صفحة جزء
بلال بن رباح ( ع )

مولى أبي بكر الصديق ، وأمه حمامة ، وهو مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله ، شهد بدرا ، وشهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - على التعيين بالجنة ، وحديثه في الكتب .

حدث عنه ابن عمر ، وأبو عثمان النهدي ، والأسود ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وجماعة .

ومناقبه جمة استوفاها الحافظ ابن عساكر ، وعاش بضعا وستين سنة .

يقال : إنه حبشي ، وقيل : من مولدي الحجاز .

وفي وفاته أقوال : أحدها بداريا في سنة عشرين .

عاصم : عن زر ، عن عبد الله ، أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، وعمار ، وأمه سمية ، وبلال ، وصهيب ، والمقداد . فأما النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر فمنعهما الله بقومهما ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون ، [ ص: 348 ] فألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فما منهم أحد إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلال ; فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول : أحد ، أحد وله إسناد آخر صحيح .

أبو حيان التيمي : عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال عند صلاة الصبح : حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ; فإني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين يدي في الجنة . قال : ما عملت عملا أرجى من أني لم أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كتب لي أن أصلي .

حسين بن واقد : حدثنا ابن بريدة سمعت أبي يقول : أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا بلالا ، فقال : بم سبقتني إلى الجنة ؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي ، إني دخلت الجنة البارحة ، فسمعت خشخشتك أمامي ، وأتيت على قصر من ذهب ، فقلت : لمن هذا ؟ قالوا : لعمر . فقال بلال : ما أذنت قط إلا صليت ركعتين ، وما أصابني حدث إلا توضأت ، ورأيت أن لله علي ركعتين أركعهما ، فقال : بها

[ ص: 349 ] حماد بن سلمة : عن ثابت ، عن أنس مرفوعا : دخلت الجنة ، فسمعت خشفة ، فقلت : ما هذه ؟ قيل : بلال .

عمارة بن زاذان : عن ثابت ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : السباق أربعة : أنا سابق العرب ، وسلمان سابق الفرس ، وبلال سابق الحبشة ، وصهيب سابق الروم .

المسعودي : عن القاسم بن عبد الرحمن ، قال : أول من أذن بلال .

ابن المنكدر : عن جابر ، قال عمر : أبو بكر سيدنا أعتق بلالا سيدنا .

عمر بن حمزة : عن سالم : أن شاعرا مدح بلال بن عبد الله بن عمر ، فقال :

وبلال عبد الله خير بلال

فقال ابن عمر : كذبت ، بل وبلال رسول الله خير بلال .

[ ص: 350 ] وفي حديث عمرو بن عبسة فقلت : من اتبعك ؟ قال : حر وعبد . فإذا معه أبو بكر وبلال .

وفي كنية بلال ثلاثة أقوال : أبو عبد الكريم ، وأبو عبد الله ، وأبو عمرو ، نقلها الحافظ أبو القاسم .

[ ص: 351 ] وقال : حدث عنه أبو بكر ، وعمر ، وأسامة بن زيد ، وابن عمر ، وكعب بن عجرة ، والصنابحي ، والأسود ، وأبو إدريس الخولاني ، وسعيد بن المسيب ، وابن أبي ليلى ، والحكم بن مينا ، وأبو عثمان النهدي .

قال أيوب بن سيار - أحد التلفى - عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، عن أبي بكر ، عن بلال ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أصبحوا بالصبح ; فإنه أعظم للأجر .

وقال محمد بن سعد : بلال بن عبد الله من مولدي السراة ، كانت أمه حمامة لبني جمح .

وقال البخاري : بلال أخو خالد وغفرة مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات بالشام ، وذكر الكنى الثلاثة . [ ص: 352 ]

قال عطاء الخراساني : كنت عند ابن المسيب فذكر بلالا ، فقال : كان شحيحا على دينه ، وكان يعذب في الله ، فلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : لو كان عندنا شيء ، ابتعنا بلالا ، فلقي أبو بكر العباس ، فقال اشتر لي بلالا ، فاشتراه العباس ، وبعث به إلى أبي بكر ، فأعتقه .

محمد بن خالد الطحان : أنبأنا أبي ، عن داود ، عن الشعبي قال : كان موالي بلال يضجعونه على بطنه ، ويعصرونه ، ويقولون : دينك اللات والعزى ، فيقول : ربي الله أحد أحد ، ولو أعلم كلمة أحفظ لكم منها لقلتها . فمر أبو بكر بهم ، فقالوا : اشتر أخاك في دينك ، فاشتراه بأربعين أوقية ، فأعتقه ، فقالوا : لو أبى إلا أوقية لبعناه ، فقال : وأقسم بالله لو أبيتم إلا بكذا وكذا - لشيء كثير - لاشتريته .

