صفحة جزء
ميمون بن مهران ( م ، 4 )

الإمام الحجة ، عالم الجزيرة ومفتيها ، أبو أيوب الجزري الرقي ، أعتقته امرأة من بني نصر بن معاوية بالكوفة ، فنشأ بها ، ثم سكن الرقة .

وحدث عن أبي هريرة ، وعائشة ، وابن عباس ، وابن عمر ، والضحاك بن قيس الفهري الأمير ، وصفية بنت شيبة العبدرية ، وعمرو بن عثمان ، وأم الدرداء ، وعمر بن عبد العزيز ، ونافع ، ويزيد بن الأصم ، ومقسم ، وعدة . وأرسل عن عمر والزبير .

روى عنه ابنه عمرو ، وأبو بشر جعفر بن إياس ، وحميد الطويل ، وسليمان [ ص: 72 ] الأعمش ، وحجاج بن أرطاة ، وخصيف ، وسالم بن أبي المهاجر ، وجعفر بن برقان ، وفرات بن السائب ، وزيد بن أبي أنيسة ، وحبيب بن الشهيد ، والأوزاعي ، وعلي بن الحكم ، والنضر بن عربي ، والجريري ، ومعقل بن عبيد الله ، وأبو المليح الحسن بن عمر الرقي ، وخلق سواهم .

قيل : إن مولده عام موت علي -رضي الله عنه- سنة أربعين وثقه جماعة ، وقال أحمد بن حنبل : هو أوثق من عكرمة .

وروى سعيد بن عبد العزيز ، عن سليمان بن موسى قال : هؤلاء الأربعة علماء الناس في زمن هشام بن عبد الملك : مكحول والحسن والزهري وميمون بن مهران .

وروى إسماعيل بن عبيد الله ، عن ميمون بن مهران قال : كنت أفضل عليا على عثمان ، فقال لي عمر بن عبد العزيز : أيهما أحب إليك ، رجل أسرع في الدماء ، أو رجل أسرع في المال ، فرجعت وقلت : لا أعود . وقال : كنت عند عمر بن عبد العزيز ، فلما قمت ، قال : إذا ذهب هذا وضرباؤه ، صار الناس بعد رجراجة .

قال أبو المليح : ما رأيت رجلا أفضل من ميمون بن مهران .

روى عمرو بن ميمون بن مهران قال : إني وددت أن أصبعي قطعت من هاهنا ، وأني لم أل لعمر بن عبد العزيز ولا لغيره .

أبو المليح الرقي ، عن حبيب بن أبي مرزوق : قال ميمون : وددت أن [ ص: 73 ] إحدى عيني ذهبت ، وأني لم أل عملا قط ، لا خير في العمل لعمر بن عبد العزيز ، ولا لغيره . قلت : كان ولي خراج الجزيرة ، وقضاءها ، وكان من العابدين .

روى أبو المليح الرقي ، عن ميمون بن مهران قال : لا تجالسوا أهل القدر ، ولا تسبوا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا تعلموا النجوم .

بقية بن الوليد : أخبرنا عبد الملك بن أبي النعمان الجزري ، عن ميمون بن مهران قال : خاصمه رجل في الإرجاء فبينما هما على ذلك إذ سمعا امرأة تغني ، فقال ميمون : أين إيمان هذه من إيمان مريم بنت عمران ، فانصرف الرجل ولم يرد عليه . [ ص: 74 ]

أبو المليح ، عن فرات بن السائب قال : كنت في مسجد ملطية فتذاكرنا هذه الأهواء ، فانصرفت فنمت ، فسمعت هاتفا يهتف : الطريق مع ميمون بن مهران .

عبد الله بن جعفر الرقي : حدثنا عبد الله بن عمرو ، عن عبد الملك بن زائدة قال : ضرب على أهل الرقة بعث ، فجهز فيه ميمون بن مهران بنبال ، فقال مسلمة : لقد أصبح أبو أيوب في طاعتنا شمريا .

