صفحة جزء
أبو حازم ( ع )

سلمة بن دينار ، الإمام القدوة ، الواعظ ، شيخ المدينة النبوية أبو حازم المديني ، المخزومي ، مولاهم الأعرج ، الأفزر التمار ، القاص ، الزاهد .

وقيل ولاؤه لبني ليث . ولد في أيام ابن الزبير وابن عمر .

وروى عن سهل بن سعد ، وأبي أمامة بن سهل ، وسعيد بن المسيب ، وعبد الله بن أبي قتادة ، والنعمان بن أبي عياش ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، وأم الدرداء ، وعمارة بن عمرو بن حزم ، وعبيد الله بن مقسم ، ومسلم بن قرط ، [ ص: 97 ] ومحمد بن المنكدر ، وأبي مرة مولى عقيل ، وبعجة بن عبد الله الجهني ، وعدة .

وروى عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وذلك منقطع .

روى عنه ابن شهاب ، ويزيد بن عبد الله بن الهاد ، وعمارة بن غزية ، وزيد بن أبي أنيسة ، وعبيد الله بن عمر ، والحمادان ، والسفيانان ، ومالك ، وسليمان بن بلال ، وأبو غسان محمد بن مطرف ، وموسى بن يعقوب ، وهشام بن سعد ، وفضيل بن سليمان والدراوردي ، وعمر بن علي المقدمي ، وعبد العزيز بن أبي حازم وخلق سواهم .

وثقه ابن معين ، وأحمد ، وأبو حاتم . وقال ابن خزيمة : ثقة ، لم يكن في زمانه مثله .

قال يحيى الوحاظي : قلت لابن أبي حازم : أسمع أبوك من أبي هريرة ؟ .

قال : من حدثك أن أبي سمع من أحد من الصحابة غير سهل بن سعد ، فقد كذب .

قال ابن عيينة عن أبي حازم : إني لأعظ ، وما أرى موضعا ، وما أريد إلا نفسي .

وروى ابن عيينة عنه قال : اشتدت مؤنة الدين والدنيا ، قيل : وكيف ؟ قال : أما الدين ، فلا تجد عليه أعوانا ، وأما الدنيا ، فلا تمد يدك إلى شيء منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليه .

وقال عنه أيضا : ليس للملوك صديق ، ولا للحسود راحة ، والنظر في العواقب تلقيح العقول .

قال سفيان : فذاكرت الزهري هذه الكلمات ، فقال : كان أبو حازم جاري ، وما ظننت أنه يحسن مثل هذا .

[ ص: 98 ] وروى عبيد الله بن عمر عن أبي حازم قال : لا تكون عالما حتى يكون فيك ثلاث خصال : لا تبغ على من فوقك ، ولا تحقر من دونك ، ولا تأخذ على علمك دنيا .

وروى يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : ما أحببت أن يكون معك في الآخرة ، فاتركه اليوم . وقال : انظر كل عمل كرهت الموت من أجله ، فاتركه ثم لا يضرك متى مت .

وقال : يسير الدنيا يشغل عن كثير الآخرة . وقال : انظر الذي يصلحك فاعمل به ، وإن كان فسادا للناس ، وانظر الذي يفسدك فدعه ، وإن كان صلاحا للناس .

وعنه قال : شيئان إذا عملت بهما ، أصبت خير الدنيا والآخرة ، لا أطول عليك ، قيل ما هما ؟ قال : تحمل ما تكره إذا أحبه الله ، وتترك ما تحب إذا كرهه الله .

وعنه : نعمة الله فيما زوى عني من الدنيا ، أعظم من نعمته فيما أعطاني منها ، لأني رأيته أعطاها قوما فهلكوا .

وروى محمد بن إسماعيل الصنعاني ، عن ابن عيينة ، قال أبو حازم لجلسائه ، وحلف لهم : لقد رضيت منكم أن يبقي أحدكم على دينه كما يبقي على نعله .

أبو الوليد الطيالسي عن ابن عيينة ، سمعت أبا حازم يقول : لا تعادين رجلا ، ولا تناصبنه حتى تنظر إلى سريرته بينه وبين الله ، فإن يكن له سريرة حسنة ، فإن الله لم يكن ليخذله بعداوتك . وإن كانت له سريرة رديئة ، فقد كفاك مساوئه . ولو أردت أن تعمل به أكثر من معاصي الله ، لم تقدر .

وروى يحيى بن محمد المدني ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، قلت [ ص: 99 ] لأبي حازم : إني لأجد شيئا يحزنني ، قال : وما هو يا ابن أخي ؟ قلت : حبي للدنيا . قال : اعلم أن هذا لشيء ما أعاتب نفسي على بعض شيء حببه الله إلي ; لأن الله قد حبب هذه الدنيا إلينا . لتكن معاتبتنا أنفسنا في غير هذا : ألا يدعونا حبها إلى أن نأخذ شيئا من شيء يكرهه الله ، ولا أن نمنع شيئا من شيء أحبه الله . فإذا نحن فعلنا ذلك لم يضرنا حبنا إياها .

ضمرة بن ربيعة ، عن ثوابة بن رافع ، قال : قال أبو حازم : وما إبليس ؟ لقد عصي فما ضر ، ولقد أطيع فما نفع .

وعنه : ما الدنيا ؟ ما مضى منها ، فحلم ، وما بقي منها ، فأماني .

