صفحة جزء
الوليد بن مسلم : حدثني القاسم بن هزان ، سمع الزهري يقول : لا يرضي الناس قول عالم لا يعمل ، ولا عمل عامل لا يعلم . القاسم : ثقة . وعن أبي الزناد قال : كان الزهري يقدح أبدا عند هشام في الوليد بن يزيد ويعيبه ، ويذكر أمورا عظيمة حتى يذكر الصبيان ، وأنهم يخضبون بالحناء ، ويقول لهشام : ما يحل لك إلا خلعه ، فكان هشام لا يستطيع ذلك للعقد الذي عقد له ، ولا يكره ما صنع الزهري رجاء أن يؤلب عليه الناس ، فكنت يوما عنده في ناحية الفسطاط ، أسمع ذم الزهري للوليد ، فجاء الحاجب ، فقال : هذا الوليد بالباب ، قال : أدخله ، فأوسع له هشام على فراشه ، وأنا أعرف في وجه الوليد الغضب والشر ، فلما استخلف الوليد بعث إلي وإلى ابن المنكدر ، وابن القاسم ، وربيعة ، قال : فأرسل إلي ليلة مخليا وقدم العشاء ، وقال : حديث حسن يابن ذكوان ، [ ص: 342 ] أرأيت يوم دخلت على الأحول وأنت عنده ، والزهري يقدح في ، أفتحفظ من كلامه شيئا ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ، أذكر يوم دخلت والغضب في وجهك أعرفه ، قال : كان الخادم الذي رأيت على رأس هشام ينقل ذلك كله إلي وأنا على الباب قبل أن أدخل إليكم ، وأخبرني أنك لم تنطق بشيء ، قلت : نعم ، قال : قد كنت عاهدت الله ، لئن أمكنني الله القدرة بمثل هذا اليوم أن أقتل الزهري . رواها الواقدي عن أبي الزناد ، عن أبيه .

وقال الواقدي : حدثنا ابن أخي الزهري ، قال : كان عمي قد اتعد هو وابن هشام بن عبد الملك ، وكان الوليد يتلهف لو قبض عليه ، الوليد بن مسلم : حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، أنبأنا الزهري ، قال لهشام : اقض ديني ، قال : وكم هو ؟ قال : ثمانية عشر ألف دينار ، قال : إني أخاف إن قضيتها عنك أن تعود ، فقال : قال النبي- صلى الله عليه وسلم- : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين فقضاها عنه . قال : فما مات الزهري حتى استدان مثلها . فبيعت شغب فقضي دينه . العدني : حدثنا سفيان ، قال : رأيت مالك بن أنس وعبيد الله بن عمر ، أتيا الزهري بمكة ، فكلماه يعرضان عليه ، فقال الزهري : إني أريد المدينة وطريقي عليكما ، تأتيان إن شاء الله . قال : وكان عبيد الله هو المتكلم ومالك معه ساكت ، ولم يسمعا عليه بمكة شيئا .

قال معمر : أتيت الزهري بالرصافة فجالسته . الليث ، عن معاوية بن صالح ، أن أبا جبلة حدثه قال : كنت مع ابن شهاب في سفر ، فصام يوم عاشوراء ، فقيل له : لم تصوم وأنت تفطر في رمضان في السفر ؟ قال : إن رمضان له عدة من أيام أخر ، وإن عاشوراء يفوت .

[ ص: 343 ] أبو مسهر : حدثنا يحيى بن حمزة ، قال الزهري : ثلاث إذا كن في القاضي فليس بقاض : إذا كره الملام ، وأحب المحامد ، وكره العزل .

يحيى بن أيوب ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن ابن شهاب قال : لا تناظر بكتاب الله ، ولا بكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم .

قال عبد الرحمن بن القاسم ، عن مالك قال : قدم ابن شهاب المدينة ، فأخذ بيد ربيعة ، ودخلا إلى بيت الديوان ، فما خرجا إلى العصر . فقال ابن شهاب : ما ظننت أن بالمدينة مثلك ، وخرج ربيعة وهو يقول : ما ظننت أن أحدا بلغ من العلم ما بلغ ابن شهاب .

ابن أبي رواد ، عن ابن شهاب قال : العمائم تيجان العرب ، والحبوة حيطان العرب ، والاضطجاع في المسجد رباط المؤمنين .

يونس ، عن ابن شهاب قال : الإيمان بالقدر نظام التوحيد ، فمن وحد ولم يؤمن بالقدر ، كان ذلك ناقضا توحيده .

سعيد بن أبي مريم : حدثنا يحيى بن أيوب ونافع بن يزيد قالا : حدثنا عقيل ، عن ابن شهاب قال : من سنة الصلاة أن تقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ثم فاتحة الكتاب ، ثم تقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم تقرأ سورة ، فكان ابن شهاب يقرأ أحيانا سورة مع الفاتحة ، يفتتح كل سورة منها ببسم الله الرحمن الرحيم ، وكان يقول : أول من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم سرا بالمدينة : عمرو بن سعيد بن العاص ، وكان رجلا حييا .