يعلى بن عبيد : حدثنا هارون البربري ، قال : كتب ميمون بن مهران إلى عمر بن عبد العزيز : إني شيخ رقيق ، كلفتني أن أقضي بين الناس ، وكان علي الخراج والقضاء بالجزيرة ، فكتب إليه : إني لم أكلفك ما يعنيك ، اجب الطيب من الخراج ، واقض بما استبان لك ، فإذا لبس عليك شيء ، فارفعه إلي ، فإن الناس لو كان إذا كبر عليهم أمر تركوه ، لم يقم دين ولا دنيا .

جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران قال : لا يكون الرجل تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه ، وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه .

أحمد بن حنبل : حدثنا عبد الله بن ميمون ، عن الحسن بن حبيب قال : رأيت على ميمون جبة صوف تحت ثيابه ، فقلت له : ما هذا ؟ قال : نعم ، فلا تخبر به أحدا .

وقال جامع بن أبي راشد : سمعت ميمون بن مهران يقول : ثلاثة تؤدى إلى البر والفاجر : الأمانة ، والعهد ، وصلة الرحم . [ ص: 75 ]

قال أبو المليح : جاء رجل إلى ميمون بن مهران يخطب بنته ، فقال : لا أرضاها لك ، قال : ولم ؟ قال : لأنها تحب الحلي والحلل ، قال : فعندي من هذا ما تريد ، قال : الآن لا أرضاك لها .

قال الإمام أبو الحسن الميموني : قال لي أحمد بن حنبل : إني لأشبه ورع جدك بورع ابن سيرين .

قال أبو المليح : قال رجل لميمون : يا آبا أيوب ! ما يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم ، قال : أقبل على شأنك ، ما يزال الناس بخير ما اتقوا ربهم .

ابن علية : حدثنا يونس بن عبيد ، قال : كتبت إلى ميمون بن مهران بعد طاعون كان ببلادهم أسأله عن أهله ، فكتب إلي : بلغني كتابك ، وإنه مات من أهلي وخاصتي سبعة عشر إنسانا ، وإني أكره البلاء إذا أقبل ، فإذا أدبر ، لم يسرني أنه لم يكن . روى أبو المليح ، عن ميمون : من أساء سرا ، فليتب سرا ، ومن أساء علانية ، فليتب علانية ، فإن الناس يعيرون ولا يغفرون ، والله يغفر ولا يعير .

خالد بن حيان الرقي ، عن جعفر بن برقان : قال لي ميمون بن مهران : يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره ، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره .

عبد الله بن جعفر ، عن أبي المليح قال : قال ميمون : إذا أتى رجل باب سلطان ، فاحتجب عنه ، فليأت بيوت الرحمن ، فإنها مفتحة ، فليصل ركعتين ، وليسأل حاجته .

وقال ميمون : قال محمد بن مروان بن الحكم : ما يمنعك أن تكتب في الديوان ، فيكون لك سهم في الإسلام ؟ قلت : إني لأرجو أن يكون لي سهام [ ص: 76 ] في الإسلام . قال : من أين ولست في الديوان ؟ فقلت : شهادة أن لا إله إلا الله سهم ، والصلاة سهم ، والزكاة سهم ، وصيام رمضان سهم ، والحج سهم .

قال : ما كنت أظن أن لأحد في الإسلام سهما إلا من كان في الديوان ، قلت : هذا ابن عمك حكيم بن حزام لم يأخذ ديوانا قط ، وذلك أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسألة ، فقال : استعف يا حكيم خير لك . قال : ومنك يا رسول الله ؟ قال : ومني ، قال : لا جرم لا أسألك ولا غيرك شيئا أبدا ، ولكن ادع الله لي أن يبارك لي في صفقتي -يعني التجارة- فدعا له رواها عبد الله بن جعفر ، عن أبي المليح ، عنه .