وروى يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : السيئ الخلق أشقى الناس به نفسه التي بين جنبيه ، هي منه في بلاء ثم زوجته ، ثم ولده ، حتى إنه ليدخل بيته ، وإنهم لفي سرور ، فيسمعون صوته فينفرون عنه ، فرقا منه . وحتى إن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة ، وإن كلبه ليراه فينزو على الجدار ، حتى إن قطه ليفر منه .

روى أبو نباتة المدني ، عن محمد بن مطرف ، قال : دخلنا على أبي حازم الأعرج ، لما حضره الموت ، فقلنا : كيف تجدك ؟ قال : أجدني بخير ، راجيا لله ، حسن الظن به . إنه -والله- ما يستوي من غدا أو راح يعمر عقد الآخرة لنفسه فيقدمها أمامه قبل أن ينزل به الموت حتى يقدم عليها ، فيقوم لها وتقوم له ، ومن غدا أو راح في عقد الدنيا يعمرها لغيره ، ويرجع إلى الآخرة لا حظ له فيها ولا نصيب .

قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما رأيت أحدا الحكمة أقرب إلى فيه من أبي حازم .

يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : تجد الرجل يعمل [ ص: 100 ] بالمعاصي ، فإذا قيل له : أتحب الموت ؟ قال : لا . وكيف وعندي ما عندي ؟ فيقال له : أفلا تترك ما تعمل ؟ فيقول : ما أريد تركه ، ولا أحب أن أموت حتى أتركه .

ابن عيينة ، عن أبي حازم قال : وجدت الدنيا شيئين : فشيئا هو لي ، وشيئا لغيري . فأما ما كان لغيري ، فلو طلبته بحيلة السماوات والأرض لم أصل إليه . فيمنع رزق غيري مني ، كما يمنع رزقي من غيري .

يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم قال : كل عمل تكره من أجله الموت فاتركه ، ثم لا يضرك متى مت .

محمد بن مطرف ، حدثنا أبو حازم قال : لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله ، إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد . ولا يعور ما بينه وبين الله إلا عور فيما بينه وبين العباد . لمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها . إنك إذا صانعته مالت الوجوه كلها إليك ، وإذا استفسدت ما بينه ، شنئتك الوجوه كلها .

وعن أبي حازم قال : اكتم حسناتك ، كما تكتم سيئاتك .

سفيان بن وكيع ، حدثنا ابن عيينة قال : دخل أبو حازم على أمير المدينة ، فقال له : تكلم . قال له : انظر الناس ببابك ، إن أدنيت أهل الخير ، ذهب أهل الشر ، وإن أدنيت أهل الشر ، ذهب أهل الخير .

وقال أبو حازم : لأنا من أن أمنع من الدعاء أخوف مني أن أمنع الإجابة .

وقال : إن الرجل ليعمل السيئة ، ما عمل حسنة قط أنفع له منها ، وكذا في الحسنة .

وعن أبي حازم قال : خصلتان ، من يكفل لي بهما ؟ تركك ما تحب ، واحتمالك ما تكره .

[ ص: 101 ] وقيل : إن بعض الأمراء أرسل إلى أبي حازم ، فأتاه وعنده الزهري والإفريقي ، وغيرهما ، فقال : تكلم يا أبا حازم . فقال أبو حازم : إن خير الأمراء من أحب العلماء ، وإن شر العلماء من أحب الأمراء .

وعن أبي حازم قال : إذا رأيت ربك يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه ، فاحذره ، وإذا أحببت أخا في الله ، فأقل مخالطته في دنياه .

قال مصعب بن عبد الله الزبيري : أبو حازم أصله فارسي ، وأمه رومية ، وهو مولى بني ليث ، وكان أشقر ، أفزر ، أحول .

وقال ابن سعد : كان يقص بعد الفجر وبعد العصر في مسجد المدينة ، ومات في خلافة أبي جعفر ، بعد سنة أربعين ومائة قال : وكان ثقة كثير الحديث .

وقال الفلاس والترمذي : مات سنة ثلاث وثلاثين .

وقال خليفة : سنة خمس وثلاثين وقال الهيثم : مات سنة أربعين ومائة .

وقال يحيى بن معين : مات سنة أربع وأربعين ومائة .

قلت : آخر من حدث عنه أنس بن عياض الليثي ، وحديثه في الكتب الستة .

أخبرنا عمر بن عبد المنعم ، أنبأنا عبد الصمد بن محمد الحاكم ، أنبأنا علي بن المسلم الفقيه ، أنبأنا الحسين بن محمد الخطيب ، أنبأنا محمد بن أحمد الصيداوي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي عباد الصفار بالرملة ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا سفيان ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : من نابه في صلاته شيء ، فليقل سبحان الله ، إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال .

[ ص: 102 ] هذا حديث صحيح ، أخرجه ابن ماجه عن الثقة ، عن سفيان بن عيينة ، وهو في صحيح البخاري . من طريق الثوري ، عن أبي حازم الأعرج .

أخبرنا عبد الحافظ بن بدران ، ويوسف بن أحمد قالا : أنبأنا موسى بن عبد القادر ، أنبأنا سعيد بن أحمد ، أنبأنا علي بن أحمد ، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن الذهبي ، حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا خلف بن هشام ، حدثنا العطاف بن خالد ، حدثنا أبو حازم ، عن سهل بن سعد ، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : غدوة في سبيل الله أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ، وموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها .

أخرجه الترمذي ، من حديث العطاف ، وصححه ، وهو في البخاري [ ص: 103 ] ومسلم من رواية عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية