صفحة جزء
[ ص: 43 ] كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب

" كدأب " خبر مبتدأ محذوف ، وهو حذف تابع للاستعمال في مثله : فإن العرب إذا تحدثوا عن شيء ثم أتوا بخبر دون مبتدإ علم أن المبتدأ محذوف فقدر بما يدل عليه الكلام السابق .

فالتقدير هنا : دأبهم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم ، أي من الأمم المكذبين برسل ربهم ، مثل عاد وثمود .

والدأب : العادة والسيرة المألوفة ، وقد تقدم مثله في سورة آل عمران . وتقدم وجه تخصيص آل فرعون بالذكر . ولا فرق بين الآيتين إلا اختلاف العبارة ، ففي سورة آل عمران كذبوا بآياتنا وهنا كفروا بآيات الله ، وهنالك والله شديد العقاب وهنا إن الله قوي شديد العقاب 0 فأما المخالفة بين " كذبوا " و " كفروا " فلأن قوم فرعون والذين من قبلهم شاركوا المشركين في الكفر بالله وتكذيب رسله ، وفي جحد دلالة الآيات على الوحدانية وعلى صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم ، فذكروا هنا ابتداء بالأفظع من الأمرين فعبر بالكفر بالآيات الدالة على وحدانية الله تعالى ; لأن الكفر أصرح في إنكار صفات الله تعالى .

وقد عقبت هذه الآية بالتي بعدها ، فذكر في التي بعدها التكذيب بالآيات ، أي التكذيب بآيات صدق الرسول - عليه الصلاة والسلام - وجحد الآيات الدالة على صدقه . فأما في سورة آل عمران فقد ذكر تكذيبهم بالآيات ، أي الدالة على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم ; لأن التكذيب متبادر في معنى تكذيب المخبر ، لوقوع ذلك عقب ذكر تنزيل القرآن وتصديق من صدق به ، وإلحاد من قصد الفتنة بمتشابهه ، فعبر عن الذين شابهوهم في تكذيب رسولهم بوصف التكذيب .

فأما الإظهار هنا في مقام الإضمار فاقتضاه أن الكفر كفر بما يرجع إلى صفات الله فأضيفت الآيات إلى اسم الجلالة ليدل على الذات بعنوان الإله الحق وهو الوحدانية ، [ ص: 44 ] وأما الإضمار في آل عمران فلكون التكذيب تكذيبا لآيات دالة على ثبوت رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم ، فأضيفت الآيات إلى الضمير على الأصل في التكلم .

وأما الاختلاف بذكر حرف التأكيد هنا ، دونه في سورة آل عمران ، فلأنه قصد هنا التعريض بالمشركين ، وكانوا ينكرون قوة الله عليهم ، بمعنى لازمها : وهو إنزال الضر بهم ، وينكرون أنه شديد العقاب لهم ، فأكد الخبر باعتبار لازمه التعريضي الذي هو إبلاغ هذا الإنذار إلى من بقي من المشركين ، وفي سورة آل عمران لم يقصد إلا الإخبار عن كون الله شديد العقاب إذا عاقب ، فهو تذكير للمسلمين وهم المقصود بالإخبار بقرينة قوله عقبه : قل للذين كفروا ستغلبون الآية .

وزيد وصف " قوي " هنا مبالغة في تهديد المشركين المقصودين بالإنذار والتهديد . والقوي الموصوف بالقوة ، وحقيقتها كمال صلابة الأعضاء لأداء الأعمال التي تراد منها ، وهي متفاوتة مقول عليها بالتشكيك .

وقد تقدم عند قوله تعالى : فخذها بقوة في سورة الأعراف . وهي إذا وصف الله بها مستعملة في معناها اللزومي وهو منتهى القدرة على فعل ما تتعلق به إراداته - تعالى - من الممكنات . والمقصود من ذكر هذين الوصفين : الإيماء إلى أن أخذهم كان قويا شديدا ; لأنه عقاب قوي شديد العقاب ، كقوله : فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر وقوله : إن أخذه أليم شديد

التالي السابق


الخدمات العلمية