صفحة جزء
وفي ثالث يوم من ربيع الأول ، بويع السفاح بالخلافة ، بالكوفة ، في دار مولاه الوليد بن سعد وسار الخليفة مروان في مائة ألف فارس ، حتى نزل الزابين دون الموصل ، يقصد العراق . فجهز السفاح له عمه عبد الله بن علي ، فكانت الوقعة على كشاف ، في جمادى الآخرة ، فانكسر مروان وتقهقر ، وعدى الفرات ، وقطع وراءه الجسر ، وقصد الشام ليتقوى ، ويلتقي ثانيا .

فجد في طلبه عبد الله بن علي حتى طرده عن دمشق ، ونازلها ، وأخذها بعد أيام ، وبذل السيف ، وقتل بها في ثلاث ساعات نحوا من خمسين ألفا ، غالبهم من جند بني أمية .

وانقضت أيامهم ، وهرب مروان إلى مصر في عسكر قليل ، فجدوا في طلبه ، إلى أن بيتوه بقرية بوصير ، فقاتل حتى قتل ، وطيف برأسه في البلدان ، وهرب ابناه إلى بلاد النوبة .

[ ص: 58 ] قال محمد بن جرير في " تاريخه " : كان بدو أمر بني العباس ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما قيل ، أعلم العباس أن الخلافة تئول إلى ولده ، فلم يزل ولده يتوقعون ذلك .

قلت : لم يصح هذا الخبر ، ولكن آل العباس ، كان الناس يحبونهم ، ويحبون آل علي ، ويودون أن الأمر يئول إليهم ، حبا لآل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبغضا في آل مروان بن الحكم فبقوا يعملون على ذلك زمانا حتى تهيأت لهم الأسباب ، وأقبلت دولتهم وظهرت من خراسان .

وعن رشدين بن كريب : أن أبا هاشم بن محمد ابن الحنفية ، خرج إلى الشام ، فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، والد السفاح ، فقال : يا ابن عم! إن عندي علما أريد أن ألقيه إليك ، فلا تطلعن عليه أحدا : إن هذا الأمر الذي يرتجيه الناس ، هو فيكم; قال : قد علمته ، فلا يسمعنه منك أحد .

قلت : فرحنا بمصير الأمر إليهم ، ولكن والله ساءنا ما جرى لما جرى من سيول الدماء ، والسبي ، والنهب ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فالدولة الظالمة مع الأمن وحقن الدماء ، ولا دولة عادلة تنتهك دونها المحارم ، وأنى لها العدل ؟ بل أتت دولة أعجمية ، خراسانية ، جبارة ، ما أشبه الليلة بالبارحة .

روى أبو الحسن المدائني عن جماعة : أن الإمام محمد بن علي بن عبد الله ، قال : لنا ثلاثة أوقات : موت يزيد بن معاوية ، ورأس المائة ، وفتق بإفريقيا . فعند ذلك يدعو لنا دعاة ، ثم يقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم المغرب .

فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية ، ونقضت البربر ، بعث محمد الإمام رجلا إلى خراسان وأمره أن يدعو إلى الرضا من آل محمد ، ولا يسمي أحدا . ثم إنه وجه أبا مسلم ، وكتب إلى النقباء ، فقبلوا كتبه ، ثم وقع في يد مروان بن [ ص: 59 ] محمد كتاب لإبراهيم بن محمد إلى أبي مسلم ، جواب كتاب ، يأمر أبا مسلم بقتل كل من تكلم بالعربية بخراسان .

فقبض مروان على إبراهيم ، وقد كان مروان وصف له صفة السفاح التي كان يجدها في الكتب ، فلما جيء بإبراهيم ، قال : ليست هذه الصفة ، ورد أعوانه في طلب المنعوت له ، وإذا بالسفاح وإخوته وأعمامه قد هربوا إلى العراق ، واختفوا بها عند شيعتهم .

فيقال : إن إبراهيم كان نعى إليهم نفسه ، وأمرهم بالهرب ، فهربوا من الحميمة ، فلما قدموا الكوفة أنزلهم أبو سلمة الخلال وكتم أمرهم .

فبلغ الخبر أبا الجهم ، فاجتمع بكبار الشيعة ، فدخلوا على آل العباس ، فقالوا : أيكم عبد الله بن محمد ابن الحارثية ، قالوا : هذا . فسلموا عليه بالخلافة ، ثم خرج أبو الجهم ، وموسى بن كعب ، والأعيان ، فهيئوا أمرهم ، وخرج السفاح على برذون ، فصلى بالناس الجمعة . وذلك مستوفى في ترجمة السفاح ، وفي " تاريخي الكبير " وفي ترجمة عم السفاح عبد الله .

وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة سار أبو جعفر المنصور إلى خراسان إلى أبي مسلم ، ليأخذ رأيه في قتل أبي سلمة ، حفص بن سليمان الخلال ، وزيرهم . وذلك أنه لما نزل به السفاح وأقاربه ، حدثته نفسه بأن يبايع علويا ، ويدع هؤلاء وشرع يعمي أمرهم ، على قواد شيعتهم ، فبادر كبارهم ، وبايعوا لسفاح وأخرجوه ، فخطب الناس فما وسعه -أعني أبا سلمة - إلا المبايعة ، فاتهموه .

فعن أبي جعفر قال : انتدبني أخي السفاح للذهاب إلى أبي مسلم ، فسرت على وجل ، فقدمت الري ثم شرفت عنها فرسخين ، فلما صار بيني وبين مرو فرسخين ، تلقاني أبو مسلم في الجنود . فلما دنا مني ترجل ماشيا ، فقبل [ ص: 60 ] يدي ، ثم نزلت ، فمكثت ثلاثة أيام لا يسألني عن شيء ثم سألني فأخبرته ، فقال : فعلها أبو سلمة ؟ أنا أكفيكموه . فدعا مرار بن أنس الضبي ، فقال : انطلق إلى الكوفة ، فاقتل أبا سلمة حيث لقيته . قال : فقتله بعد العشاء . وكان يقال له : وزير آل محمد .

ولما رأى أبو جعفر عظمة أبي مسلم ، وسفكه للدماء ، رجع من عنده وقال للسفاح : لست بخليفة إن أبقيت أبا مسلم . قال : وكيف ؟ قال : ما يصنع إلا ما يريد . قال : فاسكت واكتمها .

وأما ابن هبيرة ، فدام ابن قحطبة يحاصره بواسط أحد عشر شهرا ، فلما تيقنوا هلاك مروان ، سلموها بالأمان ، ثم قتلوا ابن هبيرة ، وغدروا به ، وبعدة من أمرائه .

وفي عام ثلاثة وثلاثين خرج على أبي مسلم شريك المهري ببخارى ، ونقم على أبي مسلم كثرة قتله ، وقال : ما على هذا اتبعنا آل محمد ، فاتبعه ثلاثون ألفا . فسار عسكر أبي مسلم ، فالتقوا ، فقتل شريك .

التالي السابق


الخدمات العلمية