وفي السيرة أن أبا بكر اشتراه بعبد أسود مشرك من أمية بن خلف .

هشام بن عروة : عن أبيه قال : مر ورقة بن نوفل ببلال ، وهو يعذب على الإسلام ، يلصق ظهره بالرمضاء ، وهو يقول : أحد أحد ، فقال : يا بلال صبرا ، والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا .

هذا مرسل . ولم يعش ورقة إلى ذلك الوقت .

هشام : عن ابن سيرين أن بلالا لما ظهر مواليه على إسلامه مطوه في [ ص: 353 ] الشمس ، وعذبوه ، وجعلوا يقولون : إلهك اللات والعزى ، وهو يقول : أحد أحد . فبلغ أبا بكر ، فأتاهم ، فقال : علام تقتلونه ؟ فإنه غير مطيعكم . قالوا : اشتره . فاشتراه بسبع أواق ، فأعتقه .

وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : الشركة يا أبا بكر . قال : قد أعتقته
.

ابن عيينة : عن إسماعيل ، عن قيس قال : اشترى أبو بكر بلالا وهو مدفون في الحجارة بخمس أواق ذهبا ، فقالوا : لو أبيت إلا أوقية لبعناكه ، قال : لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته . إسناده قوي .

إسرائيل عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن سعد ، قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة نفر ، فقال المشركون : اطرد هؤلاء عنك فلا يجترئون علينا ، وكنت أنا وابن مسعود وبلال ورجل من هذيل وآخران ، فأنزل الله ولا تطرد الذين يدعون ربهم الآيتين [ الأنعام : 52 ، 53 ] .

[ ص: 354 ] ابن علية : عن يونس ، عن الحسن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بلال سابق الحبشة .

قالت عائشة : لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، وعك أبو بكر وبلال ، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول :

كل امرئ مصبح في أهله     والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول :

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة     بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة     وهل يبدون لي شامة وطفيل

اللهم العن عتبة ، وشيبة ، وأمية بن خلف ، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء .

الحسن بن صالح : عن أبي ربيعة ، عن الحسن ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 355 ] اشتاقت الجنة إلى ثلاثة : علي ، وعمار ، وبلال .

أبو ربيعة عمر بن ربيعة الإيادي ضعيف .

حسام بن مصك عن قتادة ، عن القاسم بن ربيعة ، عن زيد بن أرقم يرفعه : نعم المرء بلال سيد المؤذنين يوم القيامة ، والمؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة .

وله طرق أخر ضعيفة . ويروى بإسناد واه من مراسيل كثير بن مرة : " يؤتى بلال بناقة من نوق الجنة فيركبها " .

ابن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سادة السودان : لقمان والنجاشي وبلال ومهجع

[ ص: 356 ] رواه معاوية بن صالح ، عن الأوزاعي معضلا .

هشام بن عروة عن أبيه قال : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا وقت الفتح ، فأذن فوق الكعبة .

وقال ابن سعد : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار المؤذن ، حدثني ابن عمي عبد الله بن محمد وعمار بن حفص ، وأخوه عمر ، عن آبائهم ، عن أجدادهم : أن النجاشي بعث بثلاث عنزات إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطى عليا واحدة ، وعمر واحدة ، وأمسك واحدة ، فكان بلال يمشي بها بين يديه في العيدين حتى يأتي المصلى ، فيركزها بين يديه ، فيصلي إليها ، ثم كان يمشي بها بين يدي أبي بكر ، ثم كان سعد القرظ يمشي بها بين يدي عمر وعثمان .

قالوا : ولما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء بلال يريد الجهاد إلى أبي بكر الصديق ، فقال له : يا خليفة رسول الله ، إني سمعت رسول الله وهو يقول : أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله فقال أبو بكر : فما تشاء يا بلال ؟ قال : أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت .

قال أبو بكر : أنشدك بالله يا بلال ، وحرمتي وحقي ، فقد كبرت وضعفت ، واقترب أجلي . فأقام معه حتى توفي .

ثم أتى عمر ، فرد عليه ، فأبى بلال ، [ ص: 357 ] فقال : إلى من ترى أن أجعل النداء ؟ قال : إلى سعد فقد أذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم . فجعله عمر إلى سعد وعقبه .

حماد بن سلمة : عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، أن أبا بكر لما قعد على المنبر يوم الجمعة ، قال له بلال : أعتقتني لله أو لنفسك ؟ قال : لله . قال : فائذن لي في الغزو . فأذن له ، فذهب إلى الشام ، فمات ثم .

