صفحة جزء
قال خالد بن مرداس ، حدثنا الحكم بن عمر ، شهدت عمر بن عبد العزيز حين جاءه أصحاب مراكب الخلافة يسألونه العلوفة ورزق خدمها ، قال : ابعث بها إلى أمصار الشام يبيعونها ، واجعل أثمانها في مال الله ، تكفيني بغلتي هذه الشهباء .

وعن الضحاك بن عثمان قال : لما انصرف عمر بن عبد العزيز عن قبر . سليمان ، قدموا له مراكب سليمان ، فقال : [ ص: 127 ]

فلولا التقى ثم النهى خشية الردى لعاصيت في حب الصبا كل زاجر     قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى
له صبوة أخرى الليالي الغوابر

لا قوة إلا بالله .

سفيان بن وكيع : حدثنا ابن عيينة ، عن عمر بن ذر أن مولى لعمر بن عبد العزيز قال له بعد جنازة سليمان : ما لي أراك مغتما ؟ قال : لمثل ما أنا فيه فليغتم ، ليس أحد من الأمة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إلي فيه ، ولا طالبه مني .

قال عبيد الله بن عمر : خطبهم عمر ، فقال : لست بخير أحد منكم ، ولكني أثقلكم حملا .

أيوب بن سويد : حدثنا يونس ، عن الزهري قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم ليكتب إليه بسيرة عمر في الصدقات ، فكتب إليه بذلك ، وكتب إليه : إنك إن عملت بمثل عمل عمر في زمانه ورجاله في مثل زمانك ورجالك ، كنت عند الله خيرا من عمر ،

قلت : هذا كلام عجيب ، أنى يكون خيرا من عمر ؟ حاشا وكلا ، ولكن هذا القول محمول على المبالغة ، وأين عز الدين بإسلام عمر ؟ وأين شهوده بدرا ؟ وأين فرق الشيطان من عمر ؟ وأين فتوحات عمر شرقا وغربا ؟ وقد جعل الله لكل شيء قدرا .

حماد بن زيد ، عن أبي هاشم أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز فقال : رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم ، وأبو بكر عن يمينه ، وعمر عن شماله ، فإذا رجلان يختصمان وأنت بين يديه ، فقال لك : يا عمر ! إذا عملت فاعمل بعمل هذين ، فاستحلفه بالله لرأيت ؟ فحلف له ، فبكى .

قال ميمون بن مهران : إن الله كان يتعاهد الناس بنبي بعد نبي ، وإن الله تعاهد الناس بعمر بن عبد العزيز . [ ص: 128 ]

قال حماد بن أبي سليمان : لما ولي عمر بن عبد العزيز بكى ، فقال له رجل : كيف حبك للدنيا والدرهم ؟ قال : لا أحبه ، قال : لا تخف ، فإن الله سيعينك .

يعقوب الفسوي : حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى ، حدثني أبي ، عن جدي قال : كنت أنا وابن أبي زكريا بباب عمر بن عبد العزيز ، فسمعنا بكاء ، فقيل : خير أمير المؤمنين امرأته بين أن تقيم في منزلها وعلى حالها ، وأعلمها أنه قد شغل بما في عنقه عن النساء ، وبين أن تلحق بمنزل أبيها ، فبكت ، فبكت جواريها .

جرير ، عن مغيرة ، قال : كان لعمر بن عبد العزيز سمار يستشيرهم ، فكان علامة ما بينهم إذا أحب أن يقوموا قال : إذا شئتم .

وعنه أنه خطب وقال : والله إن عبدا ليس بينه وبين آدم أب إلا قد مات لمعرق له في الموت .

جرير ، عن مغيرة قال : جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان حين استخلف ، فقال : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت له فدك ينفق منها ، ويعود منها على صغير بني هاشم ، ويزوج منها أيمهم ، وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها ، فأبى ، فكانت كذلك حياة أبي بكر وعمر ، عملا فيها عمله ، ثم أقطعها مروان ، ثم صارت لي ، فرأيت أمرا منعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنته ليس لي بحق ، [ ص: 129 ] وإني أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت عليه في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .

قال الليث : بدأ عمر بن عبد العزيز بأهل بيته ، فأخذ ما بأيديهم ، وسمى أموالهم مظالم ، ففزعت بنو أمية إلى عمته فاطمة بنت مروان ، فأرسلت إليه : إني قد عناني أمر ، فأتته ليلا ، فأنزلها عن دابتها ، فلما أخذت مجلسها قال : يا عمة ! أنت أولى بالكلام ، قالت : تكلم يا أمير المؤمنين ، قال : إن الله بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- رحمة ، ولم يبعثه عذابا ، واختار له ما عنده ، فترك لهم نهرا ، شربهم سواء ، ثم قام أبو بكر فترك النهر على حاله ، ثم عمر ، فعمل عمل صاحبه ، ثم لم يزل النهر يشتق منه يزيد ومروان وعبد الملك ، والوليد وسليمان ، حتى أفضى الأمر إلي ، وقد يبس النهر الأعظم ، ولن يروي أهله حتى يعود إلى ما كان عليه ، فقالت : حسبك ، فلست بذاكرة لك شيئا ، ورجعت فأبلغتهم كلامه .

وعن ميمون بن مهران ، سمعت عمر بن عبد العزيز يقول : لو أقمت فيكم خمسين عاما ما استكملت فيكم العدل ، إني لأريد الأمر من أمر العامة ، [ ص: 130 ] فأخاف ألا تحمله قلوبهم ، فأخرج معه طمعا من طمع الدنيا . ابن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة قلت لطاوس : هو المهدي يعني- عمر بن عبد العزيز - قال : هو المهدي ، وليس به إنه لم يستكمل العدل كله .

قال ابن عون : كان ابن سيرين إذا سئل عن الطلاء قال : نهى عنه إمام هدى ، يعني عمر بن عبد العزيز .

قال حرملة : سمعت الشافعي يقول : الخلفاء خمسة : أبو بكر ، وعمر ، [ ص: 131 ] وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز . وفي رواية : الخلفاء الراشدون ، وورد عن أبي بكر بن عياش نحوه ، وروى عباد بن السماك عن الثوري مثله . أبو المليح ، عن خصيف قال : رأيت في المنام رجلا ، وعن يمينه وشماله رجلان ، إذ أقبل عمر بن عبد العزيز ، فأراد أن يجلس بين الذي عن يمينه وبينه ، فلصق صاحبه ، فجذبه الأوسط فأقعده في حجره ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا أبو بكر ، وهذا عمر .

عبد الرحمن بن زيد ، عن عمر بن أسيد ، قال : والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم ، فيقول : اجعلوا هذا حيث ترون ، فما يبرح حتى يرجع بماله كله . قد أغنى عمر الناس .

التالي السابق


الخدمات العلمية