قال فرات : سمعت ميمونا يقول : لو نشر فيكم رجل من السلف ما عرف إلا قبلتكم .

أبو المليح : سمعت ميمون بن مهران ، وأتاه رجل فقال : إن زوجة هشام ماتت ، وأعتقت كل مملوك لها ، فقال : يعصون الله مرتين ، يبخلون به وقد أمروا أن ينفقوه ، فإذا صار لغيرهم أسرفوا فيه .

قال أحمد العجلي والنسائي : ميمون ثقة . زاد أحمد : كان يحمل على [ ص: 77 ] علي -رضي الله عنه- قلت : لم يثبت عنه حمل ، إنما كان يفضل عثمان عليه ، وهذا حق .

عبد الله بن جابر الطرسوسي ، عن جعفر بن محمد بن نوح ، عن إبراهيم بن محمد السمري أن ميمون بن مهران صلى في سبعة عشر يوما سبعة عشر ألف ركعة ، فلما كان في اليوم الثامن عشر ، انقطع في جوفه شيء فمات .

عبد الله بن جعفر : حدثنا أبو المليح ، عن ميمون قال : أدركت من لم يكن يملأ عينيه من السماء فرقا من ربه -عز وجل - . وعنه قال : أدركت من كنت أستحيي أن أتكلم عنده .

قال ابن سعد : ميمون يكنى أبا أيوب ، ثقة ، كثير الحديث .

وقال أبو عروبة : نزل الرقة وبها عقبه .

معمر بن سليمان ، عن فرات بن السائب ، عن ميمون بن مهران قال : ثلاث لا تبلون نفسك بهن : لا تدخل على السلطان ، وإن قلت : آمره بطاعة الله ، ولا تصغين بسمعك إلى هوى ، فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه ، ولا تدخل على امرأة ، ولو قلت : أعلمها كتاب الله .

وروى حبيب بن أبي مرزوق ، عن ميمون : وددت أن عيني ذهبت ، وبقيت الأخرى أتمتع بها ، وأني لم أل عملا قط ، قلت له : ولا لعمر بن عبد العزيز ؟ قال : لا لعمر ولا لغيره .

أبو المليح ، عن ميمون قال : لا تضرب المملوك في كل ذنب ، ولكن احفظ له ، فإذا عصى الله ، فعاقبه على المعصية ، وذكره الذنوب التي بينك وبينه .

أبو المليح ، سمعت ميمونا يقول : لأن أوتمن على بيت مال أحب إلي من أن أوتمن على امرأة . [ ص: 78 ]

عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثني يحيى بن عثمان الحربي ، حدثنا أبو المليح ، عن ميمون ، قال : ما نال رجل من جسيم الخير -نبي ولا غيره- إلا بالصبر .

الحارث بن أبي أسامة : حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان ، حدثنا يزيد بن الأصم قال : لقيت عائشة -رضي الله عنها- - مقبلة من مكة ، أنا وابن لطلحة وهو ابن أختها ، وقد كنا وقعنا في حائط من حيطان المدينة ، فأصبنا منه ، فبلغها ذلك ، فأقبلت على ابن أختها تلومه ، ثم وعظتني ، ثم قالت : أما علمت أن الله ساقك حتى جعلك في بيت نبيه ، ذهبت والله ميمونة ، ورمي برسنك على غاربك ، أما إنها كانت من أتقانا لله -عز وجل- وأوصلنا للرحم .

جرى القلم بكتابة هذا هنا ، ويزيد بن الأصم من فضلاء التابعين بالرقة .

وقد خرج أرباب الكتب لميمون بن مهران سوى البخاري ، فما أدري لم تركه ؟ .

قال ابن سعد وأبو عروبة وغيرهما : توفي سنة سبع عشرة ومائة ، وقال شباب : سنة ست عشرة -رحمه الله- له حديث سيأتي .

التالي السابق


الخدمات العلمية