محمد بن نصر المروزي : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن القرشي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، أخبرني سعيد بن عبد العزيز ، وابن جابر وغيرهما أن بلالا لم يؤذن لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأراد الجهاد ، فأراد أبو بكر منعه ، فقال : إن كنت أعتقتني لله ، فخل سبيلي . قال : فكان بالشام حتى قدم عمر الجابية ، فسأل المسلمون عمر أن يسأل لهم بلالا يؤذن لهم ، فسأله ، فأذن يوما ، فلم ير يوما كان أكثر باكيا من يومئذ ، ذكرا منهم للنبي - صلى الله عليه وسلم .

قال الوليد : فنحن نرى أن أذان أهل الشام عن أذانه يومئذ .

هشام بن سعد : عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : قدمنا الشام مع عمر ، فأذن بلال ، فذكر الناس النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم أر يوما أكثر باكيا منه .

أبو أحمد الحاكم أنبأنا محمد بن الفيض بدمشق ، حدثنا أبو إسحاق [ ص: 358 ] إبراهيم بن محمد بن سليمان بن أبي الدرداء ، حدثني أبي عن جدي سليمان ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : لما دخل عمر الشام ، سأل بلال أن يقره به ، ففعل ، قال : وأخي أبو رويحة الذي آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينه ، فنزل بداريا في خولان ، فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان ، فقالوا : إنا قد أتيناكم خاطبين ، وقد كنا كافرين فهدانا الله ، ومملوكين فأعتقنا الله ، وفقيرين فأغنانا الله ، فإن تزوجونا فالحمد لله ، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله . فزوجوهما .

ثم إن بلالا رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه وهو يقول : ما هذه الجفوة يا بلال ؟ أما آن لك أن تزورني ؟ فانتبه حزينا ، وركب راحلته ، وقصد المدينة ، فأتى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل يبكي عنده ، ويمرغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسين ، فجعل يضمهما ويقبلهما ، فقالا له : يا بلال ، نشتهي أن نسمع أذانك . ففعل ، وعلا السطح ، ووقف ، فلما أن قال : الله أكبر ، الله أكبر ارتجت المدينة ، فلما أن قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، ازداد رجتها ، فلما قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، خرجت العواتق من خدورهن ، وقالوا : بعث رسول الله ، فما رئي يوم أكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك اليوم .

إسناده لين وهو منكر .

قتيبة : حدثنا الليث ، عن يحيى بن سعيد قال : ذكر عمر فضل أبي بكر ، [ ص: 359 ] فجعل يصف مناقبه ، ثم قال : وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته .

أبو هشام الرفاعي : حدثنا ابن فضيل ، حدثنا إسماعيل ، عن قيس ، قال : بلغ بلالا أن ناسا يفضلونه على أبي بكر ، فقال : كيف يفضلوني عليه وإنما أنا حسنة من حسناته .

الواقدي : حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن مكحول قال : حدثني من رأى بلالا رجلا آدم ، شديد الأدمة ، نحيفا ، طوالا ، أجنأ ، له شعر كثير ، وخفيف العارضين ، به شمط كثير ، وكان لا يغير .

وقيل : كان بلال ترب أبي بكر .

قال سعيد بن عبد العزيز : لما احتضر بلال قال : غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه ، قال : تقول امرأته : واويلاه ! فقال : وافرحاه ! .

قال محمد بن إبراهيم التيمي ، وابن إسحاق ، وأبو عمر الضرير ، وجماعة : توفي بلال سنة عشرين بدمشق .

قال الواقدي : ودفن بباب الصغير وهو ابن بضع وستين سنة .

وقال علي بن عبد الله التميمي : دفن بباب كيسان .

وقال ابن زيد : حمل من داريا ، فدفن بباب كيسان . وقيل : مات سنة [ ص: 360 ] إحدى وعشرين .

وقال مروان بن محمد الطاطري : مات بلال في داريا ، وحمل فقبر في باب الصغير .

وقال عبد الجبار بن محمد في " تاريخ داريا " : سمعت جماعة من خولان يقولون : إن قبره بداريا بمقبرة خولان .

وأما عثمان بن خرزاذ فقال : حدثنا محمد بن أبي أسامة الحلبي ، حدثنا أبو سعد الأنصاري عن علي بن عبد الرحمن : قال مات بلال بحلب ، ودفن بباب الأربعين .

جاء عنه أربعة وأربعون حديثا ، منها في " الصحيحين " أربعة ، المتفق عليها واحد .

وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بحديث موقوف .

التالي السابق


الخدمات العلمية