ابن أبي يونس : سمعت مالكا يقول : إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذونه . لقد أدركت في المسجد سبعين ممن يقول : قال فلان ، قال رسول الله ، وإن أحدهم لو ائتمن على بيت مال ، لكان به أمينا . فما أخذت منهم شيئا ; لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ويقدم علينا الزهري وهو شاب فنزدحم على بابه .

[ ص: 344 ] قلت : كأن مالكا انخدع بخضاب الزهري فظنه شابا . رواها أبو إسماعيل الترمذي ، عن إسماعيل .

محمد بن عباد المكي : حدثنا سفيان ، سمعت الزهري يقول : كنت أحسب أني قد أصبت من العلم ، حتى جالست عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، فكأنما كنت في شعب من الشعاب .

إسحاق بن محمد الفروي : سمعت مالكا يقول : دخلت أنا وموسى بن عقبة ، ومشيخة على ابن شهاب ، فسأله إنسان عن حديث ، فقال : تركتم العلم ، حتى إذا صرتم كالشنان قد توهت ، طلبتموه ، والله لا جئتم بخير أبدا . فضحكنا . يونس عن ابن شهاب : جالست ابن المسيب حتى ما كنت أسمع منه إلا الرجوع ، يعني : المعاد ، وجالست عبيد الله فما رأيت أغرب منه ، ووجدت عروة بحرا لا تكدره الدلاء .

أبو ضمرة : حدثنا عبيد الله بن عمر ، رأيت ابن شهاب يؤتى بالكتاب ما يقرؤه ولا يقرأ عليه ، فنقول : نأخذ هذا عنك ؟ فيقول : نعم . فيأخذونه وما قرأه ولا يرونه . عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري قال : ما استعدت حديثا قط ، وما شككت في حديث إلا حديثا واحدا . فسألت صاحبي فإذا هو كما حفظت . قال معمر : قد روى الزهري عن الموالي : سليمان بن يسار ، وطاوس ، والأعرج ونافع مولى ابن عمر ، ونافع مولى أبي قتادة ، وحبيب مولى عروة ، وكثير مولى أفلح . وقلت له : إنهم يقولون : إنك لا تروي عن الموالي . قال : قد رويت عنهم ، ولكن إذا وجدت عن أبناء المهاجرين والأنصار ، فما حاجتي إلى غيرهم . وسمعته يقول : يا أهل العراق ، يخرج الحديث من عندنا شبرا ، ويصير عندكم ذراعا . عطاء بن مسلم الخفاف ، عن عبد الله بن عمر ، عن الزهري قال : حدثت علي بن الحسين بحديث ، فلما فرغت منه ، قال : أحسنت -بارك الله فيك- هكذا [ ص: 345 ] حدثناه ، قلت : أراني حدثتك بحديث أنت أعلم به مني ، قال : لا تقل ذاك ، فليس من العلم ما لا يعرف ، إنما العلم ما عرف ، وتواطأت عليه الألسن .

ابن وهب قال : قال مالك : لقد هلك سعيد بن المسيب ، ولم يترك كتابا ، ولا القاسم بن محمد ، ولا عروة ، ولا ابن شهاب ، قلت لابن شهاب وأنا أريد أن أخصمه : ما كنت تكتب ؟ قال : قلت : ولا تسأل أن يعاد عليك الحديث ؟ قال : لا .

قال معمر : كان الزهري إذا ذكر علي بن الحسين ، قال : لم أر في أهل بيته أفضل منه . أيوب بن سويد : حدثنا يونس ، قال الزهري : إياك وغلول الكتب ، قلت : وما غلولها ؟ قال : حبسها .

الأوزاعي ، عن سليمان بن حبيب ، عن عمر بن عبد العزيز قال : ما أتاك به الزهري عن غيره ، فشد يدك به ، وما أتاك به عن رأيه ، فانبذه .

قال ابن المديني : دار علم الثقات على ستة ، فكان بالحجاز الزهري ، وعمرو بن دينار ، وبالبصرة قتادة ، ويحيى بن أبي كثير ، وبالكوفة أبو إسحاق والأعمش . داود بن المحبر ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الزهري قال : كان ابن عباس يقول : خمس يورثن النسيان : أكل التفاح ، والبول في الماء الراكد ، والحجامة في القفا ، وإلقاء القملة في التراب ، وسؤر الفأرة .

قال محمد بن يحيى الذهلي : أبو حميد مولى مسافع عن أبي هريرة ، روى عنه الزهري حديث لتنتقن كما ينتقى التمر .

[ ص: 346 ] وحديث إياكم ومحقرات الأعمال رواهما يونس بن يزيد عنه .

أحمد بن عبد العزيز الرملي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، سمعت الزهري لما حدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن قلت له : فما هو ؟ قال : من الله القول ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم ، أمروا حديث رسول الله كما جاء -بلا كيف .

