مائة ألف . [ ص: 91 ] وروى هشام عن ابن سيرين قال : اقتسمن ثمنهن ثلاث مائة ألف وعشرين ألفا .

وروى نحوه ليث بن أبي مسلم ، عن مجاهد ، وقد استوفى صاحب " تاريخ دمشق " أخبار عبد الرحمن في أربعة كراريس .

ولما هاجر إلى المدينة كان فقيرا لا شيء له ، فآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سعد بن الربيع أحد النقباء ، فعرض عليه أن يشاطره نعمته ، وأن يطلق له أحسن زوجتيه ، فقال له : بارك الله لك في أهلك ومالك ، ولكن دلني على السوق . فذهب ، فباع واشترى ، وربح ، ثم لم ينشب أن صار معه دراهم ، فتزوج امرأة على زنة نواة من ذهب ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد رأى عليه أثرا من صفرة : " أولم ولو بشاة " ثم آل أمره في التجارة إلى ما آل .

[ ص: 92 ] أرخ المدائني ، والهيثم بن عدي وجماعة وفاته في سنة اثنتين وثلاثين ، وقال المدائني : ودفن بالبقيع ، وقال يعقوب بن المغيرة : عاش خمسا وسبعين سنة .

قال ، أبو عمر بن عبد البر : كان مجدودا في التجارة . خلف ألف بعير ، وثلاثة آلاف شاة ، ومائة فرس . وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحا .

قلت : هذا هو الغني الشاكر ، وأويس فقير صابر ، وأبو ذر أو أبو عبيدة زاهد عفيف .

حسين الجعفي : عن جعفر بن برقان قال : بلغني أن عبد الرحمن بن عوف أعتق ثلاثين ألف بيت .

التالي السابق


الخدمات العلمية