محمد بن ميمون المكي : حدثنا ابن عيينة ، قال : أتيت الزهري ، وهو عند سارية عند باب الصفا ، فجلست بين يديه ، فقال : يا بني قرأت القرآن ؟ قلت : بلى . قال : تعلمت الفرائض ؟ قلت : بلى . قال : كتبت الحديث ؟ قلت : بلى . يعني عن أبي إسحاق الهمداني . قال : أبو إسحاق إسناد .

ضمرة بن ربيعة ، عن رجاء بن أبي سلمة ، عن أبي رزين ، سمعت الزهري يقول : أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من منسوخه .

وعن إسماعيل المكي : سمعت الزهري يقول : من سره أن يحفظ [ ص: 347 ] الحديث فليأكل الزبيب ، قال الحاكم : لأن زبيب الحجاز حار حلو رقيق فيه يبس مقطع للبلغم .

أيوب بن سويد ، عن يونس ، عن الزهري ، قال لي القاسم : أراك تحرص على الطلب ، أفلا أدلك على وعائه ؟ قلت : بلى . قال : عليك بعمرة بنت عبد الرحمن ، فإنها كانت في حجر عائشة ، فأتيتها ، فوجدتها بحرا لا ينزف .

قال الشافعي : قال ابن عيينة : حدث الزهري يوما بحديث ، فقلت : هاته بلا إسناد ، قال : أترقى السطح بلا سلم ؟ .

عن الوليد بن عبيد الله العجلي ، عن الزهري قال : الحافظ لا يولد إلا في كل أربعين سنة مرة .

يونس بن محمد : حدثنا أبو أويس ، سألت الزهري عن التقديم والتأخير في الحديث ، فقال : إن هذا يجوز في القرآن فكيف به في الحديث ؟ إذا أصيب معنى الحديث ، ولم يحل به حراما ، ولم يحرم به حلالا ، فلا بأس ، وذلك إذا أصيب معناه .

أخبرنا أحمد بن إسحاق الزاهد ، أنبأنا محمد بن هبة الله بن عبد العزيز المراتبي ببغداد ، أنبأنا عمي محمد بن عبد العزيز الدينوري سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، أنبأنا عاصم بن الحسن ، أنبأنا عبد الواحد بن محمد ، حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ، حدثنا أحمد بن إسماعيل ، حدثنا مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة ، أنها قالت : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان .

[ ص: 348 ] أخبرنا أبو المعالي الأبرقوهي ، أنبأنا الفتح بن عبد السلام ، أنبأنا هبة الله بن الحسين ، أنبأنا أحمد بن محمد بن النقور ، حدثنا عيسى بن علي ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد ، حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- : رأى في يد رجل خاتما من ذهب ، فضرب إصبعه حتى ألقاه ، ورأى على أم سلمة قرطي ذهب ، فأعرض عنها ، حتى رمت بهما هكذا أرسله منصور .

وبالإسناد إلى أبي القاسم هو البغوي ، حدثنا بشر بن الوليد ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري ، عن أنس ، أنه أبصر على النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتم ورق يوما واحدا ، فصنع الناس خواتيمهم من ورق فلبسوها ، فطرح النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتمه ، وطرحوا خواتيمهم ، ورأى في يد رجل خاتما فضرب إصبعه حتى رمى به .

أخبرنا محمد بن عبد السلام التميمي ، وأحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء [ ص: 349 ] قراءة ، عن عبد المعز بن محمد ، أنبأنا أبو الفضل محمد بن إسماعيل ، أنبأنا محلم بن إسماعيل ، أنبأنا الخليل بن أحمد السجزي ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثنا قتيبة ، حدثنا المفضل ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- : كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة ، جمع كفيه ، ثم نفث فيهما ، فقرأ فيهما قل هو الله أحد و قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده ، بدأ بهما على رأسه ووجهه ، وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات أخرجه البخاري عن قتيبة بن سعيد مثله .

وقد وقع لنا جملة صالحة من عالي حديث الزهري ، وقد طالت هذه الترجمة وبقيت أشياء ، والله الموفق .

قال محمد بن سعد : أخبرني الحسين بن المتوكل العسقلاني ، قال : رأيت قبر الزهري بأدما وهي خلف شغب وبدا وهي أول عمل فلسطين ، وآخر عمل الحجاز ، وبها ضيعة للزهري ، رأيت قبره مسنما مجصصا .

قال يحيى القطان : توفي الزهري سنة أربع أو ثلاث وعشرين ومائة تابعه أبو عبيد ، ويحيى بن معين .

وقال عدة : مات سنة أربع قال معن بن عيسى : حدثنا ابن أخي الزهري ، [ ص: 350 ] أن عمه مات سنة أربع وكذا قال إبراهيم بن سعد ، وابن عيينة ، زاد الواقدي : وهو ابن اثنتين وسبعين سنة .

وقال ابن سعد وخليفة والزبير : مات لسبع عشرة خلت من رمضان سنة أربع وعشرين . وشذ أبو مسهر ، فقال : مات سنة خمس .

التالي السابق


الخدمات العلمية